حركة الإصلاح الدّيني في أوروبا

حركة الإصلاح الدّيني في أوروبا
راجح إبراهيم محمد السباتين(*)
مُلَخَّص
يتناول هذا البحث، الذي يتكوَّنُ من ستة مطالب، عوامل انطلاقة حركة الإصلاح الدّيني في "أوروبا" على يد الراهب الألماني "مارتن لوثر" الذي دعا إلى إصلاح الكنيسة والحدّ من تجاوزاتها واضطهادها للناس. ولقد كانت المناداة بهذا الإصلاح مقدّمةً نتج عنها، فيما بعد، إقصاءُ كنيسة "روما" عن المشاركة في حكم "أوروبا" والحدّ من سيطرتها على حياة الإنسان الأوروبي والتدخّل في كلِّ تفاصيلها.
ومن الممكن حصر أسباب المناداة بهذا الإصلاح فيما يلي:
1. إصدار الكنيسة لصكوك الغفران.                  2. موقف الكنيسة من العلم والعلماء وتقييدها للعقل.
3. إنحراف رجال الدّين ونسيانهم لدورهم الأخلاقي والدّيني.    4. إبتداع الكنيسة لنظام "محاكم التفتيش".
5. فرض الكنيسة للكتاب المقدَّس باللغة اللاتينية واحتكارها لفهمه وتفسيره.      6. العاملان السياسي والقومي.


MOVEMENT OF RELIGIOUS REFORM IN EUROPE

RAJEH IBRAHIM MOHAMMAD ALSABATEEN

ABSTRACT

This research which consists of six demands, deals with the factors of the start of the religious reform movement in Europe, by the German monk “Martin Luther” who called for the reform of the church and stop its excesses and persecuting people. The result of this call, later, was to exclude Rome Church from participating in the rule of “Europe”, and to limit its control over the life of the European human being, and to interfere in all of its details.
Reasons of the call for reform are:
1-    Issuance of Indulgence Deeds by the church.
2-    Attitude of the church towards science, and scientists and restricting mind.
3-    Corruption of men of religion and negligence of their religious and moral role.
4-    Creating the “Inquisitions Courts” by the church.
5-    Imposing the Bible in Latin by the church and cornering its understanding and implantation.
6-    The two factors: political and national factors.
 
مقدمة
كانت المرة الأولى التي استُخْدِمَ فيها مصطلحُ "الإصلاح الديني" في القارة الأوروبية، عندما بعث "مارتن لوثر" خطاباً إلى "الدوق جورج"(1) طالب فيه بالإصلاح الديني بقوله: "يجب القيام بإصلاحٍ دينيٍ عامٍ للطبقات الروحية والزمنية"(2). وقد علَّق المؤرِّخُ "ول ديورانت" على ذلك بقوله: "وقد أضفت هذه الكلمة على ثورة لوثر اسمها التاريخي"(3). وقد جاءت هذه الدعوة للإصلاح بعد استبداد الكنيسة وتمتعها بصلاحياتٍ وسلطاتٍ تقومُ على أن الكنيسة مُمَثَّلَةً بشخص البابا إنما هي خليفة الرسول "بطرس" ووريثة صلاحيّاته، وأنّ هذه السّلطة المتوارَثة منصوصٌ عليها في إنجيل متّى، ومنها ما يلي:
أولاً: ما ورد على لسان المسيح عليه السلام "أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة آبني كنيستي وقُوَّاتُ الجحيم لن تقوى عليها وأُعطيكَ مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون قد رُبط في السماء، وما تحلُّه على الأرض يكون قد حُلَّ في السماء"(4).
ثانياً: ما ورد على لسان المسيح عليه السلام "فالحق" أقول لكم: إنَّ كلَّ ما تربطونه على الأرض، يكون قد رُبِطَ في السماء ما تحلّونه على الأرض يكون قد حُلَّ في السماء"(5).
وقد ذهب ول ديورانت إلى القول: "إن الله أنشأ الكنيسة بأن جعلَ الرسول "بطرس" أوَّلَ رئيسٍ لها. وإن أساقفة روما ورثوا سلطات بطرس في تسلسلٍ مستمرٍ متصلٍ، ولذلك فإن البابا ممثلُ الله على ظهر الأرض يجب أن تكون له السيادة العليا والسلطان الأعظم على جميع المسيحيين، حكاماً كانوا أو محكومين"(6).
المطلب الأول
إصدار الكنيسة لصكوك الغفران
كان التنافس بين البابوات شديداً؛ وكان كلٌّ منهم يحاول أن يثبت أنه قدَّم للكنيسة وللمسيحيّة خدماتٍ لم يقدّمْها سابقوه ولم تخطر على بالهم، وكان من ذلك ابتداعُ "سندات" أو "صكوك" تغفرُ وتجبُّ خطايا الإنسان الذي يشتريها. وفي بادئ الأمر كان انتشار هذه الصكوك محدوداً وقليلاً وقد رضي بها عامّةُ الناس؛ لأنَّ الأموال التي كانت تُجبى من خلالها كانت تُستخدَمُ، على ما ذكره البابوات، لأمرين هامّين؛ أولهما بناءُ كنيسة جديدة تحمل آسَم القّديس "بطرس" وذلك بسبب قِدَم الكنيسة الحاليّة وعدم صلاحيتها للترميم. وأمّا الأمر الثاني: فتمويلُ الحروب الصليبية التي كانت موجّهةً نحو الشرق بهدف القضاء على الجيش العثماني وإقامة إمارةٍِ صليبيةٍ مقرُّها بيت المقدس.
هكذا كانت بداية صكوك الغفران، وتحت هذين السببين تَّم جمع الأموال. ولكنّ الذي ظهر بعد ذلك أنّ البابوات وجدوا في هذه الصكوك باباً واسعاً لجلب الأموال ولزيادة ثرواتهم الشخصية وتوسيع ممتلكاتهم الخاصة فأعطوا هذه الصكوك مدىً أوسع وأُفقاً أكبر في غفرانها للذنوب وللخطايا وجَرَّدوها من الأحكام والصفات الأخلاقية التي كانت مُلازِمةً لاستخدامها أصلاً، بحيث أصبح الذي يدفع أكثر ويشتري صكوكاً أكثر في غير حاجةٍ للذهاب إلى الكنيسة للإعتراف والتوبة؛ فَدفعُهُ للمال، على النحو الذي آلت إليه الصكوك فيما بعد، يضمنُ له غفرانَ الذنوب ليس في الحياة فقط بل بعد الممات!! بل إنّ بعض أنواع الصكوك كانت تضمن لأصحابها أن تُفتحَ لهم أبوابُ جنة النعيم وتُغلقَ أمامهم أبواب العذاب!! ومن نماذج هذه الصكوك والتي اشتهرَ بتوزيعها الراهب الدومينيكاني "يوحنا" تيتزل بأمرٍ مباشرٍ من البابا "ليو العاشر" ما يلي:
"ألا فليرحمك الربُّ يسوعُ المسيح ويغفر لك بفضل ما لقى من آلامٍ مقدّسةٍ. وإنَّا بتفويضٍ منه ومن رسولَيه المبارَكين "بطرس وبولس"، ومن البابا المقدَّس مُنحَ لي وعَهدَ به إليَّ في هذه الأجزاء أن أُحِلَّك أولاً من كل لَومٍ دينيٍ مهما كانت الطريقُة التي تعرَّضتَ لها، ثم من كل خطاياك ومن كل تجاوزٍ للحدود وكل إفراط في الملذات مهما بلغَتْ من الجسامة، بل حتى من أي إثمٍ تحتفظ بتقريره وإدراكه السدّةُ البابوية، وبقدر ما يمتد نطاق سلطان الكنيسة المقدّسة أعفيكَ من كلَّ عقابٍ تستحقُّه في المَطْهَرِ(7) بسبب هذه الآثام، وأعِيدكَ إلى القُربان المقدَّس للكنيسة وإلى البراءة والطُّهر اللذين حُزْتَهُمَا في العِماد، ولهذا فإنكَ عندما تموتُ ستغلقُ أمامك أبواب العذاب وتُفتح لك أبوابُ جنّة النعيم، وإذا لم تمُتْ الآن فإنّ هذا الفضلَ سوف يظلُّ في أوج قوَّتهِ عندما تصبحُ على وشك الموت باسم الأب والإبن والروح القُدُس"(8). ويرى هربرت فيشر(9) "أنَّ فكرةَ كون البابا قادراً على إصدار صكوك غفران تجبُّ الخطايا من كلَّ نوعٍ مستمدةٌ من النظرية القائلة بأن القدّيس "بطرس" وخلفاءه قد خُلِعتْ عليهم مَيَّزةُ توزيع فيضٍ لا ينضبُ من الثواب على المؤمنين. وهذا الفيض من الثواب يرجع أصلاً إلى تضحيات المسيح؛ ثم زاد على مرِّ السنين بالأعمال الخَيّرة التي قامت بها أجيالٌ متعاقبةٌ من المسيحيين المؤمنين. وقد تجاوبتْ فكرة الثواب على أنها ليست أمراً موقوتاً ولا شخصياً؛ بل حصيلةٌ من الثروة الروحية يمكن إدّخارها لصالح الأحياء والأموات، وتجاوبَتْ في نفس الوقت مع الخيال الديني والمطالب المالية للبابوات على حدٍّ سواءٍ".
يُستفاد ممّا سبق أنّ البابوات ومندوبيهم في التحصيل، قد تجاوزوا في إصدارهم لهذه الصكوك كلًَّ الحدود والقوانين والصلاحيات لدرجةٍ وصلت إلى تدخُّلِهم فيما هو من صفات الله وحده، فهم لم يتجاوزوا، بصكوكهم هذه، عن العقوبة على الخطيئة بل زعموا القدرة على محو الخطيئة ذاتها!! وضمنوا للمخطئين الجنَّة وجنّبوهم المسُاءَلة أو المحاسَبة في المطهر!! وقد ثارت ضدّ هذه الصكوك موجهةٌ عارمةٌ من الانتقادات والاحتجاجات من قِبَلِ الرهبان قبلَ غيرهم وهاجموا البابا من خلال مهاجمتهم لسلوك وكلمات ووعود الراهب "يوحنا تيتزل" الذي تفرَّغ منذ عام (1500م) لتوزيع صكوك الغفران فقط. غير أنَّ "مارتن لوثر" هو الذي تجرأ وهاجم "يوحنا تيتزل" أولاً ثم هاجم البابا بشخصه ثانياً، وسيأتي تفصيل هذا الهجوم الكلامي في المطالِب اللاحقة. ومن الشواهد التي نسوقها للتدليل الإنتقادات الموجهّة لـ "يوحنا تيتزل" ما يلي:
أ. "سمع مايكونيوس، وهو راهب فرنسسكاني، ربما كان معادياً للدومينيكان، بصنيع "تيتزل" فكتب تقريراً عن هذا عام 1517م، يقول(10): "إنّ ما قاله هذا الراهب الجاهل وبشَّر به أمرٌ لا يُصّدق. لقد أعطى خطاباتٍ مختومةً ضمَّنها أنَّ الخطايا التي يعتزم المرءُ أن يرتكبها سوف تُغْفَرُ له، وقال إنّ البابا يملك سلطاناً يفوق سلطان الرسل والملائكة والقدِّيسين، بل يفوق سلطان العذراء مريم نفسها، لأن هؤلاء جميعاً كانوا أتباعاً للمسيح أمّا البابا فإنه نِدٌّ للمسيح"
ب. "إنه ليس من المعقول ما ذهب إليه هذا الراهب الجاهل الأحمق حين قال للناس إنهم إذا ما ساهموا عن طواعيةٍ واشتروا الثواب وصكَّ الغفران، فإن "كلَّ تلال "سانت أنابورج" ستستحيل إلى كتلةٍ هائلةٍ من فضةٍ صافيةٍ وأنه ما أَنْ سُمِعَ رنينُ العملة في الصندوق حتى تكونَ روحُ مَنْ دُفِعتِ الأموالُ من أجله في طريقها إلى الفردوس"(11).


المطلب الثاني
موقف الكنيسة من العلم والعلماء وتقييدها للعقل ومحاربتها التفكير الخارج عن إطار الكتاب المقدَّس
إن الحديث في هذه النقطة غايّةٌ في الأهمية وذلك لأنّ النتيجة التي ترتّبتْ على حرب الكنيسة ضد العلم والعلماء وضد العقل والعقلاء كانت، دون أدنى شكٍ، توجُّهَ العالم المسيحي، بشكلٍ عامٍ، إلى الإلحاد والتخلي عن العقائد الموروثة التي تتناقض في مجملها مع منطق العقل وأبسط مراتب البحث والتفكير العلمي. كيف لا؟ وقد شَقَّتْ "أوروبا" طريقها نحو العلم والنهضة الصناعية والعلمية والعمرانية بعد أن أزاحت الكنيسة عن حياتها وأبعدتها عن التدخُّل في شؤون الحياة العامّة والخاصّة للمجتمعات والدّول. وقد كان ذاك الإبعاد والعزل للكنيسة، كما أسلفنا، مقدمةً للنهضة فتحولت "أوروبا" خلال سنواتٍ معدودةٍ من عصر الظلمات إلى عصر التنوير. والملخَّصُ المفيد لحكاية الحرب هذه بين الكنيسة والعلم أنّ رجال الكنيسة كانوا يزعمون أنّ الكتاب المقدس يتضَّمنُ كل أنواع العلوم التي يحتاجها الناس سواء أكانت علوم دين أم علوم دُنيا "وأنَّ أساس كُلَّ علمٍ، عندهم، هو الكتاب المقدّس وتقاليد الكنيسة وأنَّ الله لم يقصُرْ تعليمنا بالوحي على الهداية إلى الدين فقط بل علَّمنا بالوحي كلَّ ما أراد أنْ نعلَمه مِن الكون، فالكتاب المقدّس يحتوي من المعرفة على المقدار الذي قُدِّر للبشر أن ينالوه، فجميع ما جاء في الكتب السماوية من وصف السماء والأرض، وما فيها، وتاريخ الأمم ممّا يجب تسليمُه مهما عارضَ العقلَ، أو خالفَ شاهِدَ الحسَّ، فعلى الناس أن يُؤمنوا به أولاً، ثم يجتهدوا ثانياً في حمل أنفسهم على فهمه"(12).
ولكي تكون الأمور أكثر تحديداً ووضوحاً فسنذكرُ شواهد يستدلُّ بها النصارى على موقف الكنيسة من العلم وذلك من خلال عدم اقتناعهم بالكثير من العقائد والشرائع التي سنّتها الكنَيسةُ والتي تُناقِض العقل، ومن خلال عدم اقتناعهم بالكثير من نصوص الكتاب المقدس التي تصادمُ الكثير من الحقائق العلمية التي أثبتَ العلمُ الحديثُ صحّتها وبالتالي بطلان نصوص الكتاب المقدَّس الواردة في هذا المجال ومن ذلك ما قاله "مارتن لوثر": "أنتَ لا تستطيعُ أن تقبلَ كُلاً من الإنجيل والعقل فأحدهما يجب أن يفسح الطريق للآخر"(13). ومنه كذلك قوله: "إنّ كلَّ آيات عقيدتنا المسيحية التي كشفَ لنا اللهُ عنها في كلمته أمام العقل مستحيلةٌ تماماً ومنافيةٌ للمعقول وزائفةٌ. فإذن كيف يعتقد ذلك الأحمق الصغير الماكر(14) أنّ هناك شيئاً يمكن أن يكون أكثرَ مجافاةً للعقل واستحالةً من أنَّ المسيح يعطينا جسدهَ لنأكله ودمه لنشربه في العشاء الأخير؟ ... أو أنَّ المسيحَ إبنَ الله حملت به مريمُ العذراء وولدته ثم غدا رجلاً يتعذَّبُ ثم يموتُ مِيتةً مُخْجِلَةً على الصليب؟ ... إنّ العقل هو أكبرُ عدوٍّ للإيمان "(15)
ولا تخفى على أيّ منا السمعةُ الكبيرة التي يتمتع بها "مارتن لوثر" في العالم المسيحي والصدى الواسع الذي كانت كلماته ونشراته تلقاها في العصور الوسطى، ومن السهل الواضح لكل قارئٍ لكلمات لوثر السابقة أن يلمس تعارضَ الكثيرِ من العقائد التي فرضتها الكنيسة مع العقل السليم.
وكما أسلفنا؛ فلم تكن العقائدُ الكَنَسِيّةُ قد صادمت العقل في عرضها لقضايا الإيمان فقط بل إنها قد صادمته عندما تحدَّثتْ عن العلم والمادة العلمية كخلق السموات والأرض والشمس وخلق آدم وحواء؛ فقد كان رجال الكنيسة يؤمنون بأن الأرض مُسطّحةٌ وأن السماء مخلوقةٌ من مادةٍ صلبةٍ كالأرض وأنّ الشمس تدور حول الأرض وأنَّ آدم وحواء هما أول المخلوقات، فكانت معتقداتهم هذه (في نظرنا) جريمةً بحقِّ علوم الفلك "والجيولوجيا" وظواهر الطبيعة، حيث أنّ الكتاب المقدس، لا يقدّم لنا في مجال هذه العلوم سوى نظرياتٍ خاطئةٍ متناقضةٍ لا تعدو كونها مجموعةً من الأساطير والأقاصيص الخرافية والتاريخية.(*)
ومن الشواهد التي تُثْبِتُ ذلك ما يلي:
أ. قيام مجموعة من رهبان الكنيسة المسيحية في عام 415م بقتل "هيباثيا" إبنة "نيون السكندري" الذي كان مُديراً لمكتبة الإسكندرية. وقد كانت "هيباثيا" آخرَ أكبر عالمةِ رياضياتٍ وفلسفةٍ في مدرسة الاسكندرية آنذاك، وقد تَمَّتْ عملية القتل بناءً على توجيهاتٍ وأوامر من أسقف الإسكندرية "سيريل" الذي جعلته الكنيسة البابوية قدّيساً فيما بعد!! "وبعد إعدامها بلا محاكمة، قام الجناةُ بسحب جثتها داخل الكاتدرائية وتولّى الرهبان تقطيع جسدها. وكانت حُجّةُ المسيحيين في النيل منها أنها كانت مدرّسة رياضياتٍ بارعةً وتمثّل تهديداً ضد انتشار المسيحية بسبب تعليمها العلوم وفلسفة الأفلاطونية الجديدة. ويمثّل مقتلُها نقطةَ تحولٍ كبرى إذ غادر العديدُ من العلماء مدينة الإسكندرية متّجهين إلى الهند أو فارس ولم تَعُدْ الإسكندريُة تمثّل مركز الإشعاع العلمي في العصر القديم".(16)
ب. جاء العالم "كوبر نيكوس" بنظريته التي تقول بأن الشمس هي مركز الكون وليست الأرض، وإنَّ الأرض والكواكب الأخرى تدور حول الشمس بسرعةٍ، فإذا نظرنا إلى السماء فتصوَّرنا أن الأجرام السماوية تتحرك، فما ذلك إلا نتيجة لدوران الأرض في الاتجاه المعاكس. وظلت نظرية "كوبرنيكوس" ناقصةً، ولكنّ عالم الفيزياء الألماني "يوهانز كيبلر" تمكّن من توفير الأدلّة الحسابية على صِحَّتَها، ثم قام الفلكي "جاليليو جاليلي"، بإجراء اختبارٍ عمليٍّ تجريـبيٍّ لتلك "الفرضّية" عن طريق رصد الكواكب "بالتليسكوب" وسنأتي على الحديث عن "جاليلو" في النقطة الرابعة القادمة. وقد لاقت نظرية "كوبر نيكوس" محاربةً شديدةً من قبل رجال الكنيسة، لأنَّ فيها، كما يقولون، مخالفةً لما جاء في الكتب المقدسة، ومن ذلك ما كتبه "فروماندوس"، وهو أحد رجال الدين، في مقالته التي سمّاها "أرسطارخس" حيثُ بدأ أول صفحةٍ منها بلعنة "كوبرنيكوس" ثم أعلنَ "أن التنزيل يقاوم "كوبر نيكوس وأنصاره"(17). "ومن أجل أن يبرهن على فساد نظرية "كوبر نيكوس" وأنها ضرب من ضروب الكفر والإلحاد، رجعَ إلى النصوص المقدَّسة التي تتحدث عن شروق الشمس وغروبها وثبات الأرض، حيث استندَ إلى نصٍّ من التوراة جاء فيه، أنَّ الأرضَ ثابتةٌ إلى الأبد، ومن ذلك ما ورد في الإصحاح الأوّل من سفر الجامعة: "ما الفائدة للإنسان من كلَّ تعبهِ الذي يتعبهُ تحتَ الشمس، دورٌ يمضي ودورٌ يجيء، والأرض قائمةٌ إلى الأبد والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تُشْرق"(18).
ج. جاء العالم "جيوردانو برونو" بفرضيّةٍ علميّةٍ وصفَ من خلالها الكون بأنه "لا نهائي" كما تضمَّنت فرضيتهُ معلوماتٍ أُخرى منها على سبيل المثال (أنّ هنالك أشكالاً من الحياة خارج الكرة الأرضية) مما أثار غضب رجال الكنيسة الذين كانوا يعتقدون بأن الأرضَ منبسطةٌ، وبناءً على ذلك فقد وجَّهت الكنيسة تهمة (الهرطقة)(19) إلى "جيوردانو برونو" وقامت بمحاكمته لمدّةٍ قاربت الثماني سنوات "تمَّ خلالها انتزاعُ الإعترافات من "برونو" عن طريق التعذيب وحُكِمَ عليه بالموت لأنه "متعنّتٌ مُصِرٌّ على هرطقته" ... وكان قد جاهد ليشرح أنّ أفكاره ليست خطأً، دون جدوى. وتم حرقُه حيّاً في "كامبو دي فيوري" وقد كمّموه قبل أن يأخذوه إلى المحرقة لتفادي أن تتسبّبَ عباراته في قلقلة معتقدات الجمهور الذي حضر لمشاهدة المحرقة. وقد تم إضفاء رتبة "كبير علماء الكنيسة" عام 1930م على "الكاردينال بلّلارمين" الذي تولّى إدانة "برونو" رسميا ..."(20)
د. تمكَّنَ العالم (جاليليو جاليلي)، وهو أحد علماء الفلك الأكثر شهرةً في تاريخ إيطاليا من إجراء اختباراتٍ عمليةٍ تجريبيةٍ أثبتَ من خلالها صحّة نظرية "كوبر نيكوس" وذلك عن طريق رصده للكواكب باستخدام "التليسكوب" وأثبت دورانَ الأرض حول الشمس على خلاف الاعتقاد الكنَسيّ القائم على أنّ الأرض ثابتةٌ لا تتحرك، وأنّها مركز الكون. كما استطاع هذا العالم الفذ المُبدِعُ أن يُثبت أن هنالك كواكبَ سيّارةً تدور حولها، وأنَّ عددها يزيد عن سبعة كواكب على خلاف الاعتقاد الكنسي السائد آنذاك والذي كان يحصرها في سبعة كواكب فقط، فثارت ثائرةُ الكنيسة وأعلنت هرطقة وكفر وإلحاد هذا العالم مُستندةً إلى أنَّ أقواله تخالف ما ورد في الكتاب المقدس. وتمَّ تحويل (جاليليو) إلى محكمة التفتيش(*) في روما. "وأجبرته لجنة المحكمة على الرجوع في رأيه بأن عرضتْ عليه أولاً وسائل التعذيب المستخدَمة إذا ما أصرَّ على رأيه... وكانت أعمالُ "جاليليو" قد أُدينت ووُضِعت في كشف الممنوعات منذ عام 1616م.(21) وقد أمضى بقية حياته مُعتقَلاً في منزله إذ أنَّ شهرته العالمية قد سمحت له بتفادي العواقب الوخيمة، فكانت عمليّةُ اعتقاله في منزله هي الوسيلة الوحيدة لتفادي عمليات التعذيب الرسمية التي تمارسها اللجنة.."(22) خصوصاً بعد أن صدر الحكم عن محكمة التفتيش بسجنه وتعذيبه بشدّةٍ مما اضطّره للتراجع عن نظرياته العلمية [التي أثبت العلُم الحديث صحَّتها تماماً] وأعلن أمام البابا "أربان الثامن" تراجعه وتوبته عمَّا قاله. وقال في إعلانه هذا: "أنا غاليليو، وفي السبعين من عمري، سجينٌ جاثٍ على ركبتيَّ، وبحضور فخامتك، وأمامي الكتاب المقدس، الذي ألمسُه الآن بيدي أعلن أني لا أشايع، بل ألعنُ وأحتقرُ خطأ القول وهرطقة الإعتقاد بأن الأرض تدور"(23)
يُستفادُ مما سبق أنَّ الكنيسة حاصرت العقول الحرّة وحاولت جاهدةً أن تحجر عليها وأنها لم تعترف بالحرية الفكرية إلا تلك التي تدور في فلكها وتوافق هواها وتبدأ من عندها وتنتهي إليها؛ فما وافق أمزجة البابوات كان حريةً فكريةً وإبداعاً، وما خالفها كان "هرطقة" وتمرّداً وخروجاً عن جادة الصواب واستحق الحرمان والقتل والإحراق البطيء المؤلم بالنار... وبعد كل ما سبق يطل علينا البابا "بنديكت" السادس عشر من جامعة "ريتسبون" بألمانيا يوم الثلاثاء 12/9/2006 ليقول: "إنّ الإسلام لا يتفق مع العقل؟؟!! وإنّ جزءً كبيراً من الإسلام قائمٌ على الإيمان بالغيبيّات والقَدَرِ، وإنّ في ذلك تغييباً كبيراً لوجود العقل!! لقد كان حرياً بالبابا أن يتكلّم عن كل جوانب المسيحية سوى جانب (الإيمان والعقل) لإنه الجانب الأشدُّ ظلمةً وسواداً فيها كما ثبت بالتجربة والبرهان والأدلّة السابقة، وصدق الله الحق إذ يقول: "وإنْ تعجب فعجبٌ قولهم"(24). ولعلّ موقف البابا هذا يقودنا إلى النقطة التالية والعامل الآخر من عوامل الدعوة إلى الإصلاح الديني والمتعلق برجال الدين والبابوات وممارساتهم الخاطئة.
المطلب الثالث
إنحراف البابوات ورجال الدَّين ونسيانهم لدورهم الأخلاقيّ والدينيّ
كما ذكرنا فيما سبق؛ فقد كان من المفترَضِ في البابوات أن يكونوا خلفاء الرسول "بطرس"، كبير الحواريين وأن يحملوا رسالته ويسيروا على نهجه، وهم أنفسهم قد ذكروا أحقّيتهم في هذه الخلافة لبطرس، وعلى أساسها أقاموا الكنائس ودعوا إلى الصلاة فيها ودعوا إلى الرهبانية والعبادة ... إلخ. ولكنّ الأسئلة التي تطرح نفسها بقوّةٍ وبصوت مرتفع هي هل حّقاً حمل البابواتُ رسالة الرسول "بطرس" وساروا على النهج المطلوب وكانت أفعالهم انعكاساً لتعاليم المسيح، عليه السلام، وأخلاقه وتواضعه وزهده ومحبّته للآخرين؟؟ وهل حقاً طبّقوا أقوال المسيح، عليه السلام (فأسهلُ أن يدخلَ الجملُ في ثقب إبرةٍ من أن يدخل الغنيُّ إلى ملكوت الله)(25) ؟؟ وهل حقاً أحبّوا أعداءهم وباركوا لاعنيهم لكي يستحقّوا أن يكونوا أبناء أبيهم الذي في السماء؟؟ وهل حقّاً أداروا خدودهم اليسرى لمن لطمهم على خدودهم اليمنى؟؟ إنّ الإجابة الصحيحة الوحيدة على هذه الأسئلة كلها هي لا، لم يكن البابوات كذلك. بل العكس من ذلك هو الجواب الصحيح؛ حيث أنهم مارسوا أشد أنواع التنافس في الدنيا لا لإعمارها ولا لإعمار حال الرعيّة ورعاية شؤونهم ومصالحهم بل لإعمار قصورهم وثرواتهم وممتلكاتهم الخاصّة، وكانت أيديهم ملطّخةً بدماء كُلَّ مَن خالفهم سواءٌ أكان مسيحياً "كاثوليكياً" أم غير "كاثوليكي"، وسواءٌ أكان قسيساً أم غير ذلك، وسواءٌ أكان رجلاً أم إمرأةً، وبأقلام هؤلاء البابوات تمَّ التوقيعُ بالموافقة على إقامة محاكم التفتيش والقيام بعمليات إحراقٍ وإعدامٍ جماعيّةٍ وقتلٍ للعلماء والمفكّرين المعارضين وقد "كان بابوات عصر النهضة غالباً شخصياتٍ فخمةً عالميّةً تتّقدُ حيويةً؛ فهم طيّبو المنبت، على ثقافةٍ عاليةٍ، ويُغدقون من كرمهم على رعاية الفنون والآداب، ويأخذون بنصيبٍ كاملٍ نشطٍ من عواطف عصرهم ومنافساته السياسية ومن شهواته الوضيعة أيضاً. كان لهم "أبناءُ إخوةٍ" و"بنات إخوة" جاؤوا من إتّصالاتهم غير الشرعية، وكان من أعزِّ أمانيهم أن يُوَفِّروا لهم مناصب تتّفق ومكانهم، وكثيراً ما أذكوا نار الحروب وتعرَّضوا لفضائحَ صارخة. وقام بلاطهم على الاتجارِ بالمناصب الكنَسيّة وجَمْعِ رجلِ الدين لعدة مناصب وعدم إقامته في مقَّر عمله."(26)
وقد تسببت الخلافاتُ بين البابوات في فقدان الكثيرين من المسيحيين لإيمانهم بالكنيسة الرسمية؛ ومن ذلك الخلافات البابوية في حصن "أفينيون" والإنفصام الأعظم(27) عندما حاول ثلاثة من البابوات إثبات أحقّيتهم في خلافة القديس "بطرس" في الوقت نفسه. ولم يتوقف البابوات عند هذا الحدِّ في التصارع فيما بينهم وهم أحياء بل إنهم حاكموا أسلافهم الموتى ونبشوا قبورهم؛ فقد "حدث في عام 897 للميلاد أن قام البابا "إيتيان" السادس بإخراج جثمان سلفه، البابا "فورموز"، بعد دفنه بعدّة أشهر. وأُحْضِرَ الجثمانُ مسحوباً من قدميه أمام السينودس المنعقد بأمره. وبعد أن قام بإدانة المتوفى بصورةٍ طَّنانةٍ، أمرَ بقطع ثلاثة أصابع من يده اليمنى، ثم أمر برمى جثمانه في نهر "التيبر". وقد تم انتشال جثمانه من النهر ودفنه سرّاً دون علم البابا!! وفي عام 905م علم البابا الجديد "سرجيوس" الثالث بهذه الواقعة فأمر بإخراجه من مقبرته وارتدائه الثياب الباباوية وأجلسه على العرش وأُعيدت محاكمته. ثم قطعت رأسه وثلاثةُ أصابع أخرى، ثم أعيد إلقاؤه في النهر. وهذه المرة لم يهتم أحد بانتشاله ودفنه!. وسببُ كل هذه المهانة الغريبة أنه تمت تعدّياتٌ كهونتيةٌ عند تعيينه، ولم يلتزم بالحرمان الذي كان البابا "يوحنا" الثامن قد نطق به، ولم يلتزم بالقسم الذي أدّاه في مدينة طرواده عام 878م بألاّ يحتال على الوظائف أو المهام الكهونتية!!"(28)


المطلب الرابع
إبتداع الكنيسة لنظام "محاكم التفتيش" الخاصّة بمحاربة الهرطقة(*)
ليس هناك إنسانٌ قرأَ التاريخ الأوروبي إلاّ وقد وقف على الاضطهاد والتعذيبِ والمعاناة التي كانت محاكم التفتيش هذه تُنزِله بمَن يُحَوَّلُ إليها للمحاكمة، بغضّ النظر عن اسمه ومركزه ومذهبه الديني أو الفكري، فصدقت فيها العبارة القائلة (الداخل عندنا مفقود، والخارج من عندنا مولود)؛ وذلك لما لازمَ سمعة هذه المحاكم من القهر والظلم والاستبداد ونسيان كل مفردات وتراكيب الرحمة ... ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ هو هل غابت عن عقول الأساقفة والرهبان القائمين على هذه المحاكم وصايا المسيح، عليه السلام، بالرحمة والمحبة والتسامح مع الآخرين وأن (الله محبة) كما يقولون؟؟؟ هل يُعقل ذلك؟؟ الجواب هو قطعاً لا. لم تغب عن عقولهم رحمة المسيح ومحبتّه وتسامحه، ولكنّهم كانوا يستندون في بطشهم وتعذيبهم هذا لنصوصٍ من الكتاب المُقَدّس هي الأخرى كانت صريحةً وواضحةً في الحثَّ على الإِحراق والتعذيب واضطهاد كلِّ مُخَالفٍ، لا بل إنهم قد ذهبوا إلى أبعد مِن ذلك فجعلوا الاضطهاد نتيجةً طبيعيّةً لعقيدة الخلاص؛ "لأن الإيمان متى اشتدَّ، ارتفعَ فوق كلَِّ إحتمالٍ للجدل، واعتقد أهلهُ أنَّ كلّ مَن يخالفهم في الرأي، مصيره جحيمٌ يصلى فيه شقاءً أبدياً! لأن الإيمان متى كان متزمّتاً متعسَّفاً أغرى أصحابه باضطهاد كل مَن لايدين بدينهم ويساير نزعاتهم، لايحدُّ من غلوّهم في الاضطهاد، إلاّ حاجتهم إلى السلطة"(29).
أما عن مستندات وشواهد الكتاب المُقدَّس التي كانت تؤيّدُ إحراقَ المخالفين أو (الهراطقة) وتعذيبهم فهي ما يلي:
أولاً: ".... فلا تستجبْ له ولا تُصغِ إليه ولا يُشفقْ قلبُكَ عليه ولا تترأف به ولا تتستّر عليه، بل حتماً تقُتلُه، كُنْ أنت أول قاتليه ثم يعقبكَ بقيّة الشَّعب، آرجُمْه بالحجارة حتىّ يموت".(30)
ثانياً: "إن كان أحدٌ لا يثبُتُ فيّ، يُطرحُ خارجاً كالغصن فيجفُّ، ثم تُجمعُ الأغصانُ الجافّةُ وتُطرحُ في النار فتحترق"(31).
ثالثاً: "صاغ القديس "أوغسطين" مبدأ الاضطهاد لهداية الأجيال التالية، وأقامهُ على أساسٍ من الكتاب المقدَّس، فاستند إلى كلماتٍ فاهَ بها المسيحُ في مَثلٍ من أمثاله التي كان يسوقها لحوارييه إذ قال ما معناه: (أجبروهم على إعتناق دينكم) .... وتمشّياً مع هذا المنطق، سلّم "أوغسطين" بمعاقبة المُلحِد بالنفي والجلد وفرض الغرامات، ووضع للكنيسة دستوراً تلتزمه إزاء كل حركةٍ إلحاديةٍ، فمضت الكنيسة بعد هذا جاهدةً في تحقيق هذا الدستور....!"(32)
لقد كانت محاكم التفتيش تستند إلى الشواهد السابقة في تعذيبها للمخالفين والهراطقة إضافةً لاستنادها لمؤلَّفات (القديس توما ألاكويني) الذي يُعَدُّ من أعظم فلاسفة الكاثوليكة منذ نشأتها إلى وقتنا الحاضر وهو صاحب كتاب (مجمل اللاهوت) والذي يُصنَّفُ بأنه المرجع الأساسي في المنهج الكاثوليكي الحاضر... ومن أهم ما يتناوله القديس "توما" في كتابه السابق ضرورة قتل الهراطقة إذ يقول(33): "فيما يتعلق بالهراطقة، هناك شيئان يجب أخذهما في الإعتبار: واحدة تقع على الهراطقة، والأخرى تقع على الكنيسة؛ ما يقع عليهم هو الإثم والخطأ الذي بمقتضاه لا يستحقّون أن يفُصَلوا من الكنيسة فحسب، ولكن أن يُستأْصَلُوا من الدنيا بالموت. في الواقع، إنّ محاولة إفساد العقيدة التي تؤدي إلى حياة الروح، لأكبرُ ذنباً من تزييف النقود التي لا تفيد إلاَّ الحياة الدنيا. وبالتالي، إذا ما كان المزيِّفُون أو المجرمون يُعاقَبون فوراً بالموت عن استحقاقٍ وبفضل العدالة، فمن البديهي أن يتمّ معاملة الهراطقة، ما أن تثبت عليهم التّهمَةُ، لا باستبعادهم عن الكنيسة فحسب وإنما بقتلهم بكل الحق" ... و"أما إذا عاد الشخص مرّةً أُخرى إلى الهرطقة، فذلك يوضِّحُ زعزعة إيمانه. لذلك إذا ما رجع عنها ثانية فيؤخذ للعقاب مع عدم استبعاد عقوبة الموت".
وبالعودة إلى الحديث عن محاكم التفتيشس وممارساتها نقول: إنَّ مهمة اكتشاف وتعقُّبِ (الهراطقة) كانت منوطةً بالأساقفة. ولما أثقلت كواهلهم، وذلك بسبب كثرة عدد الهراطقة وصعوبة ملاحقتهم دوماً، فقد اتّخذ البابا جريجوري التاسع عام (1231م) قراراً بإنشاء مؤسّسةٍ مُستقلّةٍ تتفرغ لاقتلاع وقتل الهراطقة والسَّحَرة فتمَّ إنشاءُ محاكم التفتيش، التي يذكر صاحب (الصفحة السوداء للكنيسة) أنها أبادت أكثر من مليون هرطيق خلال عملها.(34)
أما الآليّةُ التي تتم وِفْقَها المحاكَماتُ فهي التالية: "يُؤتى في البداية بالمتَّهم بالهرطقة، ويكون الجلادون قد ارتدوا قمصاناً سوداء، وغطاءً للرأس به فتحتان للعينين وفتحة للأنف وأخرى للفم، ويُمسِكون المتّهم وينزعون عنه ثيابه حتى الخصر، ويضعونه أمام لجنةِ المحكمة التي تتوسَّلُ للمتّهم أن يعترف بأخطائه. فإذا ما استمَّر في إنكارها، أمرت المحكمة الجلادين بتعذيبه بعد أن تُحَذِّره اللجنة بأنه في حالة ما إذا تمَّ كسرُ إحدى عظامه أو أصابَه أيُّ تمزقٍ أو مات فإنَّ المسؤولية تقع عليه وحده لأنَّ ما أصابه من تعذيبٍ لم يكن إلا نتيجةَ عناده وتشبُّثهِ برأيه"(35).
ومما يجدر ذكره في هذا الموضوع أن البابا (إينوسنت الرابع) قد أقرَّ مبدأ التعذيب للحصول على اعتراف المتّهمين والجُنَاة والهراطقة، فكان من السهل جداً للمحكمة أن تنطق بأحكامها بناءً على اعترافاتٍ تمَّ الحصول عليها بالتعذيب، تماماً كما يحدث في أيامنا المعاصرة، والفضل في ذلك بالطبع يعود إلى هذا البابا (إينوسنت الرابع) الذي يعني اسمه بالعربية البريء!!! وحتى يشعر كلُّ مَن يقرأ هذه الكلمات بمدى الغيظ الذي كان يختلجُ صدور الناس في أوروبا من ممارسات الكنيسة ومحاكم التفتيش فإننا سنوردُ أنواعاً أخرى من الأحكام التي كانت محاكم التفتيش تُصدرها وهي أحكامُ إدانةٍ تختلف عن الموت ومنها:(36)
1. إرتداء علامة الصليب: ويعني ذلك أنَّ الجانى عليه أن يرتدى زي "السان بنيتو" وهو رداءٌ حِيكتْ عليه علامة صليب كبرى بالنسيج، لمدى الحياة أو لعدة سنوات. ولم يكن باستطاعة المحكوم عليه خلع هذا الزي إلاّ في بيته عند النوم فقط.
2. السجن: وكان عادةً ما يُحكمُ به مدى الحياة. وهذه "الحياة" كانت قصيرة جدا نظراً لظروف السجون آنذاك ولم تكن تتعدى بضعة أسابيع. فكثيراً ما كان السجناء يموتون أثناء المحاكمة من جرّاء التعذيب.
3. الحج: كان يُجبَرُ "الجاني" على القيام برحلة إلى الأماكن المقدسة سيراً. وفي تلك الأيام كانت مثل هذه الأحكام توازي الحكم بالموت، فلم يحدث أن عاد أحدهم من إحدى هذه الرحلات.
وفي ختام الحديث عن محاكم التفتيش نلفتُ النظر إلى أنَّ هذه المحاكم في نهاية محاكماتها لم تكن تنطق بحكم الموت بحقِّ الجناة والمتّهمين والهراطقة، مع قدرتها على ذلك، بل كانت تأخذ المُتَّهَمَ وأدلة إدانته واعترافاته، المأخوذة تحت التعذيب طبعاً، وتقدّمها إلى المسؤول مِن قِبَلِ السلطات المدنيّة لينطق هذا المسؤول المدنيُّ بحكم الموت، لتقول الكنيسة فيما بعدُ: إنها لم تقتل أحداً ولم تحرق أحداً ولم تعذب أحداً؟!!!!.
المطلب الخامس
فرض الكنيسة للكتاب المقدَّس باللغةِ اللاتينية واحتكارها لفهمه وتفسير نصوصه وفرضها من خلال ذلك لعقائدَ وتشريعاتٍ لم تُوجَدْ فيه أصلاً
لعلَّ هذا العامل الخامس من عوامل الإصلاح يشتمل على مجموعةٍ من الأسباب والعوامل الفرعية التي تكاتفت هي الأخرى لِتُعبَّرَ عن الضغط الديني والذهني والنفسي الذي كانت الكنيسة الكاثوليكية في "روما" تُسببه للناس آنذاك؛ فقد كانت اللغة اللاتينية هي اللغة الرسمية "للإكليروس"(*)  الروماني، و"كان الكتاب المقدس قبل حركة الإصلاح متكوباً باللغة اللاتينية والتي تسمى "الفولجاتا"(37) وكان عامة الشعب لا يعرفون اللاتينية، وبالتالي لا يفهمون الكتاب المقدس"(38).
ولعلّه من السهل أن نتصوَّر منظر الناس في الكنيسة وهم يصلُّون بلغةٍ لا يفهمونها ويردّدون تراتيل الكنيسة بلغةٍ لا يفهمونها!! ومن هنا جاءت الحاجة إلى ترجمة الكتاب المقدس باللغات الأوروبية المحليّة حتى يفهم الناسُ كتابهم المقدَّسَ ويُقيموا صلاةً يفهمون معناها ويحيون شعائر يفهمون مضامينها. ولكنَّ الكنيسة وقفت لتلك المحاولات بالمرصاد ومَنَعْتها فَقَتلتْ مَنْ استطاعت الوصول إليه مِمّن قاموا بالترجمة وحكمت عليه بالهرطقة وحاربت مَن لم تستطِع الوصول إليه وشوَّهت سمعته، ومنعت بل حرّمت قراءة ترجمة الكتاب المقدس التي وضعها. وتفصيل ذلك ما يلي:
أ. في عام 1390م بدأ أحد قساوسة مدينة "براج" بإلقاء مواعظه الكنسيّة باللغة "التشيكية" بدلاً من اللغة اللاتينية. اعتبرت الكنيسة هذه البدعةُ هرطقةً لا تُغتفر!!! وتمّ إتّهام القس "يان هس" [جون هس] بالهرطقة. فهرب من مدينة براج. وعند انعقاد مجمع "كونستانس"، قام الملك بمنح "هَس" تصريحاً بالسفر ليدافع عن نفسه ويشرح وجهة نظره للمجمع. لكنَّ هذا "التصريح بالمرور سالما" لم يكن إلا فخّاً منصوباً له. فما أن وصل إلى مدينة انعقاد المجمع حتى تمّ القبض عليه وسجن في "نوفمبر" 1414م. وتبعت هذه الواقعة محاكمةٌ من محاكم التفتيش الشهيرة والتي انتهت بإدانة "يان هَس" لإصراره على عدم التخلّي عن رأيه. وتمَّ حرقهُ حيّاً في السادس من شهر يوليو عام 1415"(39).
ب. "في عام 1537م قامت الكنيسة بإخضاع (وليم تنديل) لمحكمة التفتيش التي حكمت عليه بالهرطقة ومن ثم الموت حرقاً، لأَنّهُ قام بترجمة العهد الجديد إلى اللغة الإنجليزية الدارجة آنذاك"(40).... ولكنه، قبلَ قتلهِ حرقاً، كان قد استطاع القيام بتهريب عددٍ من نسخ ترجمته هذه إلى إنجلترا.
ج. في عام 1545م أصدر مجمع "ترنت" قراراتٍ كان من ضمنها منع قراءة ترجمة الكتاب المقَّدس التي وضعها "مارتن لوثر" "لِما كان قد ظهر من الاختبار أنه إذا سُمِحَ لكلّ إنسانٍ بدون تمييزٍ قراءة الكتاب المقدّس المترجم إلى لغة الشعب. فإنّ تهوَّر البشر الناجم عن قراءته يسبب شراً أكثر من الخير، لذلك وجب الحصول على إذن خاصٍ للسماح بقراءة الكتاب المقدس المترجَم إلى لغة الشعب"(41).
يُستفاد من كل ما سبق أنّ الناس كانوا يصلُّون بلغةٍ لا يفهمونها، ويرتّلون في الكنيسة ترانيم لا يفهمونها، ولا يقرأون كتابهم المقدس وذلك لأنه مكتوب بلغةٍ لا يفهمونها، حيث كانت قِلّةٌ قليلةٌ من فئات المجتمع الراقية والمتعلّمة ورجال الدين هي فقط التي تعرف اللاتينية؛ وأنّ الناس لمّا حاولوا أن يتّجهوا لفهم دينهم وترجمة كتابهم المقدّس وقفت الكنيسة في وجوههم ومنعتهم من ذلك!!! ولكنْ هل اكتفت الكنيسة بممارسة هذا النوع من التجهيل الديني المقصود؟ الجواب لا، ولكنها تجاوزته إلى ما هو أبعد من ذلك حيث فَرضَتْ على أتباعها عقائد وشعائر لم تردْ في الكتاب المقدس قَطُّ، وليس هناك ما يدعمها من نصوصهٍ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، وهذه العقائد والشعائر كلُّها بلا استثناءٍ تتعارض مع العقل والفهم السليم تعارضاً واضحاً، وتُصادِمُ أدنى أبجديات التديُّن الصحيح. وقد كانت هذه العقائد نقطةً انطلقَ منها الرهبان المطالبون بالإصلاح الديني وكانت هي عينها المآخذَ التي أخذها فلاسفةُ عصر التنوير والنهضة الأوروبية على الكنيسة والذين أدى الأمر بمعظمهم إلى الإلحاد (حسب التصور الكاثوليكي له) وبالتالي مطالبتهم بتحييد الدِّين عن حياة الناس وحصره داخل أسوار الكنائس فقط، ومن أبرز هذه العقائد والشعائر التي فرضتها الكنيسة مع أنّها لم تَرِدْ في الكتاب المقدَّس ما يلي:
1. عصمة البابا وتقديسه وامتلاكه القدرة على محو الذنوب وغفرانها.
2. إحتكار الكنيسة لفهم وتفسير نصوص الكتاب المقدس.
3. وجوب الصلاة باللغة اللاتينية فقط.
4. أخذ الأحكام والعقائد والعبادات والشرائع من الكتاب المقدس ومن قرارات المجامع وآراء البابوات وقراراتهم وإعلاناتهم والتعاليم غير المكتوبة التي يتناقلها البابوات واحداً عن الآخر.
5. تحريم الزواج على الكَهَنِة والرهبان ورجال الدين.
6. إباحة وضع صور وتماثيل القدّيسين ومريم العذراء، عليها السلام، في الكنائس وأماكن العبادة، وجواز التوجه لها بالصلاة والدعاء.
7. إنّ إمتزاج لحم المسيح ودمه بلحم ودم مَنْ يحضرون الاحتفال بالعشاء الرباني (التناول) هو إمتزاج حقيقي وليس رمزياً.
8. إعفاء رجال الدين من دفع الضرائب ومن التشريع الجنائي الذي يخضعُ له العامة وإخضاع العامّة لتشريع الكنيسة الجنائي.
المطلب السادس
العاملان السياسي والقومي، ودورهما في حركة الإصلاح الديني
أمّا عن العامل السياسي فقد تَمثَّلَ في تدخُّلات البابوات في شؤون الحكام والملوك والقياصرة ومحاولاتهم المستمرة لإخضاعهم وإذلالهم وتذكيرهم على الدوام بأنهم إنما يستمدّون شرعية حكمهم وعروشهم من "البابا" والكنيسة، وأنّ أيّة محاولة للخروج عن هذا النص فإنها ستكلّف هذا الحاكم عقوبةَ الحرمان؛ وهو "نوع من العقوبة أخذهُ المسيحيون عن قدماء الوثنيين، وفي العهد الذي كان للبابا الحق في تتويج الأباطرة، كان الحرمان يسلبهم تيجانهم وعروشهم، وقد حرم البابا "بيوس" الخامس ملكةَ الإنجليز "اليصَّابات" عام 1570 وأباح لرعاياها عصيانها، وحرم البابا "بيوس" التاسع في النصف الأخير من القرن الغابر ملكَ إيطاليا "فيكتور عمانويل" لاستيلائه على أملاك الكرسي الرسوليّ. أما حرمان غير الملوك والأباطرة فكان على نوعين؛ حرمان المحروم من بعض المزايا الكنيسية ـ متى كان جرُمةُ بسيطاً، فإن كان الجرمُ كبيراً، طُرِدَ المحروم من عضوية الكنيسة ـ إن كان عضواً بها، وحُرِمَ من معاشرة المسيحيين، ودُفِنَ على غير الشعائر المسيحية. وقد أيَّدت القوانينُ المدنيّةُ عقوبةَ الحرمان الكنسي، فسلبت المحروم حقوقه المدنية في وظائف الدولة وصادرت أملاكه، وحرمته من الرُّتب ونحوها. وقد يُصدِرُ البابا قرار الحرمان ضد أمّةٍ كاملة، وعندئذُ تغْلَقُ كنائسها ويمنعُ الزواج بين أهلها، ولا تُبارِكُ الكنيسة دفنَ موتاها ..."(42)
يُستفادُ ممّا سبق أنّ علاقة الحُكَّام المدنيين السياسيين بالكنيسة لم تكن على الدوام علاقة ودٍ ومحبةٍ وولاء إنما كانت بالدرجة الأولى علاقةَ خضوعٍ تربط المحكوم بالحاكم والمقهور بالقاهر. ومن هنا نستطيع أن نفهم ونفسّر أسباب دعم بعض الحكام والقياصرة للثورات التي كانت تقوم ضد الكنيسة بين الحين الآخر ولا أدلَّ على ذلك من حماية أمير "سكسونيا" "فريدريك الحكيم" "لمارتن لوثر" بعد أن صدر بحق لوثر قرار الحرمان الكنسي. كيف لا وقد منح البابوات أنفسهم صلاحياتٍ مُطَلقةً وادّعوا لأنفسهم الأحقيّة في حُكم العالم وجعلوا من ذواتهم مصادر التشريع والسلطة والسيادة؟؟؟ يشهد على ذلك، ما أعلنه البابا "غريغوري" السابع: "إنَّ الكنيسة هي صاحبة السيادة في العالم كله، تستمد نفوذها من الله مباشرة، وتمدُّ هي ملوكَ الأرض وأمراءها بالنفوذ، وإنّ البابا له مركز فَذٌّ في العالم، فهو الذي يُولِّي الأساقفة، ويخلعهم وله الحق في خلع الأباطرة لأنه سيِّدُهم الذي لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسأَلون"(43). كما يشهد على ذلك بيان البابا "نيكولاس الأول" ".... "إنَّ البابا ممثَّلُ الله على ظهر الأرض، يجب أن تكون له السيادة العليا والسلطان الأعظم على جميع المسيحيين حُكَّاماً كانوا أو محكومين"(44).
وأما عن العامل القومي فقد تَمثَّلَ في اشتداد النّزعة القوميّة التي بدأت تسود القارة الأوروبية آنذاك حيث كان الحكَّامُ والشعوب، على حدٍّ سواءٍ، يرغبون في الانفصال عن الإمبراطورية الرومانية والإستقلال بسيادتهم الذاتية على بلدانهم بعيداً عن الخضوع لسلطان الكنيسة. ويرى المؤرخ "هربرت فيشر" أن الإصلاح الديني "قد تجاوب مع مدَِّ القوميّة الصاعدة وأسرع خطاه تحوُّلُ البابوية إلى دولةٍ إيطاليةٍ. وكانت قد سبقته ثم تمشّت معه حركةٌ قويةٌ من التحرر الفكري، بحيث أنّ آلاف الجداول الصغيرة المنفصلة من الشك والنقد والاحتجاج ـ وهي الجداول التي كانت تتجمّع طيلةَ جيلٍ من الزمان ـ قد التقت أخيراً في نهرٍ صاخبٍ من الثورة. هنا طرح الفكر العام أوضاع الماضي وتهاوت القيود القديمة التي كانت تُكَبَّلُ الفكر وتحصيل المعرفة"(45). ويدعم صحةَ الكلام عن نمو العامل القومي في أوروبا آنذاك ما نقله "ول ديورانت" على لسان "مارتن لوثر" حين وصف كنيسة "روما" آنذاك بأنها (سُلطة أجنبية) فقال: "لماذا يتحتّم على الكنيسة الألمانية أن تدفع هذه الجزية الدائمة إلى سُلطةٍ أجنبيَّةٍ؟ فليتخلصْ رجالُ الدين الألمان من تبعتهم لروما ولينشئوا كنيسةً قوميةً تحت زعامة كبيرة أساقفه ماينز"(46). ولعلَّ الذي تسبَّبَ في إثارة وتحفيز هذا الأمر أنّ "الإمبراطور ماكسمليان" كان قد دعا المجلس النيابي الإمبراطوري إلى الاجتماع في "أوجسبورج" للنظر في طلب البابا "ليو العاشر" فرض ضريبة على ألمانيا للمعاونة في تمويل حملةٍ صليبيةٍ جديدةٍ ضد الأتراك، "وأوضح المجلس النيابي للقاصد الرسولي (مندوب البابا) أنَّ المانيا كثيراً ما فرضت على نفسها الضرائب للحملات الصّليبيّة فوجدت أنّ الأموال تُنفَقُ في أغراض البابا الأخرى وأنَّ الناس يعارضون بشدّةٍ أيَّ تنازلٍ آخر عن المال لإيطاليا، وأنّ المبالغ السنوية التي تُدفَعُ للبابا عن ريع أول عامٍ ورسوم التثبيت الديني ونفقات القضايا الكنسية المُحَالة إلى روما كانت عبئاً ثقيلاً لا يطاق، وأن التبرّعات الألمانية كانت تُعطى مثلَ ثمارِ البرقوق إلى القساوسة الايطاليين"(47). وقد ساهمت كل هذه الردود في إثارة حنق البابا وحفيظته على ألمانيا وحُكّامها.
ومما يجدر ذكره في ختام الحديث عن العاملين السياسي والقومي كاثنين من العوامل الدافعة للقيام بالإصلاح الديني أنَّ أموال الكنيسة وممتلكاتها التي صُودرت بعد إعلان الثورات على الكنيسة في بعض البلدان الأوروبية قد وُضِعتْ تحت وصاية الحُكّام والأمراء وأصبحت جزءً من ثرواتهم وممتلكاتهم مما يعطينا انطباعاً بأنَّ دعم الحكّام والأُمراء لبعض الثورات كان فيه اعتباراتٌ خاصةٌ تراعي مصالحهم وتعود عليهم بالنفع وأنها في الوقت ذاته كانت بمثابة ردَّ الصاع صاعين للكنيسة على ما سلف من إذلالها لهم وتحكّمها في رقابهم...


الحواشي
1. حاكم مقاطعة فتنبرغ الألمانية التي كان لوثر يعيش فيها آنذاك.
2.  ديورانت، ول . قصة الحضارة، الكتاب 14، ص 352، ترجمة عبد الحميد يونس، طبعة الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية.
3.  المرجع السابق نفسه، الكتاب 23، ص 20.
4.  إنجيل متى 16: 18 – 20.
5.  إنجل متى 18: 18.
6. ديورانت، ول، [م. س]، الكتاب 14، ص 352.
7.   آمن الكاثوليك أن الإنسان لابدَّ أن ينال جزاء ما فعله من شرٍّ في حياته. فإما أن يكون هذا الجزاء في الدنيا، أو بعد الموت حيث يُطَهَّرُ الإنسان من شره بعد الموت بعقابه فترةً من الزمان وتُعرف عندهم (بالمطهر) ثم بعدها يذهب الإنسان للحياة الأبدية.
8.   ديورانت، [م. س] الكتاب 23، ص 5.
9.  فيشر، هربرت، أصول التاريخ الأوروبي الحديث، ترجمة د. زينب عصمت راشد ود. أحمد عبد الرحيم مصطفى ص 99، 1965، طبعة دار المعارف، مصر
10.   ديورانت، [م. س] الكتاب 23، ص 6.
11.   فيشر، [م. س]، ص 100.
12.   عبده، محمد، الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية، ص 27 وما بعدها بتصرف،  ط3، 1341 هـ، مطبعة المنار، مصر.
13.   ديورانت، [م. س]، الكتاب 23، ص 56 بتصّرف.
14.   يقصد البابا
15.   ديورانت، [م. س] الكتاب 23، ص 56 بتصُّرف.
(*)  للتوسع في هذا الموضوع راجع ما كتبه (موريس بوكاي) في كتابه، التوراة والإنجيل والقرآن، في ضوء العلم الحديث.
16.   ريبوني، إنريكو، الإلحاد وأسبابه "الصفحة السوداء للكنيسة" ترجمة د. زينب عبد العزيز، ص 69، ط1، 2004، دار الكتاب العربي.
17.   وايت، آندروديكسون، بين العلم والدين، ترجمة اسماعيل مظهر، ص 73، 1930، دار العصور، مصر.
18.   المرجع السابق نفسه، ص 61.
19.  كلمةٌ إغريقيّة الأصل تعني الخروج على مجموعة الأفكار الدينيّة التي يؤمن بها السوادُ الأعظم من الناس في مجتمع ما وزمانٍ ما، وأصبحت فيما بعد تُطلَقُ على تفكير الإنسان لنفسه وتساؤله مُتشكّكاً في سلطة الكنيسة.
20.   للتوسع في هذا الموضوع راجع ماكتبه ريبوني [م. س] ص 100 فما فوق.
(*)  سيأتي تفصيل ذلك لاحقاً.
21.   قامت اللجنة الخاصة بالحكر على الفكر التابعة للكنيسة بإصدار (الإندكس) أو قائمة الكتب التي يمُنع نشرها وتداولها وكان من ضمنها كتب (كوبر نيكوس) و(جاليلو).
22.  ريبوني، [م. س]، ص 103.
23.   وايت، [م. س]، ص 79 – 80.
24.   من الآية (5) من سورة الرعد.
25.   انجيل مرقص (10 : 25).
26.   فيشر،[م. س]، ص 171.
27.  للتوسع في هذا الموضوع راجع كتاب كارين آمسترونج، معارك في سبيل الإله ،  ص 110، ترجمة د. فاطمة نصر ود. محمد عناني، ط1، 2000،  مطابع لوتس.
28.   للتوسع في هذا الموضوع راجع كتاب ريبوني [م. س] الصفحات 71 فما فوق.
(*)  سبق شرحُه وبيانه.
29.   الطويل، توفيق، قصة الاضطهاد الديني في الإسلام والمسيحية  ص 62،  ط1، 1947، دار الفكر العربي
30.   سفر التثنية، 13: 8 – 10.
31.   انجيل يوحنا، 15: 6
32.   الطويل، [م. س]، ص 59.
33.   ريبوني، [م. س]، ص 80 – 81 نقلاً عن (مجمل اللاهوت) للقديس توما الاكويني ج2 المسألة 11، الهرطقة/ البندان 3+4.
34.   للتوسع في هذا الموضوع راجع كتاب ريبوني [م. س] ص 80 فما فوق.
35.   المرجع السابق نفسه ص 89.
36.   للتوسع في هذا الموضع راجع ما كتبه ول ديورانت في (قصة الحضارة) وما كتبه هربرت فيشر في (أصول التاريخ الأوروبي الحديث) وما كتبه محمد حسونة ومحمد رفعت في (معالم تاريخ العصور الوسطى) إضافة لما كتبه انريكور يبوني في (الصفحة السوداء للكنيسة) عند الحديث عن محاكم التفتيش.
(*)  طبقة كبار رجال الدّين.
37.   الفولجاتا: كلمة لاتينيّة تعني (الدارجة).
38.   رزقي، صموئيل، تجديد الفكر الديني في المسيحية، ص 114، ط1، 2003، دار الثقافة، مصر.
39.   ريبوني، [م. س]، ص 87، 88.
40.   فيشر، [م. س]، ص 97، 98 بتصرف.
41.   حبيب، صموئيل، المسيح ثائراً ص 124، ط1، 1995، دار الثقافة، مصر. 
42.   الطويل، [م. س]، ص 81.
43.   حسونة محمد، رفعت محمد، معالم تاريخ العصور الوسطى، ص 137، المطبعة الرحمانية، ط1، 1925.
44.   للتوسع في قراءة هذا القرار وتفاصيله راجع كتاب ديورانت [م. س]، ص 352.
45.   فيشر، [م. س]، ص 95.
46.   ديورانت، [م. س]، الكتاب  23، ص 29.
47.   المرجع السابق نفسه ص 29.




(*)  محاضر غير متفرغ في قسم أصول الدين، كلية الشريعة، الجامعة الأردنية، عمان ـ الأردن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق