مراجعة مادة الدعوة الإصلاحية + مادة مذاهب فكرية معاصرة


مراجعة عامّة هامّة لمادة "الدعوة الإصلاحية"
إعداد الدكتور راجح السباتين / جامعة طيبة / كلية العلوم والآداب بالعلا
·        الدعوة الإصلاحية هي: تلك الجهود الكبيرة والأعمال الجليلة التي قام بها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، لتصحيح الأوضاع الدينية الفاسدة والأحوال الاجتماعية المنحرفة التي كانت سائدةً في الجزيرة العربية بعامّة وفي وسطها بخاصّة إبان القرن الثاني عشر الهجري.
* الخصائص التي تتميَّزُ بها جزيرة العرب عن غيرها *
·        ولجزيرة العرب خصائص تتميز بها عن غيرها، منها:
1- إنّها مهدُ الإسلام ومنطلق الرسالة الخاتمة وعاصمتها الأولى وقاعدتها الحصينة، ففيها وُلِدَ خير البشر محمد، صلّى الله عليه وسلم، وفيها بُعِثَ وبين بلادها هاجر، ومنها أشرقت أنوار رسالته لتضيء أرجاء المعمورة.
2- إنّها تضم أعظم البقاع وتحتضن أشرف الأماكن في الأرض ففيها الحرم الآمن الذي جعله الله تعالى مثابة وأمناً، وفيها طيبةُ الطيّبة مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومستقرّه التي بها مسجده عليه الصلاة والسلام ذو المرتبة التالية للمسجد الحرام. وفيها أيضاً البقاع المُشِّرفة والمواضع المحترمة المقدَّسة عند أهل الإسلام والمرتبطة بالركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج، وهذه البقاع هي: منى وعرفات والمزدلفة.
3- إنّ الله تعالى اختار لغةَ أهلها لتكون لغةً لأعظم كتبه وأشرفها وخاتمها.
4- إنّها في الإسلام وقفٌ على الإسلام وأهله ولا يجتمع فيها دينان ولا يستقرُّ فيها كافرٌ حتى يبقى شرعُ الله تعالى ودينه فيها بلا منافسٍ ولا منازعٍ. ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في آخر ما أوصى به النبي، صلى الله عليه وسلم عند موته: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب). وفي المسند وغيره عن عائشة، رضي الله، عنها قالت: كان آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: (لا يُترك بجزيرة العرب دينان).
* أهداف الحديث عن الدعوة الإصلاحية ودراستها *
نهدف من دراسة الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية إلى أمور مهمة منها:
1- بيان أهمية الدعوة إلى الله تعالى من خلال تقديم أنموذجٍ حيٍّ قريبٍ يمثِّلُ هذا المنهج في العصور المتأخرة، والتأكيد على أن مسيرة الدعوة وفق المنهج الصحيح سائرة مستمرة في طريقها برغم العوائق والعقبات.
2- التأكيد على سلفية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، وقيام دعوته على نصوص الكتاب والسنة ووفق منهج أهل السنة والجماعة وأن دعوته مُتّبَعِةٌ لهذا المنهج العظيم.
3- التعريف  بعدد من الأعلام مِمّن كان لهم دور عظيم في نصرة الدعوة الإصلاحية التي قام بها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
4- إطلاع أبناء المملكة العربية السعودية ـ وهم أقرب الناس إلى هذه الدعوة وأكثر المستفيدين منها ـ على أحوال بلادهم قبل الدعوة وبعدها وتذكيرهم بذلك وترسيخه في أذهانهم ليدركوا عظيم نعمة الله تعالى علينا وعليهم إذْ أنقذهم من الشرك والجهل والخرافة وفتح لهم أبواب الخير والرزق بسبب هذه الدعوة المباركة.
التعريف الأصطلاحي للدعوة: نشر الإسلام وتبليغه للناس عن علمٍ وبصيرةٍ وفق الطرق المشروعة، إتباعاً لهدي النبي، صلى الله عليه وسلم، وابتغاء لمرضاة الله عز وجل وثوابه.
* أهمية الدعوة إلى الله وفضلها *
1- إن الدعوة إلى الله تعالى تولاها الله سبحانه بنفسه؛ فهو الذي يدعو عباده إلى طاعته وتقواه التي هي طريق الجنة، وينهاهم عن معصيته ومخالفة أمره التي هي طريق النار والعذاب.
2- إن الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والمرسلين الذين هم خيار الخلق وأشرف العباد، فإنّ الله تعالى اصطفى من عباده خيارهم ليكلفهم بالدعوة إليه سبحانه وتبليغ دينه.
3- إنّ الله تعالى جعل أحسن الأقوال وأشرفها الدعوة إليه سبحانه.
4- إنّ من أسباب تفضيل هذه الأمة على غيرها وتميزها بين سائر الأمم وخيرّيتها عليهم كونها تدعو إلى الله تعالى بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر.
5- استمرار الثواب والأجر وتتابعُهُ للدّاعي إلى الله تعالى إذا اهتدى على يديه أحد؛ ممّا يدلُّ على أهمية الدعوة وفضلها وعلوِّ شأنها.
* منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله تعالى *
* المنهج: هو الطريق الواضح البَيِّنُ، وهو الطريق المستقيم الواضح الذي لا يتغير.
فمنهجُ السلف الصالح في الدعوة واضح ثابت ولا يتغير لكونه مستمدّاً من الشريعة الإسلامية، وإن تبدلت أساليبه ووسائله من زمانٍ لآخر، ومن أشخاصٍ لآخرين، حسب حال المدعو وظروف الدعوة وموضوعها.
* والسلف الصالح: هم أتباعُ النبيّ، صلى الله عليه وسلم، من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين أهل القرون المفضّلة التي قال عنها النبي، صلّى الله عليه وسلم: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم). وهكذا مَنْ جاء بعدهم من أتباعهم أئمة الدين وأعلام الملّة الذين ساروا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخالفوه في الاعتقاد والقول والعمل، ولم يبدعوا ولم يبدلوا، ولم يُحدثوا في دين الله ما ليس منه، وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة والطائفة المنصورة والفرقة الناجية الذين جاء ذكرهم في حديث المغيرة بن شعبة، رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: (لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون).
* وسُمِّيَ السلفُ سَلَفاً: لسبقهم في الوقت وقربهم من الرسالة مقارنةً بِمَنْ بعدَهُم، ولتقدّمهم في الفضل والمكانة والخير والهدى، ويُسَمّون أهل السنة: لانتسابهم إلى سُنّة النبي، صلّى الله عليه وسلم، وتمسّكهم بها وعدم عدولهم عنها.
* ويُسَمَّون بالجماعة: لاجتماعهم على الحق والهدى، ولأنَّ السلف الصالح أهلُ إتباعٍ لا ابتداع واجتماعٍ لا اختلاف؛ لأنهم يتلقون عن الله تعالى وعن رسوله، صلّى الله عليه وسلم فطريقتهم ومنهجهم في العلم والاعتقاد والقول والعمل أسلم وأعلم وأحكم.
ركائز منهج السلف في الدعوة إلى الله
1- العِلمُ: فالدعوة بلا علمٍ دعوة فاسدة باطلة لا قيمة لها ولا اعتبار، فإنَّ فاقد الشيء لا يعطيه.
ولا يُتَصوّر وفقَ منهج السلف قيام دعوةٍ صحيحةٍ من دون علمٍ بدين الله، والعلم المقصود هنا هو: العلم بنصوص الكتاب والسنّة. وهو كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: معرفة الله ومعرفة نبيّه، صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة. وهو مرتبط بجميع مراحل الدعوة، والعلم لا بّد أنْ يسبق القول والعمل، وبفقد العلم في الدعوة يتحكم الهوى وتقع بسبب ذلك المصائب والضلالات والجهالات.
2- العمل: والمقصود بالعمل: تطبيق ما تعلَّمه الإنسان على نفسه أولاً، والاجتهاد في ذلك، ليكون الداعية قدوةً حسنةً للمدعوين في كونه عاملاً بما يأمرهم به، مجتنباً ما ينهاهم عنه. ولأهمية العمل والاستقامة على طاعة الله لا سيّما في حق الداعية، فقد أمر الله بها رسله عليهم الصلاة والسلام. وقد أدرك صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أهمية اقتران العمل بالعلم فقرنوا بينهما في تعلُّم كتاب الله تعالى والعمل به. والذي لا يعمل بما عَلِمَ يقع تحت طائلة الوعيد الذي أخبر الله تعالى عنه في قوله: (يأيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كَبُرَ مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) (الصف 2،3).
3- مراعاة الأولويّات في الدعوة: حيثُ تُقدُّمُ الأصول على الفروع، والأهمّ على ما دونه في الأهمية، والفاضل على المفضول. فأموُر العقيدة مثلاً قي مضمون الدعوة هي أهم ما يجب التركيز عليه، وهي المقدَّمةُ على ما سواها وبخاصة إذا كان هناك خلل في هذا الجانب عند المدعوين، ويدل على ذلك عناية الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بالتوحيد أولاً، واهتمامهم به فكل رسولٍ يدعو قومه إليه أولاً. وعلى أن ترتيب الأولويات لا يعني ترك الدعوة إلى ما دون الفاضل لأجل المفضول، فمثلاً: نبدأ بالدعوة إلى مسائل العقيدة والتوحيد، وهذا لا يعني أن نغفِلَ جوانب شرعية ودينية أخرى من العبادات والأحكام والمعاملات.
4- استخدام الوسائل والأساليب الدعوية المشروعة: إنّ منهج السلف الصالح في الدعوة يقوم على أنّ الأساليب والوسائل لها حُكْمُ الغايات، فغاية الدعوة وهدفها شريف ومشروع، فكذلك يجب أن تكون أساليبها ووسائلها، ولذلك فمبدأ الغاية تبرر الوسيلة مبدأ مرفوض في منهج الدعوة الصحيح.
5- الصبّرُ على تبعات الدعوة: الصبر من أهم الخصال التي أمر الله بها عباده المؤمنين كما قال جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) (البقرة 153). وهو في حق الداعية أوجب وألزم، فالداعية يحتاج الصبر بأنواعه الثلاثة التي هي الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله والصبر على أقدار الله. وبعد ذكر أبرز ما يقوم عليه منهج السلف الصالح رحمهم الله في الدعوة نجد أن إمام الدعوة في وقته الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، ذكر معظمها حيث قال: (اعلم أنّه يجبُ علينا تعلم أربع مسائل، الأول: العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، الثانية: العمل به، الثالثة: الدعوة إلى الله، الرابعة: الصبر على الأذى فيه). وهذا مما يؤكد اتباع الشيخ رحمه الله لمنهج أئمة السلف وأعلامهم في دعوته الإصلاحية والتزامه فيها بالضوابط التي ذكروها في الدعوة إلى الله.
حال العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري
أ- الحالة السياسية: كان معظم العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري ـ أي قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ محكوماً بثلاث دول هي:
1- الدولة العثمانية: وهي دولةٌ تنتسب إلى السنة بدأت على يد عثمان بن أرطغرل سنة 687 هـ ، وسقطت سنة 1341 هـ ، ووصلت إلى ذروة مجدها السياسي في القرن العاشر الهجري وبسطت سلطتها على كثيرٍ من الأقطار الإسلامية، ودخلت جيوشها العديد من البلاد الأوروبية ... أما في القرن الثاني عشر، فقد تدهورت أحوالها واضطربت أمورها.
2- الدولة الصفوية: وهي دولة رافضيةٌ مغاليةٌ في الرفض حكمت بلاد فارس وما جاورها، وكانت شديدة العداء للدولة العثمانية باعتبار الثانية تُنْسَبُ إلى أهل السنة.
3- الدولة المغولية: وبدأت على يد بابر شاه سنة 937 هـ في الهند، وهي دولة خرافيةٌ تجمع بين التشيع والتصوف والوثنية، وكان حكمها مليئاً بالحروب والفتن والاضطرابات.
ب- الحالة الدينية: يُعَدُّ هذا القرن أشدُّ القرون التي سبقته من حيث سوء حالة المسلمين الدينية فيه، ويتمثل سوء الحالة الدينية في هذا القرن من خلال المظاهر التالية:
1- انتشار أنواع الشرك وظهورها بين المسلمين، سواء بتعظيم القبور والمزارات والمشاهد، ودعاء أهلها أو تقديس الأولياء والصالحين، ووضعهم في مقام العبودية، وصرف أنواع العبادات لهم، أو الحلف بغير الله، أو التعامل مع الكهنة والسحرة والعرافين وتصديقهم، وغير ذلك من أبواب الشرك وطرقه.
2- انتشار البدع في الدين، بأنواعها، واضمحلال السنن وغربتها.
3- تغلغل الصوفية في حياة كثير من المسلمين، وانشغالهم بخرافاتها وانتصارهم لها.
4- ضعف الإلتزام بشعائر الإسلام الظاهرة، وشيوع المنكرات الكثيرة في السلوك والأخلاق.
5- قلّة الدعاة والمصلحين على علم وبصيرة.
وفيما يلي نتحدث عن كل مظهر من هذه المظاهر بإيجاز:
1- انتشار الشرك: الشرك أعظم الذنوب عند الله تعالى، وهو رأس المنكرات وأقبح السيئات، قال تعالى: (ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً) (النساء: 48)، وقال سبحانه: (إن الشرك لظلم عظيم) (لقمان: 13)
والشرك: ضد التوحيد. والمُشركُ هو: من يجعل لله شريكاً في عبادته.
والموحِّدُ هو: من يعتقد قولاً وعملاً بأن الله تعالى هو الربُّ المالك المتصّرف المحيي المميت، ويؤمن بكل أسماء الله وصفاته التي وردت في كتابه الكريم أو في سنة رسوله، صلّى الله عليه وسلم، وينزهه سبحانه عن الشبيه والنظير، فيؤمن بكل ما وَصَفَ اللهُ به نفسه ووصفه به رسوله، صلى الله عليه وسلم، ويتقرب إلى الله وحده بكل أنواع العبادة ويصرفها له دون من سواه لكونه الوحيد المستحق للعبادة.
·        وللشرك بالله تعالى أنواع كثيرة، ووسائل متعددة من أهمها وأعظمها مما هو منتشر في بعض البلدان الإسلامية: تعظيم القبور وبناء المساجد عليها، ودعاء أهلها من دون الله، وآتخاذهم شفعاء عند الله، والتقرب إليهم: بالنذر، والذبح، والصدقة، والدعاء، ونحو ذلك، من أنواع العبادة التي مَنْ صَرَفَهَا لغير الله تعالى فقد أشرك، بغض النظر عن صاحب القبر أو الضريح، سواء أكان نبياً مرسلاً أو ولياً صالحاً.
·        وإذا نظرنا على حالة المسلمين في ذلك القرن ـ قبيل قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالدعوة الإصلاحية ـ وما لحقه وما سبقه من قرون نجد أموراً عظاماً في هذا الشأن، فلقد انتشرت في كثير من بلدان المسلمين الأضرحة التي يتقرب إليها كثير من أهل الجهل والضلالة ويتخذون أصحابها شفعاء عند الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
2- انتشار البدع: ومن تلك البدع التي راجت وانتشرت: بدعة الاحتفال بمناسبة المولد النبوي، وبدعة الاحتفال بالإسراء والمعراج، وبدعة الاحتفال بالهجرة النبوية، وبدعة إحياء ليلة النصف من شعبان، والاحتفال بيوم عاشوراء وبدع الأذكار والمدائح النبوية، وهكذا انتشار الخرافات والخزعبلات بأنواعها الكثيرة والمختلفة، مع أن النبي الكريم، صلّى الله عليه وسلم، حذَّر من البدع وتوَّعدَ أصحابها.
3- غلبة الصوفية وتغلغلها في حياة المسلمين.     4- ضعف الالتزام بشعائر الإسلام الظاهرة.
5- قلة الدُّعاة والمصلحين على علمٍ وبصيرةٍ. ونقصد بذلك أنَّ الجهود الدعوية المبذولة في ذلك القرن لم تكن لتواكب تلك الانحرافات الخطيرة في حياة المسلمين، وعقائدهم وبعدهم عن التطبيق الصحيح لدين الإسلام.
ثانياً: حال الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر قبيل الدعوة الإصلاحية
أولاً: الحالة السياسية:
في الجزء المهم من الجزيرة العربية وهو الحجاز كان يقوم حكمُ الأشراف تحت سلطة الدولة العثمانية، وكان هؤلاء الأشراف خلال هذا القرن في منازعات وحروب شديدة فيما بينهم.
أما في اليمن فإنها  كانت محكومةً منذ أمدٍ بعيدٍ بحكم الأئمة الزيديين، وكانت بلادهم قد شهدت دخول العثمانيين إليها ولم يستقر الأمر لهم استقراراً تاماً فيها، واضطروا في نهاية الأمر إلى تركها بسبب ثورة اليمنيين ضدهم.
أما في الإحساء وما جاورها فإن بني خالد تمكنوا بزعامة براك آل حميد من إجلاء الحامية التركية والاستيلاء على الإحساء سنة 1080 هـ، وفي أوج قوة بني خالد استطاعوا مدَّ نفوذهم إلى الكويت  وبعض بلاد نجد.
أما بلاد نجد، فإنها لم تشهد سلطة قوية بعد حكم الدولة الأخيضرية وهي أسرةٌ علويةٌ سيئة السيرة، استقلت عن الدولة العباسية، ومنذ ذلك التاريخ وبلاد نجد لم تعرف حكومة قويّة، وإنما هي عبارة عن إمارات صغيرة متفرقة متنازعة لا تعرف السكينة والأمن والطمأنينة.
أمّا في البادية: فقد كانوا قبائل متناحرةً متنافرةً تقوم بينها الحروب وتعتدي كلُّ واحدةٍ منها على الأخرى لأتفه الأسباب.
ثانياً: الحالة الدينية:
أمَّا الحالة الدينية في الجزيرة العربية، فقد تحدَّثَ عنها عدد من المؤرخين، وكان من أبرزهم المؤرخ حسين بن غنام، ولأهمية كلامه وواقعيته فسنذكره ملخَّصاً، فيقول رحمه الله: في مطلع القرن الثاني عشر الهجري كان أكثر الناس قد انهمكوا في الشرك، وارتدوا إلى الجاهلية، وانطمست بينهم أنوار الإسلام والسنة؛ لذهاب أهل العلم والبصيرة، وغلبة أهل الجهل، واستعلاء ذوي الأهواء والضلال، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من الضلال؛ ظانين أنهم أدرى بالحق، وأعلم بطريق الهدى.. عدلوا عن عبادة الله وحده إلى عبادة الأولياء والصالحين من الأموات والأحياء، يستغيثون بهم في النوازل والكوارث، ويُقْبِلون عليهم في الحاجات والرغبات، ويعتقدون النفع والضرر في الجمادات كالأحجار والأشجار، ويعبدون أهل القبور، ويصرفون لهم الدعاء والنذور في حالتي الضراء والسراء، زائدين على مشركي الجاهلية الأولى، حيث كانوا إذا مسَّهَمُ الضُرُّ لا يدعون إلا الله مخلصين له الدين، أما إذا نجاهم الله؛ فهم يشركون، لكن هؤلاء أحبوا أوثانهم من دون الله محبّةً أعظم من محبّتهم لله؛ سرت في سويداء قلوبهم، وبدت على صفحات وجوههم، وألسنتهم وجوارحهم، وبذلوا أعمارهم وحياتهم في دفع الحق ومن يبديه. وهذا ليس في قطرٍ دون آخر، ولكنه في غالب الأقطار، كما أنه ليس في أول زمن الشيخ فحسب، بل كان بدؤه من قديم.
التعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
1- نسبهُ وأسرته: ينتمي الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى أسرة تدعى آل مُشَرَّف وهي فرع من آل وَهْبَة أحد بطون قبيلة تميم. كان آل مشرَّف يسكنون بلدة أشيقر التي كانت مركزاً علمياً في نجد خلال القرنين العاشر والحادي عشر من الهجرة، ومن هناك انتقل بعضهم إلى بلدانٍ نجديةٍ أخرى، وقد برز من هذه الأسرة عدد من العلماء. أما والد الشيخ محمد فهو الشيخ عبد الوهاب بن سليمان وقد تولى القضاء في العيينة بعد وفاة والده، ويُعد أحد علماء المذهب الحنبلي في وقته في نجد. وأما والدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فهي تنتسب لأسرة آل عزاز الذين هم من آل مشرَّف من بني تميم، وقد كان خاله الشيخ سيف بن محمد بن عزاز من علماء نجد في زمانه، وقد ولي قضاء أشيقر.
2- مولد الشيخ ونشأته: ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- في العيينة سنة 1115 هـ. وكان منذ نعومة أظافره بارزاً في الذكاء وقوة الحفظ ويدل على ذلك حفظه للقرآن الكريم ولم يبلغ العاشرة من عمره، وقد درس في صغره بعض كتب الفقه الحنبلي، وقدمه والده للإمامة مع صغر سنه لما يرى فيه من الكفاية والقدرة.
3- صفاته: كان الشيخ رحمه الله حادَّ الفهم، سريع الخاطر، وقّاد الذهن، ألمعي الفطنة، تميز بقوة الإقناع، وفصاحة اللسان، وقوة الحجة، والقدرة العجيبة على استيعاب الأمور وحَلِّ المُعضلات، ورغبته، رحمه الله، بالخروج من بلده لطلب العلم لا تعني أن بلده كانت خاليةً من العلم؛ بل هو يرحل لمزيدٍ من الاستفادة، ولما لكثرة الشيوخ من توثيق وتنويع في تلقي العلوم. ولمَّا بلغ الشيخ ما يقارب العشرين عاماً من عمره غادر بلدة العيينة متجهاً إلى مكة المكرمة لأداء الحج وزيارة المدينة النبوية مرةً أخرى، ولطلب العلم على يد علمائها، ولعل رحلته الأولى تركت في نفسه شوقاً للمدينتين المقدَّستين لما تتمتعان به من كثرة العلماء المحققين، وكثرة الطلبة واتساع حلقات العلم التي لم يعهدها في بلده.
وكان أبرز شيوخه في الحرم المكي الشريف الشيخ عبد الله بن سالم بن عيسى البصري الشافعي ومن شيوخه في الحرم المدني الشيخ عبد الله إبراهيم بن سيف رحمه الله. ومن شيوخه أيضاً في المدينة النبوية الشيخ محمد حياة بن إبراهيم السندي الحنبلي رحمه الله.
·        اقتصرت رحلات الشيخ رحمه الله العلمية على: الحجاز، والعراق، والإحساء فقط.
5- العوامل الرئيسة التي ساهمت في بناء شخصية الشيخ العلمية والدعوية
1- استعداده الشخصيّ وما كان يتمتع به من ذكاء وفطنة وجدٍّ ومثابرةٍ منذ سنوات عمره الأولى، والتي ظهرت آثارها بعد ذلك من خلال اجتهاده في طلب العلم، ومن ثم القيام بالدعوة والتعليم.
2- أسرته ومكانتها العلمية والاجتماعية: وهي أسرة أنجبت عدداً من العلماء والقضاة وكانت لها المكانة الاجتماعية المتميزة في مجتمعها.
3- أساتذته وشيوخه الذين عُرفوا بغزارة علمهم، وسلامة عقيدتهم، وتنوع معارفهم واهتماماتهم، سواء مَنْ تتلمذ على أيديهم مباشرة، أو الذين استفاد من كُتبهم وتأثر بمؤلفاتهم تأثراً كبيراً.
ويمكن تقسيم هؤلاء الأساتذة والشيوخ إلى طبقات ثلاث:
الطبقة الأولى: وهم الأساتذة الذين أمضى معهم وقتاً طويلاً في الدراسة والتحصيل وتأثر بهم تأثراً مباشراً ويمكن حصرهم في أربعة:
أ- والده الشيخ عبد الوهاب  بن سليمان في العيينة وحريملاء.
ب- الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف في المدينة.
ج- الشيخ محمد حياة السندي في المدينة.               د- الشيخ محمد المجموعي في البصرة.
الطبقة الثانية: من عدا السابقين من أساتذته من أمثال: عمه إبراهيم في العيينة، والشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي في مكة، والشيخ عبد الله بن فيروز.
الطبقة الثالثة: العلماء الذين تأثر بفكرهم وتراثهم العلمي وهم جميع علماء السلف، وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم.
4- رحلاته العلمية: وفيها اكتسب إضافةً إلى لقائه بالعلماء وطلب العلم، معرفة أحوال الناس وطبائعهم وأوضاعهم.
5- ظروف أخرى مجتمعة: وتتمثل فيما كان ينتشر في داخل الجزيرة العربية وخارجها من الجهل والبدع والخرافات وسائر الانحرافات، مع قلة مَنْ يدعو إلى الله، مما جعله يفكر جدياً في إصلاح أوضاع تلك المجتمعات ويتحمس للقيام بتلك المهمة غير مبالٍ بالعقبات والمصاعب، وكان له ذلك الدور بتوفيق الله تعالى وفضله.
6- تلاميذ الشيخ: تتلمذ على يد الشيخ رحمه الله عدد كبير من الطلاب ولا يزال لدعوته صدى وقبول وطلاب في عدد من البلاد ولله الحمد، نسأل الله تعالى لها المزيد من القبول.
7- مؤلفات الشيخ: تنوعت كتابات الشيخ ومؤلفاته في عدد من العلوم الشرعية، فألَّفَ رحمه الله في العقيدة والحديث والفقه والسيرة والتفسير. وكان يركز في التأليف على موضوع التوحيد والعقيدة، وذلك بسبب الحاجة العظمى لها في عصره، لانتشار مظاهر الشرك. وتتميز مؤلفات الشيخ، رحمه الله، بالعناية بالأدلة الشرعية وسهولة العبارة ودقة الاستنباط.
كما يتضح من خلالها سعة علم الشيخ وإحاطته بكثير من أقوال أهل العلم واطلاعه على كتبهم ومؤلفاتهم، وكذلك استيعابه لكثير من شبهات المنحرفين وقدرته الفائقة على مناقشتها والرد عليها.
·       ومن أبرز مؤلفاته:
1- كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وهو أول مؤلفاته، (في علم العقيدة).
2- كشف الشبهات، ويدور حول مجادلة خصوم الدعوة وإزالة الشبه المثارة منهم، (في علم العقيدة).
3- مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، (في علم العقيدة).
4- الأصول الثلاثة وأدلتها، (في علم العقيدة).
5- مختصر سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم، (في علم السيرة).
6- فضائل القرآن، (في علم التفسير).
موقفه من الصحابة الكرام ومن آل البيت رضي الله عنهم أجمعين
يقوم منهج أهل السنة والجماعة في هذه المسألة على موالاة أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، وسلامة قلوبهم وألسنتهم تجاههم، وذكر محاسنهم والترضي عنهم، والكفِّ عمّا شجر بينهم، ويعتقدون بأنهم خير القرون وأنهم السابقون الأولون أصحاب المآثر العظام والمقامات الرفيعة، وأنهم عدول ثقات كلهم، وممّا لا شكَّ فيه أنّ موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذه المسألة إنما هو امتدادٌ لمعتقد أهل السنّة والجماعة فيها.
موقف الشيخ من كرامات الأولياء
يقوم منهج أهل السنة والجماعة على الإيمان بكرامات الأولياء والتصديق بها. وقد انقسم الناس في موضوع الكرامات إلى ثلاثة أقسام هي:
1- قسم غلوا في نفيها، حتى أنكروا ما هو ثابت في الكتاب والسنة من الكرامات التي تجري على وفق الحق لأولياء الله المتقين، وهؤلاء المنكرين كالجهمية والمعتزلة وأشباههم.
2- قسم غلوا في إثبات الكرامات، حتى اعتقدوا أنّ السحر والشعوذة والدَّجل منها، واستغلُّوها وسيلةً للشرك والتعلّق بأصحابها من الأحياء والأموات، حتى نشأ عن ذلك الشرك الأكبر بعبادة القبور وتقديس الأشخاص والغلو فيهم، في كثيرٍ من بلاد المسلمين.
3- القسم الثالث: وهم أهل السنّة والجماعة، وقد توسّطوا في موضوع الكرامات بين الإفراط والتفريط، فأثبتوا ما أثبته القرآن الكريم والسنة المطهرة، فلم يغلوا في أصحابها، ولم يتعلقوا بهم من دون الله تعالى، ولا يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم بل هناك مِنْ أولياء الله مَنْ هم أفضل منهم، ولم تجر على أيديهم كرامات.
ونفى أهل السنة ما خالف الكتاب والسنة من الدجل والسحر والشعوذة، واعتقدوا أن ذلك من عمل الشياطين، وليس من الكرامات. وموقف الشيخ يرحمه الله تعالى إنما هو امتدادٌ للقسم الثالث.
موقف الشيخ من السمع والطاعة لولي الأمر: تُعَدُّ هذه المسألة من مسائل العقيدة التي اهتم بها علماء الشريعة وذلك لآثارها الكبيرة على الناس جميعاً، وقبل توضيح موقف الشيخ في هذه المسألة نبين موقف أهل السنة والجماعة فيها.
فموقف أهل السنة من الإمامة والسمع والطاعة لولي الأمر يتمثل في:
1- ضرورة عقد الإمامة ووجوب نصب الإمام.           2- طاعة الإمام المسلم في المعروف.
3- عدم الخروج عليه وإن جار وإن ظلم.
4- لا يسوغ الخروج على الحاكم إلا بشرطين مجتمعين:
        أ- وجود الكفر البواح الذي لا يحتمل التأويل.   
        ب- وجود القدرة عند الأمة على التغيير.
5- مناصحتهم بالطريقة الشرعية، والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة.
فهذه الأمور الخمسة عليها العمل عند علماء أهل السنة والجماعة، وكتبهم مليئة بالتأكيد عليها. وبعد بيان منهج أهل السنة والجماعة في هذه القضية، نأتي لذكر موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في هذه المسألة، وقد بيَّن موقفه هذا في رسالته الموسومة بمسائل الجاهلية. بقوله: (وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برِّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه).
6- منهجه في قضية التكفير والقتال: تُعَدًّ قضية التكفير من أخطر القضايا المرتبطة بالعقيدة والتي زَلَّتْ فيها قدمُ كثيرٍ من الفرق المنتسبة للإسلام، وهي من أكثر التهم التي يطلقها أهل الأهواء على دعاة الإسلام الصادقين السائرين على منهج السلف الصالح أمّا موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب من التكفير فيتضحُ من خلال كلامه في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة التي يعتقدها، ومن خلال ردِّه على خصومه الذين يتهمونه بأنه يتهاون في قضية التكفير وأنّه يكفِّرُ المسلمين بالعموم ويقاتلهم من أجل ذلك، ويقولون كذلك بأنه يكفِّرُ بالظّن ويُكَفّرُ الجاهل.
فيرد الشيخ رحمه الله على ذلك كله بأقوال واضحة، لا غموض فيها، منها قوله: (ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام). ويقول أيضاً: (وأما التكفير فأنا أكفر مَنْ عرفَ دين الرسول، صلى الله عليه وسلم، ثمّ بعد ما عرفه سَبَّهُ ونهى الناس عنه وعادى مَنْ فعله، فهذا هو الذي أكفره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك). ويرد الشيخ في موضع آخر التهم كلها حول التكفير والهجرة إليه وغير ذلك فيقول: (وأَمَّا ما ذكره الأعداء عنّي أنّي أُكَفَّرُ بالظّن والموالاة، أو أكفِّرُ الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله). وبذلك يتضح لنا دون شكٍّ منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في قضية التكفير وبيان موافقته لمنهج أهل السنة والجماعة فيها.
موقفه من القتال والجهاد: يتضح من كلامه رحمه الله أن منهجه في هذه المسألة يقومُ على التثبُّتِ لعظم حرمة دم المسلم عند الله، ولا يقاتل أحداً إلا إذا ظهر ما يناقض دين الإسلام عن علمٍ واستكبارٍ، فهو لم يقم بالقتال لتحصيل مآرب دنيوية وإنما كان الغرض منه عدة أسباب:
1- إما دفاعاً عن النفس والمحارم.              2- المقابلة والمجازاة، والعقاب بالمثل.
3- المجاهرون المعاندون لدين الحق بعد إعلامهم وتبليغهم.
4- لنشر دين الإسلام وعقيدة التوحيد لتكون كلمةُ الله هي العليا وتطبيق شرعه، كما هو حال سلف الأمة رضي الله عنهم.
7- موقفه من التقليد والاجتهاد
نفى الشيخ ما ينسبه إليه أعداؤه وخصومه بأنه يَدّعي الاجتهاد المُطْلَقَ وينهى عن التقليد، وفي ذلك يقول رحمه الله: (وما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون للكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله). ويقول الشيخ أيضاً: ( وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله، إمام السنة، ولا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذا لم يخالف نصَّ الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها).
 ويوضح الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بتفصيل أكثر الموقف من الاجتهاد والتقليد بقوله: (مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف، وهي أنَّا نقرُّ آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها، ونحن أيضاً في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ولا ننكر على مَنْ قَلَّدَ أحد الأئمة الأربعة. ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا أحد لدينا يَدّعيها، إلا أننا في بعض المسائل إذا صحَّ لنا نَصٌّ جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصّصٍ ولا معارَضٍ بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة، فإنا نقدم الجد بالإرث وإنْ خالف مذهب الحنابلة ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض).
8- رفض الشيخ لمناهج الجاهلية وفضحه لمسائلها: يرى الشيخ أنَّ الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل مستدلاً بقوله تعالى: ( إن الله لا يغفرُ أن يُشركَ به ويغفرُ ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء: 116)، وقوله تعالى: (ولقد أُوحي إليك وإلى الذين مِنْ قبلك لئن أشركتَ ليحبطنَّ عملُك) (الزمر:65) يقول الشيخ رحمه الله: (القاعدة الرابعة: أنّ مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة).
9. منهجة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: سار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الاهتمام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوبه وفق نصوص الكتاب والسنة ومنهج الأئمة الأعلام من السلف، فقال في رسالته لأهل القصيم: (وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية). وفي هذا التزام منه، رحمه الله، بنصوص الكتاب والسنة والتي توجب القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها: قوله تعالى (ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران 104). ويرى الشيخ، رحمه الله، بأنّ هناك عدة شروط ينبغي الاهتمام بها عند القيام بالاحتساب على مَنْ ترك معروفاً أو فعل منكراً، ومن هذه الشروط:
1. العلم والمعرفة قبل الاحتساب.               2. الرفق وعدم العجلة.
3. الصبر على تبعات الاحتساب.             
4. أن يكون المنكر ظاهراً بدون تجسس، مع الحرص على التثبت قبل الإنكار.
5) ألا يؤدي إنكار المنكر إلى منكرٍ أكبر منه.
10- أهداف دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب وأبرز إصلاحاتها
قامت دعوة الشيخ رحمه الله على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وآثار السلف الصالح رضوان الله عليهم، وقد سعت هذه الدعوة المباركة إلى تحقيق عدد من الأهداف المباركة:
1- إيضاح عبودية المخلوق للخالق وتحقيقها، وذلك بعد أن جهل الناس حقيقتها وقصَّروا في الالتزام بها، بل جاؤوا بما يخالفها قولاً وعملاً واعتقاداً. وقد عمل رحمه الله على تحقيق ذلك من خلال:
أ- الدعوة إلى إخلاص العبادة لله تعالى وتخليص التوحيد مِمّا شابه من الشرك.
ب- العمل على إبطال التوسل بالأولياء والصالحين ودعائهم من دون الله، والاستغاثة والاستعانة بهم.
ج- الدعوة إلى الكفر بالطواغيت والإعراض عن عبادتهم، وأنَّ كل ما عُبِدَ مِنْ دون الله وهو راضٍ بذلك فهو طاغوت.
د- نبذ البدع والخرافات وذلك لكونها إِحداثاً في دين الله تعالى مما لم يشرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
2- الاهتمام بالمجتمع المسلم من الناحيتين التعليمية والتنظيمية وغيرهما، وقد عمل الشيخ، رحمه الله، لتحقيق ذلك من خلال:
أ- العناية بتعليم العامة مِنْ حَاضرةٍ وباديةٍ، رجالاً ونساءً، أصول دينهم ودعوتهم إلى ذلك بالحسنى من خلال دروسه وخطبه ورسائله، والاهتمام بالمتعلمين والعناية بهم وتأصيل منهج التعليم عندهم لترسيخ العلم في نفوسهم وزيادة الوعي في أهمية التعليم والدعوة.
ب- العمل على جمع شمل المسلمين بعد التفرق، وإطفاء نيران الظلم والفتن بينهم، وإزالة الأحقاد والضغائن المترسبة في نفوسهم.
3- إقامة دين الله تعالى بين عباده بالطرق الموصلة إلى ذلك، وقد سعى الشيخ لتحقيق هذا الهدف من خلال:
أ- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث تولَّى الشيخ بنفسه القيام بالاحتساب في جميع مراحل دعوته.
ب- الحكم بما أنزل الله تعالى وتطبيق الحدود الشرعية، فقد بذل الشيخ جهده في إقامة حكمٍ إسلاميٍ يلتزم بالشرع المطهّر في كل مجالات الحياة.
ج- رفع راية الجهاد، في سبيل نشر دين الله وإزالة الشرك والبدع أولاً باللسان والحجة والبرهان، ثم بمقاتلة الخصوم المعتدين الذين سِّيروا جيوشهم لمحاربة الدعوة في الدرعية بعد ذلك، والوقوف  ضد الدعوة وإقامة العقبات في طريقها.

11- مراحل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
المرحلة الأولى: الدعوة أثناء طلبه للعلم.                 المرحلة الثانية: الدعوة في حريملاء.
المرحلة الثالثة: الدعوة في العيينة.                       المرحلة الرابعة: الدعوة في الدرعية.
ويمكننا إيجاز الحديث عن المرحلتين الثالثة والرابعة لأهميتهما فيما يلي:
أ. المرحلة الثالثة: وصل الشيخ إلى العيينة سنة 1154 هـ تقريباً ومنذ وصوله رحب به أميرها عثمان بن معمر، الذي تأثر بالدعوة وأكرمه ووعده بالنصر، وأمر أتباعه بالتعاون مع الشيخ وتنفيذ ما يأمر به بعد أن عرف الأمير حقيقة الدعوة وما يترتب عليها من مصالح الخير في الدين والدنيا.
واشتهر أمر الدعوة في هذه المرحلة اشتهاراً كبيراً، فلم يرق ذلك الأمر لأعداء الدعوة المنتسبين إلى العلم وغيرهم، فبدأوا يروِّجُون الأباطيل ويخترعون الأكاذيب ضد الدعوة وصاحبها، وانطلقوا يؤلّبون العامّة والخاصّة عليها ويضغطون على حاكم العيينة للتخلي عن مناصرة الشيخ وتأييده. وبالفعل تخاذل ابن معمر عن مناصرته للشيخ وتأييده وطلب منه أن يبحث له عن مكان آخر، ويرحل عن بلده.
ب. المرحلة الرابعة: وبدأت هذه المرحلة منذ وصول الشيخ إلى الدرعية بعد خروجه من العيينة ولقائه بالأمير محمد بن سعود، وهذه هي المرحلة الحاسمة في حياة الشيخ وهي الأبرز والأكبر والأهم بين المراحل الأخرى، ففيها توسعت الدعوة وانتشرت وقامت لها دولة هي الدولة السعودية الأولى.
وقد استخدم الشيخ في هذه المرحلة بمناصرة وتأييد الإمام محمد بن سعود وأبنائه من بعده، رحمهم الله، جميع الأساليب والوسائل الدعوية المتاحة بدءاً من أسلوب الموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وانتهاءً برفع راية الجهاد وصدِّ مكائد خصوم الدعوة بالسيف وإزالة العقبات من طريق الدعوة وجمع المسلمين على إمامٍ واحدٍ في الجزيرة العربية.


الجهود المباركة للدولة السعودية في خدمة الدعوة بين الأمس واليوم
أولاً: تركزت جهود الشيخ محمد بن سعود في الآتي:
1- حماية الإمام للشيخ محمد بن عبد الوهاب للقيام بالدعوة في اطمئنانٍ مما كان له عظيم الأثر في كثرة أنصارها.        2- المساهمة في نشر العلم وتسهيله وإرسال الدعاة.
3- القيام بالدعوة إلى الله بالنفس والمال، وذلك بالجهاد في سبيل الله.
4- الحرص على القيام بكل أحكام الشرع، وإلزام الناس بأداء الفرائض، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 5- إلغاء الحكم العشائري واستبداله بتحكيم الشريعة.
6- تنظيم بيت المال تنظيماً إسلامياً خالصاً، وصرف الزكاة على مستحقيها في مصارفه الصحيحة.
ثانياً: جهود الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في الدعوة:
أ- المحافظة والسير على درب والده في التمسك بالشريعة ونصرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومساعدته على نشر الدعوة في مناطق حكمه، والمناطق المجاورة لها.
ب- ساعد على وجود حركة علمية واسعةٍ بتخصيص رواتب شهرية تُصرَفُ لجماعة العلم المتفرغين والملازمين لدروس الشيخ.
ج- عملهُ على مراسلة البلدان الإسلامية، وقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان حريصاً على رد الأباطيل عن الدعوة، مما يدل على سعة علمه ومداركه.
د- استطاع توسيع نطاق الدعوة وعمل على إقامة علم الجهاد، وبذلك استطاع فتح كثيرٍ من المدن حتى وصل إلى مدينة كربلاء في العراق.
هـ- استطاع أن يوطد أمن البلاد والمناطق التابعة له، وبذلك انخفضت الجريمة، والمناوشات والاعتداءات بين القبائل.
ثالثاً: أبرز جهود الإمام سعود بن عبد العزيز في الدعوة ما يلي:
1- ساهم في نشر العلم وتخصيص أجور شهرية للمعلمين.
2- تَمَيَّزَ عهُده بالأمن والاستقرار، بتحكيمه للشريعة الإسلامية وقوة شخصيته، والعدل الذي ساد، مع انتشار العلم بين الناس.
3- جَمَعَ مكتبةً ضخمةً فيها شتّى العلوم المختلفة، مما أفاد الناس وسَهَّل لهم الدرس ونشر العلم.
4- السير على طريق والده، مستمسكاً بالدعوة ناصراً لها، وناشراً الجهاد في سبيلها، متوسعاً في فتوحاتها به.
رابعاً: جهود الإمام تركي بن عبد الله ونصرته للدعوة:
الإمام تركي هو مؤسس الدولة السعودية الثانية، وقد كان الإمام تركي متمسكاً بتعاليم الدين، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عادلاً شجاعاً، قائداً حكيماً وفارساً شجاعاً، وقد كان له تأثير وجهود في الدعوة إلى الله منها:
1- كان حريصاً على تعاليم وشعائر الإسلام، مُلِزماً للناس بالصلاة جماعةً، مانعاً للربا حاثّاً على أداء الزكاة، محذراً من الظلم.
2- كان قوياً في تطبيق مبادئ الدعوة الإصلاحية، معيناً للعلماء وأبناء وتلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب لنشر الدعوة.
3- عندما عاد الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب من مصر 1241 هـ وَلاّه الإمام تركي الشؤون الدينية في الدولة، مما يدل على تمسك الإمام تركي بمبادئ الدولة، والحرص على علاقته بأحفاد الشيخ محمد.
خامساً: جهود الإمام فيصل بن تركي في الدّعوة:
1- اهتم كثيراً بالشعائر الإسلامية والحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبسط الأمن.
2- إنشاء مجلس للشورى وتنظيمه له، لمناقشة شؤون الأقاليم والسكان واحتياجاتهم.
3- واصل تأييده ومساندته الكاملة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية، ومساعدة العلماء ومناصرتهم في سبيل الدعوة واستمرارها.
سادساً: لقد قامت السياسة الشرعية التي انتهجها آل سعود على الأسس الآتية:
1- عقيدة التوحيد التي تجعل الناس يخلصون العبادة لله وحده.
2- شريعة الإسلام التي تحفظ الحقوق والدماء وتنظم الأمور.
3- حمل الدعوة ونشرها وهي أهم وظائف الدولة الإسلامية.
4- إيجاد بيئة خالية من المنكرات والانحرافات.
5- تحقيق الوحدة الإيمانية.
6- النهضة الشاملة والأخذ بأسباب التقدم لتيسير حياة الناس.
7- تحقق الشورى وهي صفة المؤمنين.
8- الدفاع عن الدين، والمقدسات، والوطن، والمواطنين.
سابعاً: كانت جهود الملك عبد العزيز في تقرير العقيدة الصحيحة امتداداً لجهود الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي ركزّت في أمرين:
الأول: دعوة الناس إلى تجريد العبادة لله وحده، وتجريد المتابعة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم.
الثاني: دعوة الناس، وخصوصاً الحكام إلى تحكيم شريعة الله وحدها.
وبناءاً على هذه الأسس للدعوة السلفية وفي مجال تقرير العقيدة الصحيحة هنالك ثلاث نقاط ينبغي إيضاحها هي:
أ- تمسك الملك بعقيدة التوحيد.
ب- جهوده في تقرير العقيدة الصحيحة في المملكة بواديها وحواضرها.
ج- جهوده في الدعوة إلى هذه العقيدة الصافية عالمياً من خلال السياسة الدولية.
من الأدلة الواضحة على تمسّك الملك عبد العزيز بعقيدة التوحيد:
1- محبته للتوحيد وإخلاصه له، فاختار الشهادتين شعاراً وعملاً.
2- اعتبار التوحيد القاعدة الأساسية في حياة المسلمين.
3- كان يقظاً فلم يتفوه بلفظ يجرح التوحيد.
أمثلة من حماية الملك عبد العزيز للعقيدة الإسلامية:
1-حرصه على إزالة جميع مظاهر الشرك المنتشرة عند بعض المسلمين مثل البناء على القبور، وكذلك هَدَمَ صنم "ذا الخلصة" في منطقة تبالة قرب بيشة، ونكَّل بسدنتها وتوعدهم بالقتل إذا عادوا لبنائها.
2- حماية المملكة من أن يتسلل إليها شيء من عقائد الكفار من نصارى وشيوعيين وغيرهم، وتحريم دخول المُنصِّرين إليها، أو وجود الصلبان فيها.
3- تطبيقاً لقوله تعالى: ( ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).  حرص الملك على إلغاء جميع القوانين التي كانت موجودة من بقايا الدول السابقة، وقد حثَّ العلماء على إصدار فتوى بذلك.
جهود الملك عبد العزيز في نشر الدعوة للعقيدة السلفية عالمياً:
1- سعى الملك يدعو إلى العقيدة السلفية عالمياً عن طريق استغلال مواسم الحج في الدعوة، وإيصالها إلى البلدان المختلفة عن طريق نشر الكتب وتوزيعها في البلاد المختلفة مجاناً.
2- أما المجال الثاني الذي نشط فيه الملك عبد العزيز في مجال تصحيح العقيدة عالمياً، فهو اجتهاده في إخراج المؤلفات القيمة التي تهتم بنشر العقيدة السلفية، وتطهير العقيدة من أدران الشرك، لا سيما كتب الشيخ ابن تيمية، وابن قيم الجوزية، ومحمد بن عبد الوهاب وأُوصلت هذه الكتب على أيدي الناس في البلدان المختلفة ووُزعت مجاناً.
كان الملك عبد العزيز يسعى- قدر طاقته- لتعريف المسلمين بالعقيدة السلفية الصحيحة، بعدما طرأ عليهم من الخرافات والبدع، وذلك من خلال عدة وسائل أهمها:
1- اللقاء بوفود الحجيج، وحثّهم على التمسك بالدين الصحيح ليكونوا دعاةً في بلادهم.
2- دعم ونشر الكتب والمجلات والنشرات الإسلامية التي توضّح الدين الحق.
3- دعم العلماء السلفيين في مختلف البلدان مادياً ومعنوياً لإيضاح الحق ودعم الرد على المحاولين تشويش الدعوة.
4- إرسال الدعاة إلى هذه البلدان للتعريف بالمنهج السلفي، حيث أُرسل الكثير من العلماء والدعاة يدعون إلى توحيد الله وعبادته.
ثامناً: جهود الملك سعود بن عبد العزيز في نشر الدعوة:
1- لقد التزم بمنهج والده في التمسك والالتزام بتحكيم الشريعة والسير على طريقه في سياسة المحافظة على الأمن والاستقرار.
2- اهتم بنشر العلم، فافتتحت أولُ جامعةٍ في عهده وهي جامعة الملك سعود، وتوسع في افتتاح المعاهد العلمية والدينية، وافتتح الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وأمر بصرف مكافآت لتشجيع طلاب العلم.
3- كما اهتم- رحمه الله- بالقضايا الإسلامية، ودعم الجمعيات الإسلامية العالمية فافتتح رابطة العالم الإسلامي عام 1381 هـ، وكان من مهامها إرسال الدعاة والمدرسين للدول والمناطق الإسلامية.
4- اهتم بالشؤون الإسلامية، وطبع الكتب الدينية لإرشاد الناس والدعوة، وأمر بإنشاء دار الإفتاء، والإشراف عليها برئاسة الشيخ محمد بن إبراهيم، واهتم كذلك بتوسعة المسجد الحرام وشؤون الحجاج، ودعم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تاسعاً: جهود الملك فيصل في الدعوة:
1- سار على درب والده والتزامه بتحكيم الشريعة الإسلامية، والمنهج السياسي في حياته باستقلال البلاد وحمايتها والمحافظة على الهوية الإسلامية والعادات الأصيلة. كما أبرز دور المملكة القيادي بالدفاع عن المسلمين ونصرتهم ومساعدتهم في حاجاتهم الدينية والدنيوية.
2- اهتم الملك فيصل بشؤون الحرمين الشريفين، فأنشأ إدارة الإشراف الديني بالمسجد الحرام عام 1384 هـ، التي تهتم بأمور الدعاة والإرشاد بالحرمين.
3- وعمل على إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1390 هـ.
4- كما ساهم في إنشاء البنك الإسلامي للتنمية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي عام 1392هـ.
5- أنشأ وزارة العدل وعمل على وضع نظامٍ قضائيٍ يعين على استقلال القضاء، ويمسك زمامه مجلس أعلى للقضاء، كما أصدر نظاماً أساسياً للحكم مستمداً من الشريعة السمحاء كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح.
6- عمل الملك فيصل على نشر الدعوة الإسلامية، بالعمل على إنشاء المساجد ومراكز العلم، وسَخَّرَ جميع الوسائل الممكنة لذلك، كما أصلح أوضاع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
7- اهتمَّ بتكريم العلماء ورجال الدين، وقام بتأسيس (هيئة كبار العلماء) من عشرين عضواً للنظر في قضايا المسلمين وفتاواهم، وكذلك اهتم كثيراً بالنهضة التعليمية ومجالات التعليم المختلفة، وتقديم المنح والمكافآت لطلبة العلم.
عاشراً: جهود الملك خالد في الدعوة:
1- اهتم- رحمه الله- بالعمل على نشر الدعوة الإسلامية، وذلك بالقيام والاهتمام بعمل المراكز الإسلامية في دول المشرق والمغرب، ودعم الجمعيات الدعوية للإسلام، وقد ساهم مساهمة فَعّالةً في بناء المساجد، واتخذ كل الوسائل المتاحة والمتيسرة لنشر الدعوة الإسلامية.
2- عمل على عقد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عام 1401 هـ بمكة، وذلك حرصاً منه على تقوية الروابط الإسلامية بين الدول وإزالة الخلافات، مما يسهل نشر الدعوة، وفي عام 1398 هـ عمل على إنشاء هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية.
3- كما اهتم كثيراً بنشر كتاب الله تعالى، لذلك أمر بإنشاء مطبعة المصحف الشريف، وترجمة معانيه إلى عدة لغات، وتوزيعه على عدة أقطار من العالم.
4- أنشئت في عهده المجامع الفقهية لاستصدار الفتاوى في القضايا الحادثة، وبدأ في مكة المكرمة عقد المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم لأبناء المسلمين من مختلف دول العالم في عام 1397 هـ.
الحادي عشر: جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ـ رحمه الله ـ في خدمة الدعوة:
1- اهتم الملك فهد بخدمة الإسلام والمسلمين والعلماء في مختلف أنحاء العالم، وتَمَثَّلَ اهتمامه في تقديره للعلماء ورعايتهم واستشارتهم، وقد اهتم كثيراً بقضايا المسلمين، وجمع شملهم ومناصرة الدول الإسلامية في قضاياها، ودعمها سياسياً ومالياً.
2- عمل- رحمه الله- بكل الوسائل الممكنة لنشر الدعوة الإسلامية، وذلك من خلال إنشاء المراكز الإسلامية التعليمية والمساجد، ومعاهد حفظ القرآن الكريم، ليس على مستوى الدولة، بل لعموم المسلمين وبلدان العالم الأخرى.
3- كما اهتم كثيراً بنشر كتاب الله، وذلك بإنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، مما ساهم كثيراً في توفير المصحف الشريف مكتوباً بعدة لغات، ومسموعاً بأصوات عدد من القراء، وتم توزيع ملايين النسخ منه. بالإضافة لطباعة كتب التفسير وعلوم القرآن، مما أفاد خلقاً كثيرين ونشر العلم والمعرفة بهذا الكتاب الجليل.
4- اهتم – رحمه الله - بخدمة الحرمين الشريفين وعمارتهما، وعمل على توسعتهما لتزيد بذلك طاقتهما الاستيعابية للحجّاج والزوَّار والمعتمرين، راحةً لضيوف الرحمن والاهتمام بهم، وتيسير أداء مناسكهم في يُسرٍ وأمن.
5- أنشئت في عهد خادم الحرمين- رحمه الله- وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة عام 1414 هـ، وهدفها حماية العقيدة الإسلامية والدعوة إلى الله في الداخل والخارج، والاهتمام بالأوقاف وصرفها، والاهتمام ببيوت الله وعمارتها.
6- تمَّ في عهده إنشاء المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، للاهتمام بالشؤون الإسلامية والأقليات، والجمعيات والمراكز الإسلامية، كما اهتم برعاية الدعاة والمعلمين، وتأهيلهم تأهيلاً يليق بالدعوة والتعليم. كما كان التوسع في إنشاء الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن لكلا الجنسين أمراً واضحاً.
من أبرز العلماء الذين ناصروا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
1- الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب.       2- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن حصين.
3- الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب.
4- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البابطين.
5- الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب.
6- الشيخ حمد بن عتيق.
آثار الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية
1- قيام دولة إسلامية، هي دولة آل سعود الذين آزروا هذه الدعوة وجاهدوا في سبيلها، ولا تزال هذه الدولة، ولله الحمد، تحكم بشريعة الله، وتخدم الحرمين الشريفين، وتشد أزر المسلمين في كل مكانٍ من بقاع العالم.
2- تصحيح العقيدة الإسلامية ممّا علق بها من الشركيات والبدع والخرافات، وإرجاعها إلى منبعها الصافي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
3- وجود حركة علمية واعية متحررة من التقليد الأعمى، فانتشر بفضل هذه الدعوة الإصلاحية ـ بعد فضل الله تعالى ـ التعليم في المساجد في مختلف مناطق البلاد، حتى تخرج منها علماء أفذاذ في حياة الشيخ وبعدها، قاموا بنشر هذه الدعوة الإصلاحية وتأييدها ورعايتها إلى يومنا هذا.
4- نشاط حركة التأليف والنشر، فقد قَدَّمَ علماء ودعاة هذه الدعوة الإصلاحية للأمة الإسلامية رصيداً من الكتب النافعة في أصول الدين وفروعه، تحافظ على منهج أهل السنة والجماعة وتوضِّحُه وتحثُّ عليه، وتؤكِّدُ على عقيدة السلف الصالح، وتظهر الشرك والبدع والخرافات ليبتعد عنها الناس مؤيدين ذلك كله بنصوص الكتاب والسنة.
5- دورها الكبير في جمع كلمة المسلمين في هذه البلاد تحت حكم إمام واحد، مما ساعد كثيراً على وحدة الصف، ونشر الأمن والاستقرار في أرجاء الجزيرة، ولله الحمد.
آثار الدعوة الإصلاحية خارج الجزيرة العربية
أبرز الأسباب لانتشار الدعوة في الخارج هي:
1- استفادة العلماء والدعاة والمنتمين للدعوة الإصلاحية من مواسم الحج، حيث يَفِدُ زوّارُ بيت الله الحرام على مكة المكرمة، ويحصل من خلال هذا الاجتماع الإسلامي العظيم دعوة بعضهم بعضاً، وإرشادهم للدين الصحيح وإزالة للشبه الموجودة لديهم عن الدعوة الإصلاحية.
2- عن طريق رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه من بعده إلى عدد من البلدان والأقطار لتوضيح الدعوة وعقيدتها وإزالة الشُّبه التي تُثار ضدّها.
3- عن طريق مؤلفات الشيخ وأتباعه من بعده.
4- عن طريق الجهاد في سبيل نشر دعوة الإسلام وتصحيح العقائد الباطلة، وقد وصلت الدعوة الإصلاحية عن طريق جهاد الدولة السعودية وأتباعها إلى مناطق متقدمةٍ من العراق والشام وأجزاء كبيرة من بلدان الخليج واليمن.
5- ولعل من أبرز الأسباب لانتشار الدعوة الإصلاحية هو: وضوحها وسهولتها وواقعيتها، يقول الشيخ د. عبد الله التركي: (إنّ يُسرَ الدعوة الإصلاحية، واستنادها إلى القرآن الكريم والسنة النبوية وعمل السلف من الصحابة والتابعين كان له أكبر الأثر في انتشار الدعوة ... دون جهدٍ دعويٍ أو علميٍ كبيرٍ، فلم يكن وقتذاك أجهزة إعلامية قوية التأثير لكي تثبت الدعوة في أنحاء شبه الجزيرة أو خارجها.
*****************************************************************
مراجعة عامّة هامّة لمادة "مذاهب فكريّة معاصرة"
إعداد الدكتور راجح السباتين / جامعة طيبة / كلية العلوم والآداب بالعلا
المذاهبُ جمعُ مذهبٍ. وهو ما يذهب إليه الشخص ويعتقده صواباً ويدين به سواء أكان ما يذهب إليه صواباً في نفس الأمر أو كان خطأً. وتختلف المذاهب باختلاف مصادرها وباختلاف مفاهيم الناس لها من دينية وغير دينية وما يتبع ذلك من اختلاف في فنونها.
وقيل لها مذاهب فكرية نسبةً إلى الفكر الذي تَمَيَّزَ به الإنسان عن بقية المخلوقات التي تشاركه الوجود في الأرض، وقد نُسبت المذاهب إلى الفكر لأنها جاءت من ذلك المصدر وهو الفكر؛ أي أنها لم تستند في وجودها على الوحي الإلهي أصلاً، فقد استعانت به وبما توصَّل إليه الفكر من نتائج جاءته إما عن طريق الوحي أو التجارب أو أقوال مَنْ سبقَ أو أفعالهم، وقد تكون تلك النتائج صحيحةً وقد تكون خاطئة في نفس الأمر.
ومن هنا سُمِّيَتْ مذاهب فكريةً نسبةً إلى المذهب الذي تذهب إليه كل طائفة ونسبةً كذلك إلى أفكارها التي تعتنقها مُبتكرةً لها مقلّدة.
أهداف وفوائد دراسة المذاهب الفكرية
1. كشف المؤامرات التي تُحاك ضد الإسلام والمسلمين ليلاً نهاراً والاطلاع عليها وعلى ما عندنا من الخير العميم في الإسلام. وهو أمر لا تخفى ضرورة الحاجة إليه ولن يتمكن الشخص من معرفة ذلك إلا من خلال دراسة هذه المذاهب التي يحتاج لمعرفتها كل مسلم مهما كان مستواه الثقافي.
2. القيام بواجب النصح لله تعالى ولرسوله، صلى الله عليه وسلم، ولعامة المسلمين، بل ولكل شخص، وتحذير المسلمين من الوقوع في شيء من تلك المذاهب الهدَّامة وأن يرجع الشخص الذي وقع فيها إلى الحق وينبذ باطل تلك المذاهب الجاهلية.
3. لفت أنظار المسلمين إلى ما كان عليه أسلافهم الكرام من العزّة والكرامة حينما كانوا بعيدين عن التأثر بتلك التيارات المنحرفة التي غزت المسلمين على حين غفلة منهم. وتذكيرهم كذلك بالحال الذي وصلوا إليه بعد تأثرهم بمختلف التيارات المنحرفة الضالة، من شيوعية أو اشتراكية أو ماسونية أو بعثية... إلى آخر ما هناك، وبيان هوانهم على الأمم بعد أن نسوا اعتزازهم بدينهم.
4. الوقوف في وجوه أعداء الإسلام وعدم ترك المجال لهم للهجوم على العقيدة الإسلامية والحطَّ من حضارة المسلمين وتراثهم وبالتالي تنفيذ مآربهم الشريرة في ديار المسلمين وفي أفكارهم وتحقيق رغبتهم في إيجاد أجيال تُنسبُ إلى الإسلام دون أن تُفرِّقَ بينه وبين المذاهب المنحرفة.
5. أن يكون لدى دارس هذه المذاهب دُربةٌ وفراسةٌ يستطيعُ من خلالها معرفة اتجاه الشخص مِنْ واقع ما يقوله من العبارات وما يردده من الأفكار التي تنطوي عليها تلك المذاهب، فإن كل إنسان يتصرف حسبَ ما يمليه عليه تفكيره.
6. فائدة دراستها للداعية إلى الله تعالى ولمن يتصدى لإصلاح الناس أمرٌ واضحٌ لسلامة عقيدته ومعرفته كذلك باتجاهاتهم الفكرية، فإنَّ المذاهب الفكرية هي التي تسيَّرُ حياة الناس في الطريق الصحيح أو الطريق الباطل، بحيث يوليها أهميته واستعداده لمواجهة أهلها وإفهامه أن المفكرين هم قادة الناس الحقيقيين والموجِّهين لهم في كل زمان وأن الناس يرجعون إليهم حينما تشتد الأمور وتتطلب التفكير الصحيح شاءوا أم أبوا.
7. تذكير الدارس للمذاهب بأن في دراستها عبر وعظات تزيد المسلم يقيناً وإيماناً بدينه من خلال اطلاعه على مصير الضالين والظالمين ومصير تلك المذاهب وبقاء الإسلام عالياً شامخاً على مر الدهور بحفظ الله تعال له رغم تعرضه لدسائس ومؤامرات لا حدَّ لها.
8. دراسة هذه المذاهب تجعل الشخص يطمئن إلى سلامة تفكيره وسلوكه واعتقاده وتصرفاته لأنه بضدها تتميز الأشياء فإذا عَرَفَ المذاهب الباطلة عَرَفَ أن الحق في سواها.
أسباب اعتناق بعض الناس للمذاهب المعاصرة في ديار المسلمين
1. جهل هؤلاء بدينهم وما يحويه من مفاخر وخيرٍ وما يحويه من شمولية كاملة. وهذا الجهل من هؤلاء يعود إلى أسباب كثيرة، إما لتفريطهم وإهمالهم وإما لتربيتهم وإما لاختلاطهم بغيرهم وإما لغير ذلك من الأسباب الكثيرة.
2. جهلهم بحقيقة من تحمله تلك المذاهب الضالة من بؤسٍ وشقاءٍ وأنهم تأثروا بها دون معرفةٍ  لحقيقتها المُخزية وما تحمله من دمار أخلاقي واقتصادي واجتماعي وديني وكلِّ شيء يمتُّ إلى الطريق الحق والصراط المستقيم.
3. رغبة هؤلاء في الانفلات والتحلل من كل القيم والأخلاق والعادات الحسنة والفضائل ورغبتُهم في العيش على الطريقة الغربية؛ يعيشون كما تعيش البهائم ويأكلون كما تأكل الأنعام دون أن يقف في طريقهم أي مانع شرعي أو عرفي.
4. نشاط أعداء الإسلام وقوةُ عزمهم على إفساد عقائد المسلمين وإخراجهم من دينهم بأنواع الدعايات والمغريات.
5. بذل المساعدات المالية وتحبيب الحياة الغربية إلى قلوب المسلمين وتنفيرهم من حياتهم الإسلامية، وبث الدعايات ضدَّ الإسلام وحكام المسلمين وعلماء الإسلام قاطبةً، فقد صوَّروا لهم الإسلام أنه هو الواقف حجر عثرةٍ في طريق تقدم المسلمين ونهوضهم .... وصوَّروا لهم حكام المسلمين متخلفين وجائرين، وصوروا لهم علماء الإسلام متخلفين وجامدين إلى غير ذلك من أنواع الدعايات الخبيثة التي سرت في عروق كثيرٍ من جُهَّال المسلمين.
6. تأخر بعض بلدان المسلمين في مناهجهم التعليمية حيث أُقصيت كل الدراسات- إلا القليل- بما يبيته له الغرب على أيدي عملائه من المنصّرين والمستشرقين ومَنْ وافقهم مِمَّنْ يدعي العروبة أو الإسلام.
7. الضعف النفسي الذي أصاب المسلمين وانبهارهم ببريق الحضارة الغربية ورغبة المغلوب في تقليد الغالب ومحاكاته لجبر ما يحسُّ به من ضعف الشخصية أمامه.
8. الضغوط الشديدة التي يتعرَّضُ لها ضعافُ المسلمين باستمرارٍ في أكثر من بلد إسلامي وإملاء الكُفَّار لأفكارهم على تلك الشعوب لتقبلها راغبةً أو راهبةً. وغير ذلك من الأسباب الكثيرة التي تضافرت لتهزَّ مَنْ كان في قلبه مرض هزاً عنيفاً.
أولاً: الماسونية: الماسونية كلمة غير عربية، معناها البناؤون الأحرار، وهي في الإصطلاح: منظمةٌ يهوديةٌ سرية غامضةٌ مُحكمةُ التنظيم تهدف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم وتدعو إلى الإلحاد والإباحة والفساد. جُلُّ أعضائها من الشخصيات المرموقة في العالم يوثقهم عهدٌ بحفظ الأسرار. ويقومون بعقد اجتماعاتهم فيما يُسمّى بالمحافل للتخطيط والتكليف بالمهام.
التأسيس وأبرز الشخصيات
1. المرحلة الأولى: أسسها هيرودس أكريبا (ت 44م) ملك الرومان بمساعدة مستشاريه اليهوديين آنذاك، وهما:
1. حيرام ابيود: نائب الرئيس                    2. موآب لامي: كاتم سر أول
قامت الماسونية منذ أيامها الأولى على المكر والتمويه والإرهاب حيث اختاروا رموزاً وأسماء وإشارات للإيهام والتخويف وسَمُّوا محفلهم (هيكل أورشليم) للإيهام بأنه هيكل سليمان عليه السلام. قال الحاخام لاكويز: الماسونية يهودية في تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها وفي إيضاحاتها ... يهودية من البداية إلى النهاية.
أما تاريخ ظهورها فقد اختُلِفَ فيه لتكتمها الشديد، والراجح أنها ظهرت سنة 43م وسُمّيت (القوة الخفية) وكان هدفها التنكيل بالنصارى واغتيالهم وتشريدهم ومنع دينهم من الانتشار.
-       كانت الماسونيّة تُسَمَّى في عهد التأسيس (القوة الخفية) ومنذ بضعة قرون تسمت بالماسونية لتتخذ من نقابة البنائين الأحرار لافتة تعمل من خلالها ثم التصق بهم الاسم إلى يومنا هذا.
2. أمّا المرحلة الثانية للماسونية: فتبدأ سنة 1770م عن طريق آدم وايزهاويت المسيحي الذي ألحدَ واستقطبته الماسونية بهدف السيطرة على العالم وانتهى المشروع سنة 1776م، وقد وُضِعَ أول محفل في هذه الفترة (المحفل النوراني) نسبة إلى الشيطان الذي يقدّسونه.
-       استطاعوا خداع ألفي رجل من كبار الساسة والمفكرين وأسسوا بهم المحفل الرئيسي المُسَمّى بمحفل الشرق الأوسط، وفيه تم إخضاع هؤلاء الساسة لخدمة الماسونية، وأعلنوا شعاراتٍ بَرّاقةً تُخفي حقيقتهم فخدعوا كثيراً من المسلمين.
-       ومن شخصياتهم كذلك: جان جاك روسو، فولتير، جرجي زيدان، كارل ماركس.
أبرز الأفكار والمعتقدات الماسونيّة
-       الكفر بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات ويعتبرون ذلك خزعبلات وخرافات.
-       العمل على تقويض الأديان.
-       العمل على إسقاط الحكومات الشرعية وإلغاء أنظمة الحكم الوطنية في البلاد المختلفة والسيطرة عليها.
-       إباحة الجنس واستعمال المرأة كوسيلة للسيطرة.
-       العمل على تقسيم غير اليهود إلى أممٍ مُتنابذةٍ تتصارع بشكل دائم.
-       تسليح هذه الأطراف وتدبير حوادث لتشابكها.
-       بث سموم النزاع داخل البلد الواحد وإحياء روح الأقليات الطائفية العنصرية.
-       تهديم المبادئ الأخلاقية والفكرية والدينية ونشر الفوضى والانحلال والإرهاب والإلحاد.
-       استعمال الرشوة بالمال والجنس مع الجميع وخاصّةً مع ذوي المناصب الحسّاسة لضمّهم لخدمة الماسونية والغاية عندهم تبرر الوسيلة.
-       إحاطة الشخص الذي يقع في حبائلهم بالشباك من كل جانب لإحكام السيطرة عليه وتسييره كما يريدون لتنفيذ كل أوامرهم.
-       يشترطون على الشخص الذي يلبي رغبتهم في الانضمام إليهم التجردَ من كل رابط ديني أو أخلاقي أو وطني ويجعل ولاءه خاصلاً للماسونية.
-       إذا تململ أحدُ الأعضاء أو عارَضَهم في شيءٍ يُدبرّون له فضيحةً كبرى وقد يكون مصيره القتل.
-       العمل على السيطرة على رؤساء الدول لضمان تنفيذ أهدافهم التدميرية.
-       السيطرة على الشخصيات البارزة في مختلف الاختصاصات لتكون أعمالهم متكاملة.
-       السيطرة على أجهزة الدعاية والصحافة والنشر والإعلام واستخدامها كسلاح فتاك شديد الفاعلية.
-       بث الأخبار المختلفة والأباطيل والدسائس الكاذبة حتى تصبح كأنها حقائق لتحويل عقول الجماهير وطمس الحقائق أمامهم.
-       دعوة الشباب والشابات إلى الانغماس في الرذيلة وتوفير أسبابها لهم، وإباحة الاتصال بالمحرّمات وتوهين العلاقات الزوجية وتحطيم الرباط الأسري.
-       السيطرة على المنظمات الدولية بترؤسها مِن قِبَلِ أحد الماسونيين كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ومنظمات الأرصاد الدولية، ومنظمات الطلبة والشباب والشابات في العالم.
درجات ومراتب الماسونيّة
أ. العُمْي الصغار: والمقصود بهم المبتدئون من الماسونيين.
ب. الماسونية الملوكيّة: وهذه لا ينالها إلا مَنْ تَنَكَّرَ كلياً لدينه ووطنه وأُمتّه وتجرَّد لليهودية. ومن هذه الدرجة يقع الترشيح للدرجة الثالثة والثلاثين كتشرشل وبلفور.
ج. الماسونية الكونية: وهي قِمّةُ الطبقات، وكل أفرادها يهود، وهم فوق الأباطرة والملوك والرؤساء لأنهم يتحكَّمون فيهم، وكل زعماء الصهيونية من الماسونية الكونية كهرتزل، وهم الذين يخططون للعالم لصالح اليهود.
-       يتم قبول العضو الجديد في جوٍّ مُرعبٍ مُخيفٍ وغريبٍ حيث يُقادُ إلى الرئيس معصوب العينين وما أن يؤدي يمين حفظ السر ويفتح عينيه حتى يُفاجأ بسيوفٍ مسلولةٍ حول عنقه وبين يديه كتاب العهد القديم، ومن حوله غرفة شبه مُظلمةٍ فيها جماجم بشرية وأدوات هندسية مصنوعة من خشب ... وكل ذلك لبث المهابة والرهبة في نفس العضو الجديد.
-       والماسونية وراء عدد من الويلات التي أصابت الأمة الإسلامية ووراء جل الثورات التي وقعت في العالم فكانوا وراء إلغاء الخلافة الإسلامية وعزل السلطان عبد الحميد، كما كانوا وراء الثورة الفرنسية والبلشفية والبريطانية.
-       لهم كثيرٌ من النشرات السرية وأقدم كتبهم كتاب (القوانين) تأليف د. جميس اندرسون اليهودي، طُبِعَ سنة 1723م وكتاب (الوصايا القديمة) سنة 1734م نسخها داود كاسلي.
الجذور الفكرية والعقائدية: جذور الماسونية يهوديةٌ صرفةٌ من الناحية الفكرية ومن حيث الأهداف والوسائل وفلسفة التفكير، وهي بضاعة يهودية أولاً وآخراً.
الانتشار وأبرز مواقع النفوذ الماسونية في العالم
لم يعرف التاريخ منظمة سرية أقوى نفوذاً من الماسونية فهي:
-       لها نفوذ واسع في العالم من خلال الزعماء الذين اصطادتهم فأصبحوا كالدُّمى في يدها خوفاً على أنفسهم وعلى كراسيهم.
-       لها محافل في كل العالم تقريباً حيث تستقطب هذه المحافل الشخصياتٍ في كل بلدٍ لضمان سيطرتها عليها.
-       تسيطر على أغلبية الجمعيات والمنظمات الدولية ومنظمات الشباب لتضمن سير العامل كما تريد ولتضمن أن يكون القرار دائماً بيدها.
-       تسطير على معظم وسائل الإعلام ودور النشر والصحافة في العالم.
-       بيدها أكثر موارد الاقتصاد ووسائل الإنتاج في العالم.
-       لهم عصابات إرهابية لتنفيذ العمليات الإجرامية للتخلص من كل من يقف في طريقهم عن قصد أو عن غير قصد.
ثانياً: العلمانيــــة
العلمانية بالإنجليزية (SECULARISM) وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين، وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاحٌ لا صِلةَ له بكلمة العِلم (SCIENCE) والمذهب العلمي (SCIENTISM).
التأسيس وأبرز الشخصيات: نشأت هذه الدعوة في أوروبا وعَمّتْ أقطار العالم بتأثير الاستعمار والتبشير والشيوعية. وقد أَدّت ظروفٌ كثيرةٌ قبل الثورة الفرنسية سنة 1789م وبعدها إلى انتشارها الواسع وتبلور منهجها وأفكارها.
أدّى وقوف الكنيسةُ ضدَّ العلم وهيمنتها على الفكر وتشكيلها لمحاكم التفتيش واتهامها للعلماء بالهرطقة إلى ظهور الدعاة الذين دعوا لفصل الدين عن الحياة والدولة ومن هؤلاء:
-       كوبرنيكوس: نشر سنة 1543م كتاب (حركات الأجرام السماوية) وقد حرمت الكنيسة هذا الكتاب.
-       جردانو: صنع التلسكوب فَعُذّبَ عذاباً شديداً وعمره سبعون سنة وتوفي سنة 1642م.
-       ديكارت: أخذ يدعو إلى تطبيق المنهج العقلي في الفكر والحياة.
-       بيكون: ظهر بمبدئه التجريبي وأراد تطبيقه على كل شيء.
-       سبينوزا: صاحب مدرسة النقد التاريخي وقد كان مصيره الحرق.
-       جون لوك: طالب بإخضاع الوحي للعقل عند التعارض.
ظَهَرَ مبدأ (العقل والطبيعة): فقد أخذ العلمانيون يدعون إلى تحرر العقل وإضفاء صفات الإله على الطبيعة.
نتيجةً للصراع بين الكنيسة من جهة وبين العلماء والمجدّدين من جهة كانت ولادة الحكومة الفرنسية سنة 1789م وهي أولُّ حكومةٍ لا دينية تحكم باسم الشعب وهناك مَنْ يرى أن الماسونيين استغلوا أخطاء الكنيسة والحكومة الفرنسية وركبوا موجةَ الثورة لتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهدافهم.
ساهمت بعض الشخصيّات اليهودية في الدعوة إلى العلمانية، ومن هؤلاء:
1. دور كايم (اليهودي): الذي جمع بين حيوانية الإنسان وماديّته بنظرية العقل الجمعي.
2. فرويد (اليهودي): الذي اعتمد الدافع الجنسي مفسّراً لكل الظواهر. والإنسان في نظره حيوان جنسي.
3. كارل ماركس (اليهودي) صاحب التفسير المادي للتاريخ والذي يؤمن بالتطور الحتمي وهو داعية الشيوعية ومؤسسها الأول والذي اعتبر الدين أفيون الشعوب.
أبرز الأفكار والمعتقدات العلمانية
-       بعض العلمانيين ينكرون وجود الله أصلاً، وبعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون بعدم وجود أية علاقة بين الله وبين حياة الإنسان. وتقوم الحياة عندهم على أساس العلم المطلق وتحت سلطان العقل والتجريب.
-       فصل الدين عن السياسة وإقامة الحياة على أساس مادي.
-       تطبيق مبدأ النفعية على كل شيء في الحياة.
-       اعتماد مبدأ (الميكيافيلية) في فلسفة الحكم والسياسة والأخلاق.
-       نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية وتهديم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية.
-       أما معتقدات العلمانية في العالم الإسلامي والعربي التي انتشرت بسبب الاستعمار والتبشير فهي:
-       الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة.
-       الزعم بأن الإسلام استنفذ أغراضه وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية.
-       الزعم بأن الفقه الإسلامي مأخوذ عن القانون الروماني.
-       الزعم بأنّ الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة وأنّه يدعو إلى التخلف والرجعيّة.
-       الدعوة إلى تحرير المرأة وفق الأسلوب الغربي.
-       تشويه الحضارة الإسلامية وتضخيم حجم الحركات الهدامة في التاريخ الإسلامي والزعم بأنها حركات إصلاحيّة!!
-       اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية عن الغرب ومحاكاته فيها.
-       تربية الأجيال تربية لا دينية.
الجذور الفكرية والعقائدية للعلمانيّة
-       العداء المطلق للكنيسة أولاً، وللدين ثانياً أياً كان، سواء وقف إلى جانب العلم أم عاداه.
-       لليهود دور بارز في ترسيخ العلمانية من أجل السيطرة، وذلك من أجل إزالة الحاجز الديني الذي يقف أمام اليهود حائلاً بينهم وبين السيطرة على أمم الأرض، عن طريق إفسادها.
-       يقول آلفرد هوايت هيو: "مام من مسألة ناقض العلم فيها الدين إلا وكان الصواب بجانب العلم والخطأ حليف الدين".
-       تعميم نظرية (العداء بين العلم والدين) لتشمل الدين الإسلامي على الرغم من أن الدين الإسلامي لم يقف ضدَّ الحياة والعلم يوماً كما فعلت الكنيسة بل كان الإسلام سباقاً إلى تطبيق المنهج التجريبي ونشر العلوم.
-       إنكار الآخرة وعدم العمل لها واليقين بأن الحياة الدنيا هي المجال الوحيد للمتع والملذات.
الانتشار ومواقع النفوذ
بدأت "العلمانية" في أوروبا وصار لها وجود سياسي مع ميلاد الثورة الفرنسية سنة 1789م وقد عمت أوروبا في القرن التاسع عشر وانتقلت لتشمل معظم دول العالم في السياسة والحكم في القرن العشرين بتأثير الاستعمار والتبشير.

ثالثاً: الرأسماليـــة
الرأسمالية نظام إقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية يقوم على أساس تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها، متوسعاً في مفهوم الحرية. ولقد ذاق العالم بسببه ويلاتٍ كثيرةً، وما تزال الرأسمالية تمارس ضغوطها وتدخلها السياسي والاجتماعي والثقافي وترمي بثقلها على مختلف شعوب الأرض.
التأسيس وأبرز الشخصيات
-       كانت أوروبا محكومةً بنظام الإمبراطورية الرومانية التي ورثها النظام الإقطاعي ثمَّ ظهرت ما بين القرن الرابع عشر والسادس عشر الطبقة البورجوازية تاليةً لمرحلة الإقطاع ومُتَداخلةً معها. وقد تلت مرحلةَ البورجوازية مرحلةُ الرأسمالية وذلك منذ بداية القرن السادس عشر ولكن بشكل متدرج. فلقد ظهرت أولاً الدعوة إلى الحرية وكذلك الدعوة إلى إنشاء القوميات اللادينية والدعوة إلى تقليص ظل البابا الروحي. ثُمَّ ظهر المذهب الحر (الطبيعي) في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في فرنسا وكان من أشهر دُعاته إثنان هما:
1. فرانسوا كيزني (1694 – 1778م) الذي ولد في فرساي بفرنسا، وعمل طبيباً في بلاط لويس الخامس عشر، لكنه اهتم بالاقتصاد وأَسَّسَ المذهب الطبيعي، ونَشَرَ في سنة (1758م) (الجدول الاقتصادي) وشَبَّهَ فيه تداول المال داخل الجماعة بالدورة الدموية، وقد قِيلَ حينذاك عن هذا الجدول بأنه: "يوجد في العالم ثلاثة اختراعات عظيمة هي الكتابة والنقود والجدول الاقتصادي".
2. جون لوك (1632 – 1704م) الذي صاغَ النظريةَ الطبيعيَة الحُرَّةَ؛ حيث يقول عن الملكية الفردية: "وهذه الملكية حقٌ من حقوق الطبيعة وغريزةٌ تنشأ مع نشأة الإنسان، فليس لأحدٍ أن يُعارض هذه الغريزة".
-       ظهر بعد ذلك المذهب الكلاسيكي الذي تبلورت أفكاره على أيدي عدد من المفكرين الذين من أبرزهم:
1. آدم سميث وهو أشهر الكلاسيكيين على الإطلاق، الذي وُلِدَ في مدينة كيركالدي في اسكوتلنده، ودرسَ الفلسفة، وكان أستاذاً لعلم المنطق في جامعة جلاسكو، سافر إلى فرنسا سنة (1766م) والتقى هناك أصحاب المذهب الحُرّ. وفي سنة (1776م) أصدر كتابه (بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم) هذا الكتاب الذي قال عنه أحد النُقَّادِ وهو (أدمون برك): "إنه أعظمُ مَؤَلَّفٍ خَطَّهُ قلم إنسان".
2. جون استيوارت مل والذي يُعَدُّ حلقة اتصال بين المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي وهو صاحب كتاب (مبادئ الاقتصاد السياسي).
3. اللورد كينز صاحب النظرية التي عرفت باسمه والتي تدور حول البطالة والتشغيل والتي تجاوزت غيرها من النظريات إذ يرجع إليه الفضل في تحقيق التشغيل الكامل للقوة العاملة في المجتمع الرأسمالي، وقد ذكر نظريته هذه ضمن كتابة (النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود) الذي نشره سنة 1936م.
4. ديفيد هيوم (1711 – 1776م) صاحب نظرية النفعية (البراجماتيّة) التي وضعها بشكلٍ متكاملٍ والتي تقول بأن "الملكية الخاصة تقليد اتبعه الناس وينبغي عليهم أن يتبعوه لأنَّ في ذلك منفعتهم".
5. أدمون بِرك: وكان من المدافعين عن الملكية على أساس النظرية التاريخية أو نظرية تقادم الملكية.
أبرز الأفكار والمعتقدات السائدة في النظام الرأسمالي
تقوم الرأسمالية على أسس متعدّدةٍ، ومن أبرزها ما يلي:
1. البحث عن الربح بشتّى الطرق والأساليب إلا ما تمنعه الدولة لضرر عام كالمخدرات.
2. تقديس الملكية الفردية وذلك بفتح الطريق لأن يستغلَّ كلُ إنسان قدراته في زيادة ثروته وحمايتها وعدم الاعتداء عليها وتوفير القوانين اللازمة لنموِّها وازديادها وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية إلا بالقدر الذي يتطلبه النظام العام وتوطيد الأمن.
3. المنافسة والمزاحمة في الأسواق
4. اعتماد نظام حرية الأسعار وإطلاق هذه الحرية وفق متطلبات العرض والطلب، واعتماد قانون السعر المنخفض في سبيل ترويج البضاعة وبيعها.
أشــكــال رأسمالــيـــة
-       الرأسمالية التجارية، التي ظهرت في القرن السادس عشر إثر إزالة الإقطاع، إذا أخذ التاجر يقوم بنقل المنتَجَات من مكانٍ إلى آخر حسب طلب السوق فكان بذلك وسيطاً بين المنتجِ والمستهلك.
-       الرأسمالية الصناعية، التي ساعد على ظهورها تقدمُ الصناعة وظهور الآلة البخارية التي اخترعها جيمس وات سنة 1770م والمغزل الآلي سنة 1785م ممّا أدى إلى قيام الثورة الصناعية في إنجلترا أولاً وفي أوروبا عامّةً إبان القرن التاسع عشر. وهذه الرأسمالية الصناعية تقوم على أساس الفصل بين رأس المال وبين العامل، أي بين الإنسان وبين الآلة.
-       نظام الكارتل، والذي يعني اتفاق الشركات الكبيرة على اقتسام السوق العالمية فيما بينها مما يعطيها فرصة احتكار هذه الأسواق وابتزاز الأهالي بحرّيةٍ تامّةٍ.
-       نظام الترست، والذي يعني تكوين شركة من الشركات المتنافسة لتكون أقدر في الإنتاج وأقوى في التحكم والسيطرة على السوق.
أبرز مضامين المذهب الطبيعي الذي هو أساس الرأسمالية
1. الدّعوة إلى عدم تدخُّلِ الدولة في الحياة الاقتصادية وأن تقصر مهمتها على حماية الأفراد والأموال والمحافظة على الأمن والدفاع عن البلاد.
2. الحرية الاقتصادية لكل فرد؛ حيث إنّ له الحق في ممارسة واختيار العمل الذي يلائمه وقد عبروا عن ذلك بالمبدأ المشهور: "دعه يعمل دعه يمر".
3. أدّى إيمان الرأسمالية بالحرية الواسعة إلى فوضى في الاعتقاد وفي السلوك مما تولدت عنه هذه الصرعات الغربية التي تجتاح العالم مُعبرةً عن الضياع الفكري والخواء الروحي.
-       كان من أهم آراء آدم سميث أن نموَّ الحياة الاقتصادية وتقدّمها وازدهارها إنما يتوقف على الحرية الاقتصادية. وتتمثل هذه الحرية في نظره فيما يلي:
-       الحرية الفردية التي تتيح للإنسان حرية اختيار عمله الذي يتفق مع استعداداته ويحقق له الدخل المطلوب.
-       الحرية التجارية التي يتم فيها الإنتاج والتداول والتوزيع في جوٍ من المنافسة الحرة.
ملاحظة هامّة: يرى الرأسماليون أن الحرية ضرورية للفرد من أجل تحقيق التوافق بينه وبين المجتمع، ولأنها قوةٌ دافعة للإنتاج، لكونها حقاً إنسانياً يُعَبِّرُ عن الكرامة البشرية.


أبرز العيوب والمساوئ والنتائج التي رافقت الرأسمالية
-       الرأسمالية نظام وضعي يقف على قدم المساواة مع الشيوعية وغيرها من النظم التي وضعها البشر بعيداً عن منهج الله الذي ارتضاه لعباده ولخلقه من بني الإنسان.
-       الأنانية: حيث يتحكَّمُ فردٌ أو أفراد قلائل بالأسواق تحقيقاً لمصالحهم الذاتية دون تقديرٍ لحاجة المجتمع أو احترامٍ للمصلحة العامة.
-       الاحتكار: إذا يقوم الشخص الرأسمالي باحتكار البضائع وتخزينها حتى إذا ما فُقدت الأسواق نَزلَ بها ليبيعها بسعرٍ مُضَاعفٍ يبتزُّ فيه المستهلكين الضعفاء.
-       لقد تطرفت الرأسمالية في تضخيم شأن الملكية الفردية كما تطرفت الشيوعية في إلغاء هذه الملكية.
-       المزاحمة والمنافسة، حيث إنَّ بنية الرأسمالية تجعل الحياة ميدان سباق مسعورٍ إذ يتنافس الجميع في سبيل إحراز الغلبة، وتتحول الحياة عندها إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف، وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى إفلاس المصانع والشركات بين عشيةٍ وضُحاها.
-       ابتزاز الأيدي العاملة؛ ذلك أن الرأسمالية تجعل الأيدي العاملة سلعةً خاضعةً لمفهومَيْ العرض والطلب مما يجعل العامل مُعرَّضاً في كل لحظة لأن يُستبدَل به غيره ممن يأخذ أجراً أقل أو يؤدي عملاً أكثر أو خدمةً أفضل.
-       البطالة ظاهرةٌ مألوفةٌ في المجتمع الرأسمالي، وتكون شديدة البروز إذا كان الإنتاج أكثرَ من الاستهلاك مما يدفع صاحبَ العمل إلى الاستغناء عن الزيادة في هذه الأيدي العاملة التي تثقل كاهله.
-       الحياة المحمومة نتيجةٌ للصراع القائم بين طبقتين إحداهما مُبتزةٌ يهمها جمع المال في كل السبل وأخرى مَحرومةٌ تبحث عن المقومات الأساسية لحياتها، دون أن يشملها شيء من التراحم والتعاطف المتبادل.
-       الاستعمار: ذلك أن الرأسمالية بدافع البحث عن المواد الأولية، وبدافع البحث عن أسواقٍ جديدةٍ لتسويق المنتجات تدخل غمار استعمار الشعوب والأمم استعماراً اقتصادياً وفكرياً وسياسياً وثقافياً هذا فضلاً عن استرقاق الشعوب وتسخير الأيدي العاملة فيها لمصلحتها.
-       الحروب والتدمير: فلقد شهدت البشرية ألواناً عجيبةً من القتل والتدمير تلك نتيجةٌ طبيعيةٌ للاستعمار الذي أنزل بأمم الأرض أفظع الأهوال وأشرسها.
-       الرأسماليون يعتمدون على مبدأ الديمقراطية في السياسة والحكم، وكثيراً ما تجنح الديمقراطية مع الأهواء بعيداً عن الحق والعدل والصواب.
-       إن النظام الرأسمالي يقوم على أساسٍ ربويٍّ، ومعروف بأن الربا هو جوهر العلل التي يعاني منها العالم أجمع.
-       تنظر الرأسمالية إلى الإنسان على أنه كائن ماديٌّ، وتتعامل معه بعيداً عن ميوله الروحية والأخلاقية، داعيةً إلى الفصل بين الاقتصاد وبين الأخلاق.
-       تعمد الدول الرأسمالية إلى حرق البضائع الفائضة، أو تقذفها في البحر خوفاً من أن تتدنى الأسعار لكثرة العرض، وبينما هي تُقدمُ على هذا الأمر تكون كثير من الشعوب في حالة شكوى من المجاعات التي تجتاحها.
رابعاً: الــوجــوديــة
تيار فلسفي يُعلي من قيمة الإنسان ويؤكد على تفرُّده، وأنه صاحبُ تفكيرٍ وحريةٍ وإرادةٍ واختيارٍ ولا يحتاج إلى مُوَجِّه. وهو جملةٌ من الاتجاهات والأفكار المتباينة، وليس نظرية فلسفية واضحة المعالم، ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين المذاهب والأفكار والتيارات الفكريّة.
التأسيس وأبرز الشخصيات
-       يرى رجال الفكر الغربي أن "سورين كير كجورد" هو مُؤَسِّسُ المدرسة الوجودية. ومن أبرز مؤلفاته (رهبة واضطراب).
-       أشهر زعمائها المعاصرين: جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي المولود سنة 1905م وهو مُلحدٌ ويناصر الصهيونية له عدة كتب: (الوجودية مذهب إنساني)، (الوجود والعدم)، ومنهم كذلك القس جبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والنصرانية.
أبرز الأفكار والمعتقدات والآراء الوجوديّة
-       يكفر الوجوديّون بالله ورسله وكتبه وبكُلّ الغيبيات وكلِّ ما جاءت به الأديان ويعتبرونها عوائق أمام الإنسان في سيره نحو المستقبل. وقد اتخذوا الإلحاد مبدأً لهم.
-       يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة.
-       يعتقدون بأنَّ الإنسان أقدمُ شيءٍ في الوجود وأنّ ما قبله كان عدماً وأنّ وجود الإنسان سابق لماهيته.
-       يعتقدون بأن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإنسان.
-       يقولون بحرية الإنسان المُطلَقة، وأنَّ له أن يُثبتَ وجوده كما يشاء وبأيِّ وجهٍ يريد دون أن يُقيده شيء.
-       يقولون: إن على الإنسان أن يطرح الماضي ويُنكَر كلَّ القيود دينيةً كانت أو اجتماعية أو فلسفيةً أو منطقيةً.
-       يقول المؤمنون منهم إن الدين محله الضمير أما الحياة بما فيها فمقودة لإرادة الشخص المطلقة.
-       لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجِّهُ سلوك الناس وتضبطه إنما يفعلُ كلَّ إنسانِ ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.
-       الوجوديُّ الحق عندهم هو الذي لا يقبل توجيهاً من الخارج إنما يُسَيِّرُ نفسه بنفسه ويلبي نداء شهواته وغرائزه دون قيود ولا حدود.
-       للوجوديّة الآن مدرستان واحدة مؤمنة والأخرى ملحدة وهي التي بيدها القيادة وهي المقصودة بمفهوم الوجودية المتداولة على الألسنة فالوجودية إذاً قائمة على الإلحاد.
-       تمثل الوجودية اليوم واجهة من واجهات الصهيونية الكثيرة التي تعمل من خلالها وذلك بما تثبه من هدمٍ للقيم والعقائد والأديان.
الانتشار ومواقع النفوذ الوجوديّة
-       ظهرت الوجوديّة في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ثم انتشرت في فرنسا وإيطاليا وغيرهما وقد اتخذت من بشاعة الحروب وخطورتها على الإنسان مبرراً للانتشار السريع.
-       انتشرت أفكارهم المنحرفة المتحللة بين المراهقين والمراهقات في فرنسا وألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وأمريكا وغيرهما حيث أَدَّتْ إلى الفوضى الخُلُقية والإباحية الجنسية واللامبالاة بالأعراف الاجتماعية والأديان.
خامساً: الـشـيـوعـيـة
هي مذهب فكري يقوم على الإلحاد وأنَّ المادّة هي أساس كلِّ شيءٍ ويفسر التاريخ بصراع الطبقات وبالعامل الاقتصادي. ظهرت في ألمانيا على يد كارل ماركس وفريدرك انجلز، وتجسّدت في الثورة البلشيفية التي ظهرت في روسيا سنة 1917م بتخطيط من اليهود، وتوسّعت على حساب غيرها بالحديد والنار. وقد تضرر المسلمون منها كثيراً، وهناك شعوب مُحِيَتْ بسببها من التاريخ.
التأسيس وأبرز الشخصيّات الشيوعيّة
أ. وُضِعَتْ أسُسها الفكرية النظرية على يد كارل ماركس اليهودي الألماني (1818 – 1883م) وهو حفيد الحاخام اليهودي المعروف (مردخاي ماركس). ولكارل ماركس كتابان شهيران هما:
1. البيان الشيوعي                      2. رأس المال
ب. ساعد ماركسَ في التنظير للمذهب صديقهُ الحميم فردريك انجلز (1820 – 1895م) كما أنَّه ظلَّ ينفقُ على ماركس وعائلته حتى مات، وكان من أبرز مؤلفاته الكتب التالية:
1. أصل الأسرة.                        2. الإشتراكية الخرافية والإشتراكية العلمية.
ج. لينين: واسمه الحقيقي فلاديمير أليتش بوليانوف، وهو قائد الثورة البلشفية الدامية في روسيا (1917م) ودكتاتورها المرهوب، كان قاسي القلب، مُستبدَّاً برأيه ولد سنة 1870م، ومات سنة 1924م. ولينين هو الذي وضع الشيوعية موضع التنفيذ وله كُتبٌ كثيرة وخُطَبٌ ونشراتٌ أهمها ما جُمع في ما يسمَّى (مجموعة المؤلفات الكبرى).
د. ستالين: واسمه الحقيقي جوزيف فاديونوفتش زوجا شفلى (1879 – 1954م) وهو سكرتير الحزب الشيوعي ورئيسه بعد لينين. اشتهر بالقسوة والجبروت والطغيان والدكتاتورية وشدّة الإصرار على رأيه وكان يعتمد في تصفية خصومه على القتل والنفي. كما أثبتت تصرفاته أنه مستعد للتضحية بالشعب كُلِّه في سبيل شخصه.
هـ. تروتسكي: ولد سنة 1879م واغتيل سنة 1940م بتدبيرٍ من ستالين، وهو يهودي واسمه الحقيقي بروشتاين. كانت له مكانةٌ هامةٌ في الحزب الشيوعي وقد تولّى الشؤون الخارجية بعد الثورة ثم أسندت إليه شؤون الحرب ... ثم فُصِلَ من الحزب بتهمة العمل ضد مصلحة الحزب ليخلو الجو لستالين الذي دَبَّرَ له عملية اغتيال للخلاص منه نهائياً.
أبرز الأفكار والمعتقدات الشيوعية
-       إنكار وجود الله تعالى وكُلِّ الغيبيات والقول بأنّ المادة هي أساس كل شيء وشعارهم: نؤمن بثلاثة: ماركس ولينين وستالين، ونكفر بثلاثة: الله، الدين، المُلكية الخاصة.
-       فسَّروا تاريخ البشرية بالصراع بين البورجوازية والبروليتاريا (الطبقة العاملة) وينتهي هذا الصراع حسب زعمهم بدكتاتورية البروليتاريا.
-       يحاربون الأديان ويعتبرونها وسيلةً لتخدير الشعوب وخادماً للرأسمالية الإمبريالية والاستغلال، مُستثنين من ذلك اليهودية لأن اليهود شعب مظلوم يحتاج إلى دينه ليستعيد حقوقه المغتصبة!!.
-       يحاربون الملكية الفردية ويقولون بشيوعية الأموال وإلغاء الوراثة.
-       إنّ كلّ تغييرٍ في العالم في نظرهم إنما هو نتيجة حتمية لتغير وسائل الإنتاج وإن الفكر والحضارة والثقافة هي وليدة التطور الاقتصادي.
-       يقولون بأن الأخلاق نسبية وهي انعكاس لآلة الإنتاج.
-       يحكمون الشعوب بالحديد والنار ولا مجال لإعمال الفكر، والغاية عندهم تبرر الوسيلة.
-       يعتقدون بأنه لا آخرة ولا عقاب ولا ثواب في غير هذه الحياة الدنيا.
-       يؤمنون بأزلية المادة وأنَّ العوامل الإقتصادية هي المحرَّكُ الأول للأفراد والجماعات.
-       يقولون بدكتاتورية الطبقة العاملة ويبشرون بالحكومة العالمية.
-       تؤمن الشيوعية بالصراع والعنف وتسعى لإثارة الحقد والضغينة بين العمال وغيرهم.
-       الدولة هي الحزب والحزب هو الدولة.
-       كان المكتب السياسيّ الأول للثورة البلشفية يتكون من سبعة أشخاص كلهم من اليهود إلا واحداً وهذا يعكس مدى الارتباط بين الشيوعية واليهودية.
-       يزعمون بأن القرآن الكريم وضع خلال حكم عثمان ـ رضي الله عنه ـ ثم طرأت عليه عدة تغييرات حتى القرن الثامن ويصفونه بأنه سلاحٌ لتخدير الشعوب.
-       تنكر الماركسية الروابط الأسرية وترى فيها دعامة للمجتمع البرجوازي وبالتالي لابد من أن تحلُّ محلّها الفوضى الجنسية.
-       لا يحجمون عن أي عمل مهما كانت بشاعته في سبيل غايتهم وهي أن يصبح العالم شيوعياً تحت سيطرتهم قال لينين: (إنَّ هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيءٍ إنّما الشيء الهام هو أن يُصبَح الربع الباقي شيوعياً). وقد طبّقوا هذه القاعدة في روسيا أيام الثورة وبعدها وكذلك في الصين وغيرها حيث أبيدت ملايين من البشر ....
-       يهدمون المساجد ويحولونها إلى دور ترفيهٍ ومراكز للحزب، ويمنعون المسلم من إظهار شعائر دينه، أما اقتناء المصحف فكان جريمةً كبرى يُعاقَبُ عليها بالسجن لمدة سنة كاملة.
-       لقد كان توسعهم على حساب المسلمين فكان أن احتلوا بلادهم وأفنوا شعوبهم وسرقوا ثرواتهم واعتدوا على حرمة دينهم ومقدساتهم.
-       يعتمدون على الغدر والخيانة والاغتيالات لإزاحة الخصوم ولو كانوا من أعضاء الحزب.
الجذور الفكرية والعقائدية للشيوعيّة
-       لم تستطع الشيوعية إخفاء تواطئها مع اليهود وعملها لتحقيق أهدافهم فقد صدر منذ الأسبوع الأول للثورة البلشفيّة الشيوعية قرار ذو شقين بحقِّ اليهودي:
أ. يعتبر عداءُ اليهود عداءً للجنس السامي يُعاقِبُ عليه القانون.
ب. الاعتراف بحق اليهود في إنشاء وطن قومي في فلسطين.
-       صرّحَ ماركس بأنه اتصل بفيلسوف الصهيونية وواضع أساسها النظري وهو (موشيه هيس) أستاذ هرتزل الزعيم الصهيوني الشهير.
-       جدُّ ماركس هو الحاخام اليهودي المشهور في الأوساط اليهودية (مردخاي ماركس).
سادساً: الـبـراجـمـاتـيـة
أولُ مَنْ صاغ هذا اللفظ الأمريكي شارلز بيرس، وهو اسم مُشتقٌّ من اللفظ اليوناني براجما ومعناه "العمل" فهذا اللفظ يعني عمليّ أو صالح لغرض معين أو يؤدّي إلى غرض مطلوب.
ثم أخذ اللفظ الامريكي وليم جيمس، وفصله في نظام فلسفي، وقد نشأت البراجماتية في أمريكا، لكنها هوجمت فيها، إذ لم يفرغ وليم جميس طول حياته من الرد على مخالفيه.
البراجماتية: طريقةٌ في الفلسفة تحاول تفسير كل فكرةٍ بتتبع واقتفاء أثر نتائجها العملية. وهي تحاول فك جمود النظريات وتتناول أي شيء بالمنطق والحواس والخبرات. والبراجماتية اتجاه لتحويل النظر بعيداً عن الأشياء الأولية وتوجيه النظر نحو الأشياء الأخيرة من ثمراتٍ ونتائج وآثار.
إنّ المهم في البراجماتية هو النتيجة والفائدة، فهي حسب رأيهم ميزان صحة المبادئ وجدواها، ولهذا فإنها تُخضِعُ كلَّ شيء لهذا الميزان، فما ثبتت فائدته فهو صحيحٌ وحقٌّ وإلا فلا.
والبراجماتية تقرُّ الأفكار اللاهوتية "الكنسية" التي لها صلة بالحقائق الأخرى، ومع أن البراجماتية لا تتبنى أفكاراً مُحدّدةً ولا تُناصر مذهباً معيناً إلا إنها كان لها رأيٌ في الفلسفات الأخرى؛ فهي ترى أن المذهب التجريبي عبارة عن مزاج حاكم مُتَسلِّطٍ، بينما المذهب العقلي مزاج مُستسلم بكل إخلاص، وتشارك المذاهب النفعي في التأكيد على النواحي العلمية. وهي تحتقر الحلول الكلامية والأسئلة عديمة الجدوى.
يعتمد المذهب التجريبي الحواس في إثباته للمعرفة، فكل ما تثبته الحواس فهو موجود وحقيقي، وما لم تثبته الحواس فهو غير موجود ولا صلة له بالحقيقة.
بإمكان الدارس للبراجماتية أن يلاحظ تأثّرها بالبيئة الأمريكية ويظهر هذا التأثُّرُ فيما يلي:
أ. العناية بالتطبيق: فالأمريكي لا يعنيه إلا ما له تطبيقٌ فلا يخوض فيما لا طائل تحته، بعكس الفلسفة اليونانية وفلسفات التأمل والخيال.
ب. المجازفة في ميدان الأفكار والآراء: فالأمريكي مُجازِفٌ في كلِّ شيء سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فجاءت البراجماتيةُ لتَعَبِّرَ عن المجازفة في عالم الفكر والرأي، فهي تضعُ جميع الأفكار والمبادئ (مهما كانت مقدَّسةً وتعارف الناسُ على أنها صحيحة)، في ميزانها الجديد، ميزان المنفعة والجدوى، وبهذا جازفت فكرياً إذا أسقطت كثيراً من الحقائق.
ج. العناية بالنجاح والمنفعة: وهي صفة يُغرَمُ بها الأمريكي خاصّةً، فكلُّ ما يعنيه هو النجاح بغض النظر عن الطريقة.
د. إنَّ أبرز دعاة البراجماتية (بيرس / ديوي / جيمس) هم أمريكيون
مؤلفات وليم جيمس
كتب جميس مجموعة من المؤلفات بَثَّ فيها الطريقة البراجماتية شرحاً لها ودفاعاً عنها ومن هذه المؤلفات:
1. إرادة الإيمان.        2. العقل والدِّين         3. معنى الحقيقة     4. ضروب الخبرة الدينية.
نقد البراجماتية
وقد تعرَّضت البراجماتية بسبب طريقتها إلى مجموعة من الانتقادات، وكان من أبرزها ما يلي:
1. قولها (إنّ الحق يتطوّر) وهذا الأمر لا يجعل شيئاً ثابتاً، وبالتالي فإن الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها لن تستقرَّ بسبب عدم استقرار الحق، ومعلوم لدى كل العقلاء، أنَّ الحقّ هو الحقّ عند جميع الأمم، لا يتغيرُ باختلاف الوطن والدين. فالصدقُ مثلاً حقٌّ لا يختلف فيه إثنان أنه حق، فإذا قلنا إنَّ الصدق يتطور فهذا يعني أن تختلط الأمور ولا نستطيع قياسها.
2. إخضاعها الحقّ لإرادة الإنسان مع أنَّ العكس هو الصحيح، فيجب على إرادة الإنسان أن ترضخ للحق لأن إرادة الإنسان مُتقلّبَةٌ، فمنها القوية ومنها الضعيفة، وبالتالي نعود إلى عدم استقرار الحق وثباته.
3. إن تطبيق طريقة البراجماتية على الدين جعل البراجماتية أفضل من الدين، فالدين يُوزَنُ بميزان البراجماتية، فما استقام معها حقٌّ وإلا فلا، والاجتهاد العقلي في الغيبيات هو عيب كل الفلسفات بما فيها البراجماتية ولهذا نجد تخبُّطَ وليم جيمس إذ يقول (إذا كان الله العليم بكل شيء والقادر على كل شيء فنحن عندئذٍ دُمى) ويقول (الألوهية المتعددة توفق بين نظرية المتدينين ونظرية الماديين)!!!.
4. إنَّ البراجماتية إذ تسخر من "الأخلاق" إنما تجعل المجتمع على حافة الهاوية، فالمجتمع بدون نظام أخلاقي يحكمه، يؤؤل إلى غابةٍ يأكل فيها القوي الضعيف، وبهذا يبتدع كل إنسان الأخلاقَ التي يريد وفقاً لهواه، وليس وفقاً للحق الذي يجب أن تقوم عليه المجتمعات، وبهذا تساهم البراجماتية في أخذ المجتمع نحو الهاوية بسبب فقده للأخلاق.
سابعاً: الـلـيـبـرالـيّـة
الليبراليةُ كلمة غيرُ عربية، وتعني الحرية، وهي مذهبٌ رأسماليٌ ينادي بالحريّة المُطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي.
لليبراليّة تعريفاتٌ كثيرةٌ يجمع بينها وجود عنصرين في كُلٍّ منها، وهُما: الاستقلالية، والتحرر التام من كل أنواع الإكراه الخارجي. سواء كان من دولةٍ أو جماعة أو فردٍ.
وقد وَرَدَ في الموسوعة الفلسفية العربية تحت مادة (الليبرالية) ما يلي: "جوهر الليبرالية التركيز على أهمية الفرد، وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والاستبداد". و"الليبرالي يصبو على نحو خاص إلى التحرر من التسلط بنوعية: تسلط الدولة (الاستبداد السياسي)، وتسلط الجماعة (الاستبداد الاجتماعي) ... ويحسن أن ننبه إلى أن الليبرالية كنظرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع لم تتبلور على يد مفكِّرٍ واحدٍ، بل أسهم عدة مفكرين في إعطاء شكلها الأساسي ومن هؤلاء جون لوك وآدم سميث وجان جاك روسو وجون ستيوارت مل.
نشأة الليبرالية وجذورها
نشأت الليبرالية في التغيرات الاجتماعية التي عصفت بأوروبا منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي، بشكلٍ متدرجٍ وبطيءٍ.
قال منير البعلبكي: "الليبرالية فلسفةٌ سياسيةٌ ظهرت في أوروبا في أوائل القرن التاسع عشر، ثمَّ اتخذتْ منذ ذلك الحين أشكالاً مختلفةً في أزمنة وأماكن مختلفة. والظاهر من تاريخ الليبرالية أنها كانت ردَّ فعلٍ لتسلُّط الكنيسة والإقطاع في العصور الوسطى بأوروبا مما أدى إلى انتفاضة الشعوب، وثورة الجماهير، وبخاصّةٍ الطبقة الوسطى والمناداة بالحرية والإخاء والمساواة، وقد ظهر ذلك في الثورة الفرنسية. وقد تبيَّنَ فيما بعد أنَّ هناك قوى شيطانية خفية حَوَّلت أهداف الثورة وغايتها.
وبهذا يتضح لنا أن الليبرالية في صورتها المعاصرة نشأت مع النهضة الأوروبية ثم تطورت في عصور مختلفة إلى يومنا هذا. ويردُّ بعض الباحثين جذور الليبرالية إلى ديمقراطيِّ أثينا في القرن الخامس قبل المسيح، الفلاسفة الرواقيين في المراحل الأولى من المسيحية، ثم حركة الإصلاح البروتستانتية.
الأطوار التي مرَّتْ بها الليبراليّة
أخذت الليبرالية أطواراً متعددةً بحسب الزمان والمكان وتغيَّرت مفاهيمها في أطوارها المختلفة، وهي تتفق في كلِّ أطوارها على التأكيد على الحرية وإعطاء الفرد حريته وعدم التدخل فيها، ويمكن وبكلِّ وضوحٍ أن نرى أنّها مرّت بمرحلتين هما:
أولاً: الليبرالية الكلاسيكية: يعتبر جوك لوك (1704م) أبرز فلاسفة الليبرالية الكلاسيكية، ونظريته تتعلق بالليبرالية السياسية، وتنطلق نظريته من فكرة العقد الاجتماعي في تصوّره لوجود الدولة، وهذا في حدِّ ذاته هدمٌ لنظرية الحق الإلهي التي تتزعمها الكنيسة. وقد تَمَيَّزَ لوك عن غيره من فلاسفة العقد الاجتماعي بالقول بأنّ السلطة أو الحكومة مُقَيِّدةٌ بقبول الأفراد لها ولذلك يمكن سحب السلطة بسحب الثقة فيها. وهذه الليبرالية الإنجليزيّة هي التي شاعت في البلاد العربية أثناء عملية النقل الأعمى والتقليد لما عند الأوربيين باسم الحضارة ومسايرة الركب العالمي.
وقد أبرز آدم سميث (1790م) الليبرالية الاقتصادية وهي الحرية المطلقة في المال دون تقييد أو تدخل من الدولة. وقد تكونت الديمقراطية والرأسمالية من خلال هذه الليبرالية، فهي روح المذهبين وأساس تكوينها، وهي مستوحاة من شعار الثورة الفرنسية "دعه يعمل" في الحرية الاقتصادية، و"دعه يمر" في الحرية السياسية.
ثانياً: الليبرالية المعاصرة: تعرضت الليبرالية في القرن العشرين لتغييراتٍ هامّةٍ في بعض مفاهيمها؛ فمنذ أواخر القرن التاسع عشر، بدأ العديد من الليبراليين يفكرون في شروط حرية انتهاز الفرص وذهبوا إلى القول بأنّ دور الحكومة ضروريٌ على الأقل من أجل توفير الشروط التي يمكن فيها للأفراد أن يحققوا قدراتهم بوصفهم بشراً.
ويحبذ الليبراليون اليوم التنظيم النشط من قبل الحكومة للاقتصاد من أجل صالح المنفعة العامة. وفي الواقع، فإنهم يؤيدون برامج الحكومة لتوفير ضمان اقتصادي، وللتخفيف من معاناة الإنسان. وهذه البرامج تتضمن: التأمين ضد البطالة، قوانين الحد الأدنى من الأجور، ومعاشات كبار السن، والتأمين الصحي.
ويؤمن الليبراليون المعاصرون بإعطاء الأهمية الأولى لحرية الفرد، غير أنهم يتمسكون بأنَّ على الحكومة أن تُزيل بشكلٍ فَعّالٍ العقبات التي تواجه التمتع بتلك الحرية.
واليوم يطلق على أولئك الذي يؤيدون الأفكار الليبرالية القديمة "المحافظون". ونلاحظ أن أبرز نقطة في التمايز بين الطورين السابقين هو في مدى تدخّل الدول في تنظيم الحريات، ففي الليبرالية الكلاسيكيّة لا تتدخل الدولة في الحريات بل الواجب عليها حمايتها ليحقق الفرد حريته الخاصة بالطريقة التي يريد دون وصايةٍ عليه، أما في الليبرالية المعاصرة فقد تغير ذلك وطلبوا تدخل الدولة لتنظيم الحريات وإزالة العقبات التي تكون سبباً في عدم التمتع بتلك الحريات.
وهذه نقطة جوهرية تؤكد لنا أن الليبرالية اختلفت من عصر إلى عصر، ومن فيلسوفٍ إلى آخر، ومن بلدٍ إلى بلدٍ، وهذا يجعل مفهومها غامضاً كما تقدم.
مجالات الليبرالية
تعددت مجالات الليبرالية بحسب النشاط الإنساني. وذلك أن الليبراليّة مفهوم شمولي يتعلق بإرادة الإنسان وحريته في تحقيق هذه الإرادة فكل نشاط بشري يمكن أن تكون الليبرالية داخلة فيه من هذه الزاوية، وبهذا الاعتبار. وأبرز هذه المجالات شهرة: المجال السياسي، والمجال الاقتصادي.
أولاً: الليبراليّة السياسية:
عرَّفتْ موسوعة لالاند الفلسفية "الليبرالية بأنها مذهبٌ سياسيٌ يرى أنَّ مِن المستحسن أن تُزادَ إلى أبعد حدٍّ ممكن إستقلالية السلطة التشريعية والسلطة القضائية بالنسبة إلى السلطة التنفيذية، وأن يعطي للمواطنين أكبر قدرٍ من الضمانات في مواجهة تعسف الحكم". وقد سبق إيرادنا لتعريف منير البعلبكي لها بأنها فلسفة سياسية ظهرت في أوروبا في أوائل القرن التاسع عشر. تعارض المؤسسات السياسية والدينية التي تحد من الحرية الفردية، وتنادي بأن الإنسان كائن خيّر عقلاني، وتطالب بحقه في التعبير وتكافؤ الفرص والثقافة الواسعة.
وتُعتبرُ الديمقراطية من النظم الليبرالية التي تسعى لإعطاء الفرد حقوقه وهي نوع من التطبيق العلمي للفكر الليبرالي.
وقد أعطتْ الديمقراطيةُ كنظامٍ سياسيٍ جُملةً من الحريات السياسية مثل: حرية الترشيح، وحرية التفكير والتعبير، وحرية الاجتماع، وحرية الاحتجاج، كما أعطت جملة من الضمانات المانعة من الاعتداء على الأفراد وحرياتهم مثل: ضمان الاتهام، وضمان التحقيق، وضمان التنفيذ، وضمان الدفاع. وقد أدت الثورات الليبرالية إلى قيام حكوماتٍ عديدةٍ تستندُ إلى دستورٍ قائمٍ على موافقة المحكومين وقد وضعت مثلُ هذه الحكومات الدستورية العديدَ من لوائح الحقوق التي أعلنت حقوق الأفراد في مجالات الرأي والصحافة والاجتماع والدِّين كذلك حاولت لوائح الحقوق أن توفر ضمانات ضد سوء استعمال السلطة من قبل الشرطة والمحاكم.
ومع ذلك فإن الليبرالية تطالب من الدول الديمقراطية مزيداً من الحريات تطالب بالتخفف من السلطة على الأفراد ليحصل بذلك الفردُ على حرّيته.
ويمكننا أن نلحظ وجود نوعين من الليبراليّة السياسيّة، أولهما هو الليبرالية السياسيّة التقليدية (الكلاسيكيّة)، وثانيهما هو الليبرالية الجديدة (الديمقراطيّة). وقد اختلف الليبراليون الكلاسيكيون مع الديمقراطيين في مَنْ يملك حقَّ التشريع العام، فالديمقراطيون يرون أنَّ الأكثرية هي التي تقرر وتشرَّعَ وتمسك بزمام السلطة. أما الليبراليون التقليديون فقد اهتمّوا بحماية الفرد من الأذى، وأنّ هذه هي مهّمة القانون بدل التشديد على حق الآخرين بسبب الأكثرية ...
ويمكن أن نُطلق على التوجه الجديد (الليبرالية الجديدة) ومبرِّرُ ذلك أنّ عدمَ مسايرة الليبرالية التقليدية للتطور الذي شهده العالم كان السبب في ولادة ليبرالية جديدة تتلاءم وظروف المجتمع الجديد، وهي ليبرالية ما بعد الحرب العالمية الثانية.
والفرق بينهما فيما يتعلق بالسياسة هو: أنَّ دور الدولة في ظلِّ النظرة الجديدة يجبُ أن يكون أكبر، فلها مهّمةٌ أساسيةٌ هي تحديد الإطار القانوني للمؤسّسات التي يدور فيها النشاط الاقتصادي، وقد حدَّد منظِّرو الليبرالية الجديدة دور الدولة الذي يجب أن تقوم به بما يلي:
1. أن تعمل كل جهدها ضد التضخّم والانكماش.
2. أن تحدَّ بشكلٍ معتدلٍ من سلطة الاحتكار وبشكل تتابعي.
3. أن تؤمم فقط الاحتكارات التي لا يمكن للقطاع الخاص.
4. أن تتحمل كافة الخدمات العامة.
5. أن تعطي الفرص والموارد بالتساوي.
6. أن تطبق التخطيط التأثيري من أجل التقليل من المخاطر التي قد تحدث.
7. أن تطبق التخطيط المركزي عندما يقتضي أن يكون هناك عمل تغيير بنائي.
8. أن تتدخل عندما يكون هناك خلل في ميكانيكية السوق.
ثانياً: الليبرالية الاقتصادية: وهي مذهب اقتصادي يرى أن الدولة لا ينبغي لها أن تتولى وظائف صناعية، ولا وظائف تجارية، وأنّهُ لا يحق لها التدخل في العلاقات الاقتصادية التي تقوم بين الأفراد والطبقات أو الأمم.
ويُلاحَظُ أن هذا التعريف ينطبق على الليبرالية الكلاسيكية قبل التحول الكبير الذي طرأ عليها
والليبرالية الاقتصادية وثيقة الصلة بالليبرالية السياسية، ويعتقد الليبراليون أنَّ الحكومة التي تحكم بالحد الأدنى يكون حكمها هو الأفضل ... ويرون أن الاقتصاد ينظّم نفسه بنفسه إذا ما تُرِكَ يعمل بمفرده حراً، ويرون أن تنظيمات الحكومة ليست ضرورية.
وأبرز النظم الاقتصادية الليبرالية هو نظام "الرأسمالية" التي رَتَّبَ أفكارَه عالمُ الاقتصاد الاسكتلندي آدم سميث في كتابة (ثروة الأمم). ويدخل في الحرية التي يطالب بها الليبراليون حرية المال والتجارة، وحرية العمل وحرية التعاقد، وحرية ممارسة أي مهنة أو نشاط اقتصادي آخذاً من الشعار الشهير للثورة الفرنسية "دعه يعمل دعه يمر". والذي يحكم قواعد اللعبة الاقتصادية وقيمها هو سوقُ العرض والطلب دون أي تقييد حكوميٍ أو نقابةٍ عماليةٍ؛ فللعامل الحرية في العمل أو الترك كما لصاحب رأس المال الحرية المطلقة في توظيف العدد الذي يريد بالأُجرة التي يريد.
ولكن سبق أن ذكرنا أن المفهوم الليبرالي تَغَيِّرَ وبرزت الليبرالية الجديدة على السطح بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الأزمات الاقتصادية الخانقة والكساد وذلك لتمركز رأس المال وظهور الاحتكارات الصناعية الضخمة، وأزمة الثورات العمالية مما جعل الحكومات تتدخل لإنعاش الاقتصاد فتغيرت الأيدلوجية الليبرالية إلى القول بأهمية تدخل الحكومة لتنظيم السوق.
ولعلّ أبرزَ تطورٍ جديدٍ في الليبرالية المعاصرة هو "ليبرالية العولمة" ومن دلالتها الفكرية: العودة إلى الليبرالية الكلاسيكية كمفهوم، وذلك أن من أبرز معالم العولمة: التخفيف من التدخل الحكومي في انتقال المال عبر الحدود والأسوار السياسية، وذلك لتحقيق أعلى الأرباح.
لقد  أصبح الاقتصادُ وسيلةً سياسيةً للسيطرة، ونقل الثقافات الحضارية بين الأمم، ولهذا فالأقوى اقتصادياً هو الأقوى سياسياً ولهذا اقتنعت الدولة الغربية بهذه الفلسفة مع مشاهدتها لآثار الرأسمالية على الشعوب الفقيرة، ومن خلال اللعبة الاقتصادية يمكن أن تسقط دول، وتضعف أخرى.
وجذر العولمة الفكري هو انتفاء سيادة الدول على حدودها ومواطنيها فضلاً عن عدم سيطرتها على النظام الاقتصادي الحرّ الذي كان يطالب به الليبراليون الكلاسيكيون.

الأصول الثلاثة لليبرالية هل تتفقُ مع الإسلام
تقومُ الليبراليّة برغم غموض معناها ومفهومها وتعدد مدارسها على أصول ثلاثةٍ هي: الحرية، الفردية، العقلانية.
وهذه الأصول الثلاثة لليبرالية تختلف إلى حد التقاطع ـ في الأعمِّ الأغلب ـ مع قيم المنهج الإسلامي ومبادئه من حيث المفهوم ومن حيث الفضاءات التي تنساب فيها تلك القيم أو الأصول. ولنأخذ مثلاً مفهوم الحرية كأصلٍ من أصول الليبرالية وكقيمةٍ ومبدأٍ من مبادئ الشريعة الإسلامية سنجدُ أنها في الليبرالية تتخذ سماتٍ أهمّها عدم تدخل الدولة أو المجتمع في السلوك الشخصي للفرد إلا بالقدر الذي يحول دون إيقاع الأذى بالآخرين. فمن حقّ الفرد في المجتمع الليرالي أن يكون متفسخاً أخلاقياً غارقاً في المجون؛ ممارساً للدعارة شرط الحصول على ترخيص بها ودفعِ ما عليه من ضرائب عن نشاطه الاقتصادي مهما كان آثما ساقطاً. فليشرَب حتى الثمالة شرط ألاّ يقودَ سيارته وهو في حالة سُكرٍ. له أن يُعبِّرَ عن أفكاره بكل صورة أو شكلٍ يراه هو مناسباً حتى لو كان في ذلك إنتهاكٌ للأديان أو المقدسات أو اتهامٌ للأنبياء ذاتهم بالكذب؛ أو التطاول على الذات الإلهية.
والليبرالية لا تكتفي إزاء هذا النهج من الحريات بالوقوف موقف المحايد ولكنها تقف من ذلك موقف المُشَجِّعِ والداعم لهذا اللون من ألوان حرية الفكر والتعبير؛ لأنَّ فكرة المحرمات أو المقدَّسات في أساسها تتناقض مع الأصول الليبرالية التي تُخضِعُ كل القيم والمبادئ والمعتقدات للنقد والتفنيد، وترفض تماماً أن تكون هناك حقائق مطلقة أو ثوابت قطعية.
إنّ هذا المفهوم الليبرالي للحرية يتناقض تناقضاً تاماً مع أصل وقاعدة من قواعد الشريعة الإسلامية وقيمة راسخة من قيم الإسلام وهي ما يمكن أن نسميه بالرقابة المجتمعية على سلوك الأفراد ما دام هذا السلوك سلوكاً ظاهراً معلناً؛ هذه القاعدة التي يُؤصَّلُها قول الله تبارك وتعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" وقول النبي، صلى الله عليه وسلم ، "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ...".
فالمنهج الإسلامي يعتبر أنَّ السلوك الشخصي للفرد لا بدَّ وأن يتوافق مع قيم المجتمع ومعتقداته وأنَّ مفهوم الإضرار بالآخرين الذي يبررُ التدخل من قبل الدولة والمجتمع في سلوك الفرد يتنافى تماماً مع الأصل الأصيل والركن الركين لليبرالية وهي الحرية في مفهومها الليبرالي بفضائها الواسع الموجَّهِ في اتجاه تفكيك المحرَّمات وزعزعة الثوابت والمقدَّسات.
فالاختلاف بين الإسلام والليبرالية في شأن الحريات هو اختلافٌ مطلقٌ في التصور والمفهوم وكذا الحدود والضوابط؛ فالإسلام جاء لتحرير العقول من قهر الحكام واستبداد رجال الدين ـ باسم الكهنوت ـ والخرافة والموروثات العقائدية الباطلة وتحرير سلوك الفرد من الأهواء والانحرافات واستعباد العادة والشهوة والانحطاطات الغريزية للإنسان تكريماً له وإعلاءً لشأنه على النقيض تماماً من مفهوم الحرية الليبرالية التي تدفعه باتجاه تحرير العقل من المعتقدات؛ والسلوك من المحرمات والضوابط الخلاقية؛ والفكر من المقدسات والثوابت. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق