مراجعة مادة الأديان 2 + مادة الأديان 1


مراجعة عامّة هامّة لمادة الأديان (2)
إعداد الدكتور راجح السباتين / جامعة طيبة / كلية العلوم والآدب بالعلا
اليهودية
سبب تسمية كلٍ من العبرانيين واليهود بهذين الاسمين
لقد اشتهر اليهود عند المؤرخين بأسماء ثلاثة: أمّا الأول فهو اليهود وأمّا الثاني فهو العبرانيون، وأمّا الثالث فهو "الإسرائيليون" أو "بنو إسرائيل". وقد ذكر العلماء في سبب تسميتهم باليهود ما يلي:
1. إن تسمية اليهود مشتقة من قولنا (هادَ يهودُ أي؛ عادَ يعودُ)، ويُقال: هادَ الرجل إذا رجع وتاب، وذلك لأنهم تابوا عن عبادة العجل، وذلك مأخوذ من قوله تعالى: " إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ"، أي رجعنا وتضرّعنا.
2. سميوا يهوداً لأنهم كانوا ينتسبون "ليهوذا" الابن الرابع لسيدنا يعقوب، عليه السلام، ولكن العرب أخذت الكلمة وتداولتها ولفظتها يهودا (بالدال لا بالذال).
3. سمّيوا يهوداً لأنهم كانوا يتهوَّدون أي يتحرّكون عند قراءتهم للتوراة. وهذا هو الراجح في سبب تسميتهم.
سبب تسميتهم بالعبرانيين
كان إبراهيم عليه السلام بما أقدم عليه من حركة الهجرة حين قدم من أعالي العراق إلى فلسطين يُمَثِّلُ مجموعةً من موجات حركة انتقال وارتحال بعض القبائل التي بدأت تنتجع وتنتقل في بادية الشام وسيناء وتُسَمّى باسم (العبرانيين) صفة لهم أو نسبةً إلى عبورهم الصحراء أو لعبورهم نهر الأردن، أو الفرات وخاصّةً حين تكون الحاجة شديدةً إلى حيث يوجد الحيوان والمرعى.
وهذا يثبت أن تسمية اليهود بالعبرانيين تسميةٌ باطلةٌ ألصِقَتْ بهم وذلك لينتسبوا إلى إبراهيم العبرانّي، عليه السلام، هذا الكلام مرفوض وهو تزوير تاريخي ولا علاقة لإبراهيم، عليه السلام، بهؤلاء اليهود، إذا أن بينه وبينهم أربعة آلاف سنة، ولكنَّهم في كتبهم يحاولون إلصاق أنفسهم، به عليه السلام، لكي يُثبتوا أنَّ لهم أصلاً وأنَّ لهم جذوراً.
كان ليعقوب عليه السلام إثنا عشر ابناً، فلماذا انتسب اليهود إلى الابن الرابع بالذات؟
هم ينتسبون إلى يهوذا بالذات لأن سبط يهوذا كانت وظيفته المُلْكُ، فانتسبوا إليه وإلى ملوكهم، لأنه سبطُ الملوك، وقد اشتهر كلٌّ من الأسباط الآخرين بوظائف مختلفةٍ، فعلى سبيل المثال: كان سبط لاوي للكهنوت.
وأما عن سبب تسمية اليهود بالإسرائيليين أو بني إسرائيل، فإسرائيل هو عبد الله يعقوب عليه السلام، وكلمة إسرائيل مركبة من كلمتين هما: إسرا ومعناها عبد، وإيل ومعناها الله، فيكون معنى الكلمة عبد الله.
ملاحظة جانبية هامة:
معلومٌ أن سيدنا إبراهيم عليه السلام أنجب إسحاق وإسماعيل، ولكنَّ اليهود ينكرون أن إسماعيل عليه السلام كان مُستحِقّاً لنفس صفات النبوّة التي اتصف بها إسحاق عليه السلام ويُرجعون ذلك لسببين:
1. لأن أم إسماعيل عليه السلام كانت جاريةً.
2. لأنها لم تكن يهودية.
ذهب كثير من المؤرخين إلى القول بأنَّ الفراعنة الذين كانوا يحكمون مصر التي كان فيها بنو إسرائيل هم من قبائل الهكسوس التي استولَتْ على مصر وحكمتها، وعندما غزا الهكسوسُ مصرَ فإنهم استعانوا ببني إسرائيل ليتقوَّى حكمهم بها، وقد كان هذا سبباً كبيراً في كراهية المصريين لبني إسرائيل، فلما استطاع المصريون الانتصار على الهكسوس واستردوا حكم بلادهم فإنهم قد عمدوا إلى استعباد بني إسرائيل مُعَاقبةً لهم عمَّا فعلوا من نُصرةِ الهكسوس في غزوهم لمصر.
في الخروج من مصر ومخالفتهم لموسى عليه السلام وآثار ذلك عليهم
أمَرَ اللهُ سبحانه وتعالى موسى، عليه السلام بإخراج بني إسرائيل من مصر والاستعباد الذي كانوا فيه في ظل الفراعنة، فقطعوا البحرَ بعد أن فَرَقَهُ الله تعالى بهم واتجهوا باتجاه سيناء حتى يذهبوا إلى الأرض المقدّسة ويسكنوا فيها، ألا وهي فلسطين، وقد ذكر القرآن الكريم هذا في قوله تعالى: "يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ".
حدث بعد ذلك أنَّ موسى، عليه السلام، قد سار بهم ليقطع صحراء سيناء باتجاه فلسطين، وهو في الطريق أبصرَ بعضُ اليهود أناساً يعبدون أصناماً، فطلبوا إلى موسى عليه السلام، أن يصنع لهم إلهاً أو صنماً مثلها، قال تعالى: " وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ".
بدأ بنو إسرائيل بعد ذلك يتذمَّرون ويعصون أوامر موسى عليه السلام، ويحنُّون إلى عبادتهم القديمة للعجل والأصنام، وقد وردَ في سفر الخروج، قولُ بني إسرائيل لموسى وأخيه هارون (ليتنا متنا في مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزاً للشبع، فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تُميتا كل هذا الجمهور بالجوع)، كما ورد في سفر الخروج (لماذا أصعدتَنا من مصر، لتميتنا وأولادنا ومواشينا بالعطش).
ولمَّا انتهت هذه القصة ولامهم موسى، عليه السلام، وعادوا إلى رشدهم وصوابهم وقطعوا مسافةً أخرى من السير في صحراء سيناء حَدَثَتْ قصة "الميقات"؛ إذ أن الله سبحانه وتعالى اختار موسى، عليه السلام، لمناجاته لمدة ثلاثين ليلةً ثم زادت عشراً، فأصبحت أربعين ليلة، والمقصود بقولنا الميقات، أنَّ موسى، عليه السلام، كان يذهب لمناجاة الله سبحانه وتعالى وكان صائماً، وقد خرج وراءه سبعون من خير الناس من بني إسرائيل وأن الله سبحانه وتعالى قد أنزل الألواح على موسى وهو في الميقات .... (وقد اختلف المؤرخون في مضمون الألواح، فمنهم من قال: إنّ الألواح هي التوراة. ومنهم من قال: إنّ الألواح هي تلخيص للتوراة. ومنهم من قال: إنَّ هذه الألواح غير التوراة) ولكنهم متفقون على أن هذه الألواح كانت مكتوبةً على الحجر (أي كانت مكتوبةً على الرقيم)، وقد ترجَّحَ عند بعض العلماء أن موسى عليه السلام، أُنزلت عليه الألواح وأُنزلت عليه التوراة وأُنزلت عليه الصُّحفُ التي أشار الله تعالى إليها في قوله تعالى: "صحف إبراهيم وموسى" ...
والمفجع في الأمر أن موسى عليه السلام، عندما عاد من ميقات الله سبحانه وتعالى هو والرجال السبعون الذين كانوا معه تفاجأ بأن بني إسرائيل قد عادوا لعبادة الأصنام ... وخلاصةُ القصة أنَّ السامري، عليه غضب الله، قد أوهم الناس بأنه أخذ قبضةً من أثر الحصان الذي كان عليه جبريل، عليه السلام، وبعد ذلك خلط مع هذه القبضة من التراب بعض الحُليّ والذهب فَصنَعَ عجلاً من الذهب، وأصبح لهذا العجل خوار. والمقصود بقولنا خوار، أنه كان لديه ثقبان، الأول في المقدمة والثاني في المؤخرة في درجتين غير متساويتين، فكانت الريح إذا هَبَّتْ من ثُقبٍ، خرجت من الآخر، فأخرجت صفيراً كأنه خوار.
فلمّا رأى موسى العجلَ غضب غضباً شديداً وألقى الألواح، وقد ذكر بعض المؤلِّفين أن جزءاً كبيراً من الألواح قد انكسر عندما رماه موسى، عليه السلام، وأخذ يلوم السامري ويؤنبه، فوقع عقابُ الله تعالى على السامريّ بأن أصابه بمرض الجذام، والآية معروفة في القرآن الكريم: "فإنَّ لك في الحياة أن تقول فيها لا مساس" ... عندما رأى بنو إسرائيل غضب موسى عليه السلام قالوا له: كيف نتوب؟ قال لهم: "فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم". أي أن التوبة منهم لم تكن مقبولةً، بأمر الله، إلاّ إذا قام كل واحدٍ منهم بقتل الآخر ... ولمَّا رأى موسى عليه السلام، ما حدث من كثرة التقتيل، أشفق عليهم وذهب لميقات الله ومناجاته مَرّةً أخرى حتى يخفف عنهم هذا الأمر، فذهب معه أثنا عشر من رجال بني إسرائيل، فَرَفَعَ الله تعالى فوقهم الجبل، وذلك تخويفاً لهم لكي يَتَّعظوا، ولكنهم، وبعد أن ذهب عنهم الخوف وسمعوا كلام الله تعالى مع موسى، قالوا له: يا موسى "لن نؤمن لك حتى نرى اللهَ جهرةً". أي أنهم طلبوا أن يروا الله تعالى وجهاً لوجه وجهرةً، فغضبت الله تعالى عليهم وعَذَّبهم بالصاعقة، ولقد ذكر القرآن الكريم هذه القصة في قوله تعالى: "وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ".
وقال الله تعالى: " وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ". بعد ذالك أَمَرَ اللهُ سبحانه وتعالى بني إسرائيل، على لسان موسى، أن يتجهوا لدخول الأرض المقدسة "فلسطين"، فقال تعالى: "وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ"، وذكرت أيضاً في موضع آخر من القرآن الكريم، قال تعالى: "وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ" أي أن الله سبحانه وتعالى أمرهم بأن يدخلوا فلسطين ولكن بطريقةٍ تنمُّ عن شكرهم وامتنانهم لله تعالى، وذلك بأن يدخلوها ساجدين وألا يؤذوا أحداً، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، فأرسل الله عليهم رجزاً أي عذاباً من عنده.
وكان سبب رفضهم لإطاعة موسى، عليه السلام، خوفهم من الكنعانيين، أي الفلسطينيين الذين يسكنون في تلك الأرض، حيث كان الكنعانيون كانوا يَتَّصِفون بالضخامة والعِظَمِ، حتى أنَّ بعض المؤرخين سَمّاهم "العماليق"، فجبن بنو إسرائيل وخافوا منهم، ولم يثقوا بنصر الله وما قاله لهم موسى، عليه السلام، فكانت النتيجة أنّ الله سبحانه وتعالى حَرَّمَ عليهم دخول الأرض المقدسة أربعين سنةً وتَوَّهَهُم في صحراء سيناء ... وبدأت مرحلة تُسمّى في التاريخ اليهودي بفترة (التية)، وهي الفترة التي تاه فيها بنو إسرائيل في صحراء سيناء، كُلّما وصلوا إلى نقطة وخرجوا منها عادوا إلى النقطة الأولى وهكذا حتى بقوا أربعين عاماً ... وقد كانت فترة التية هذه نِقمةً على بني إسرائيل، حيث أنها أتعبتهم وأرهقتهم مات كثيرون فيها ولكنها كانت نعمةً في الوقت نفسه، حيث أنَّ جيلاً جديداً من اليهود قد وُلِدَ وقد نما في تلك الفترة وهو جيلٌ صلبٌ مقاتلٌ صنعته الصحراء، ولم يكن جيلاً من العبيد كما كان آباؤهم وأجدادهم الذين كانوا يعملون خدماً عند الفراعنة، قال الله تعالى في سورة المائدة مُسجِّلاً لهذه الفترة الزمنية "فترة التية"، قال: " قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ". وفي هذه الفترة الزمنية توفِّي سيدنا موسى، عليه السلام، وقد ذكرت التوراة ذلك في سفر التثنية (فمات هناك موسى عبد الرب في أرض مؤاب حسب قول الرب، ودفنه في الجواء في أرض مؤاب مقابل بيت فاغور، ولم يعرف إنسانٌ قبرَهُ إلى هذا اليوم، ولم يأت نبيٌّ مثله).
بعد ذلك قام رجل قوي آخر باستلام قيادة بني إسرائيل في هذه الفترة، هذا الرجل الصلب القوي هو "يوشع بن نون".
عندما استلم يوشع بن نون قيادة بني إسرائيل، أراد أن يدخل إلى فلسطين "الأرض المقدسة" هو والجيل الجديد الذي معه، ولكنّ طريقة دخوله للمدينة كانت قد خالفت ما أمرهم الله تعالى به على لسان موسى، عليه السلام، وذلك أنَّ الله تعالى قد أمرهم أن يدخلوا القرية سجداً وأن يقولوا "حِطّة" ليغفر لهم من خطاياهم، ولكنّهم أبوا ذلك؛ فقد دخل يوشع بن نون إلى الأرض المقدَّسة بطريقةٍ همجيةٍ تنمُّ عن تعطِّشه للدماء.
وقد وصفت التوراة دخول "يوشع بن نون" مدينة أريحا في سفر إشعيا: "إنهم قد قتلوا كل ما بها من إنسان أو حيوان، وحرقوا المدينة كلها، ولم ينجُ من الموت من سكان المدينة إلا المرأة الزانية وأهلها، وكان ذلك أول العهد ببني إسرائيل في فلسطين".
وبعد ذلك بزمنٍ توفي يوشع بن نون الذي حكم اليهود ما يقارب ثمانين عاماً، وبدأ عد جديد يسمى "عهد القضاة"، وهناك سفر في التوراة يُسمّى بسفر القضاة ذكر لنا الكثير الكثير من تفاصيل وأخبار هذه المرحلة ...
التّوراة (معناها، تدوينها، أسفارها، مضامينها)
بدأ تدوين التوراة بعد موسى عليه السلام، بخمسمائة سنة وانتهى ذلك في القرن الثامن للميلاد.
والتوراة كلمةّ عبريّةٌ تعني الناموس (الوحي). كما تعني التعليم أو الشريعة، وهي تُطْلَقُ أصلاً على توراة موسى وعدد أسفارها خمسة.
تتكون التوراة من (39) سفراً، وكلُّ اليهود على أنّ عدد أسفارها تسعةٌ وثلاثون.
كلُّ سفرٍ يتكوَّنُ من أجزاء وكلُّ جزءٍ من إصحاحات.
أقسام التوراة
1. الأسفار الخمسة 5. 
2. الأسفار التاريخية 12.
3. أسفار الأنبياء 17.
4. الأسفار الشعرية (أسفار الأناشيد) 5.
وتفصيل ذلك ما يلي:
أولاً: الأسفار الخمسة (أسفار موسى عليه السلام).
1. سفر التكوين: وهو يتحدَّثُ عن خلق السماوات والأرض والإنسان وخروج آدم وحواء من الجنّة، وقصّة قابيل وهابيل وطوفان نوح...
2. سفر الخروج: وهو يتحدَّث عن خروج موسى مع قومه من مصر باتجاه فلسطين.
3. سفر اللاويين: وهو ينسبُ إلى سبط لاوي بن يعقوب وقد كانت ذريّتُهُ مختصّةً بالنبوة والكهنوت والعبادة. ويتحدث هذا السفر عن أمور الكهنوت والعبادة والقرابين والذبائح.
4. سفر العدد: ويحتوي على إحصائياتٍ عن عدد بني إسرائيل عند خروجهم من مصر، وعدد مواشيهم ودوابِّهم، وهو مليءٌ بالمبالغات في ذكر أعدادهم.
5. سفر التثنية: وهو يحتوي على أحكام وشرائع وفيه بيانٌ للحلال والحرام ... وقد سُمِّيَ بذلك لأنه لا يكتفي بذكر الحكم مرّةً واحدةً بل يُثَنِّيهُ ويكرّره.
ثانياً: الأسفار التاريخية (وعددها 12 سفراً).
وهي تعرض لتاريخ بنى إسرائيل بعد استيلائهم على فلسطين وتفصّل تاريخ قضاتهم وملوكهم وأيامهم والحوادث البارزة في شؤونهم وهي أسفار يوشع، القُضاة، راعوث، صموئيل (1، 2) والملوك (1، 2) وأخبار الأيّام (1، 2) وعزرا ونحميا وأسيتر).
ثالثاً: أسفار الأنبياء (وعددها 17) سفراً.
(أشعيا، أرِمْيَا، حزقيال، مراثي أرميا، دانيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان أو (يونس)، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجيّ، زكريا، ملاخي أو (ملاخيا) وهم كلهم أنبياء لبني إسرائيل باستثناء يونس عليه السلام.
رابعاً: أسفار الأناشيد (الأسفار الشعريّة).
وهي في معظمها أناشيد وأشعار. وهي في أغلبها مواعظ دينّية مُؤَلَّفَةٌ تأليفاً شعرياً وعددها خمسة: هي سفر أيّوب، مزامير داود، وأمثال سليمان، الجامعة من كلام سليمان، نشيد الأناشيد لسُليمان).
ملاحظة هامة:
التوراة مُقدَّسَةٌ عند النصارى وتُسمى عندهم بالعهد القديم (الميثاق القديم) وذلك حتى تتميّز عن العهد الجديد (الإنجيل). ولكنّ النصارى (باستثناء البروتستانت) يلتزمون في تعاملهم مع التوراة بالنَّص دون الحُكم، أي أنّهم يقدّسون النصوص التوراتية، لكنهم لا يلتزمون بأحكامها.
للتوراة أكثر من نسخةٍ مُترجَمَةٍ وأهمها النسخة العبرية المعتمدة عند اليهود، وهناك الترجمة السبعينية التي قام بترجمتها سبعون كاهناً أو (72) من أحبار اليهود في سبعين يوماً من العبرية إلى اليونانيّة فزادت 14 سفراً، فأصبح عدد أسفارها 53 سفراً، ثم تُرجمت إلى اللاتينية فنقصت إلى 46 سفراً ولكن المعتمد منها عند النصارى الآرثوذكس والكاثوليك 46 سفراً.


الأسفار الخفّية:
توجد أسفار يهودية قديمة لم يُدخلها اليهود في توراتهم، وهم يُطلقون عليها اسم الأسفار الخفيّة أو (الكتب غير القانونية) أو (الأوبوكريفا) وبعضها غيرُ مقدّسٍ وغيرُ معتمَدٍ، بينما بعضهُا الآخر مقدّسٌ ومُعتمدٌ، ولكنّ رأي أحبارهم هو وجوب إخفائها. وقد قرّروا أنّه لا يجوز أن تقف عليها عامّةُ الناس!!؟؟
وإلى هذا يشيرُ القرآن الكريم " مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا". وقوله تعالى: " يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ". وكلُّ النصوص التي لم تدخل في النسخة العبرية ظلت شائعةً بين اليهود أو مُثبتةً في بعض المخطوطات والترجمات وسميت بالأسفار الخفية.
ما هي الأسس التي بمقتضاها لم تدّون الأسفار الخفيّة؟؟؟
1. النصوص التي ترجع إلى زمن الكتاب المقدَّس لكنها فيما بدا لهم لا تحملُ روحَ الكلام الموحى به لأنّها تناقض التوراة في بعض الأحيان وكتب الأنبياء المعُتَبَرِين.
2. النصوص التي كُتبَتْ بعد انتهاء عهد الأنبياء، وأقرَّ آباءُ الدين الأقدمون بعزلها وإيداعها في مخازن تخفيها عن أعين الجمهور ويسمّونها (النصوص المخفيّة).
3. النصوص التي تُعالج فترةً من التاريخ الإسرائيلي المتأخر مثل سفر المكابيين الأول والثاني.
4. النصوص الأسطوريّة التي تتضّمن رموزاً أو صوراً خياليّةً وقصصاً مستقبليّةً خاصّةً بفناء هذا العالم، وأشهرها سفر حنوك وسفر خنوخ.
5. الأسفار الأدبيّة والفلسفيّة التي لا تمّتُ إلى الدّين بصلةٍ.
6. النصوص التي انفرد بروايتها وكتابتها طوائفُ منشقّةٌ عن اليهود، وجَزَم علماءُ اليهود بعدم استعمالها أو قراءتها مثل (النسخة السامرّية).
تاريخ تدوين التوارة حَسْبَ مُعتقد اليهود والنصارى:
عصر موسى
عاش موسى، عليه السلام، في القرن 13 أو 14 قبل الميلاد. ومُعظم سفري التكوين والخروج قد أُلِّفا حوالي القرن 9 قبل الميلاد، وسفر التثنية أُلِّفَ في القرن 7 قبل الميلاد.
كما أنّ سفري العدد اللاويّين أُلفِّا في القرنين 4 و5 قبل الميلاد وهي جميعاً مكتوبة بأقلام اليهود وتمثل فيها عقائد وشرائع مختلفة تعكس الأفكار والنّظم المتعّددةَ، وعلى أساس هذه التحقيقات يرِّجحُ الباحثون أنّ قسماً من الأسفار الأخرى للتوراة قد أُلِّفَ بين النصف الأخير من القرن التاسع وأوائل القرن السادس قبل الميلاد، وأنّ قسماً آخر قد أُلِّفَ في الفترة الواقعة بين أوائل القرن السادس وأواخر القرن الرابع قبل الميلاد ... وأبعدُ تاريخٍ لتدوين أقدم نسخةٍ خطيّةٍ للكتاب المقدِّس حسب تقدير المُتَساهلين هو نهاية القرن الرابع الميلادي.
في اللغة التي أُلّفَت بها التوراة:
لقد دوّنت جميعها باللغة العبرية ولا يُستثنى من ذلك إلا أجزاء يسيرة أُلّفَتْ باللغة الآرامية.
وأقدم ترجمةٍ للعهد القديم هي الترجمة اليونانية المشهورة باسم "السبعينيةّ". وتشمل 14 صفراً لا توجد في السفر العبري، ثُمّ تُرجمت إلى اللاتينيّة ونقصت 7 أسفار فصارت 46 سفراً ثم تُرجمت إلى الآرامية الحديثة التي قيل إنّ عيسى، عليه السلام، كان يتكلمُ بها، وقد ترجمت الكنيسة السريانيّة إلى لغتها من النسخة اليونانية.
ما هي الانتقادات المُوَجَّهَةُ إلى التوراة والتي تُثبتُ تحريفها؟؟
أولاً: اختلاف لغة التوراة عن لغة موسى، عليه السلام، لأنّ اللغة العبرية (على الأرجح) تكوّنت بعد دخول بني إسرائيل إلى فلسطين واختلاطهم بالكنعانيين العرب، أي بعد وفاة موسى عليه السلام الذي كان يتكلم بالمصرية القديمة لا بالعبرية.
ثانياً: عدم ثبوت نسبة التوراة الحالية إلى موسى، عليه السلام. يعتقد اليهود أن موسى عليه السلام هو كاتب التوراة الحالية معتمدين على نصوص وردت في العهد القديم (وكَتَبَ موسى هذه التوراة). ولكنَّ الشواهد الداخليّة في التوراة لا تدعم هذا الاعتقاد بل تنقضه:
أ. لأنها مكتوبةٌ بصيغة الغائب لا المتكلم.
ب. لورود نصوص داخل التوراة تناقض هذا الاعتقاد.
ويدعم النقطة: (أ) ما ورد في سفر العدد (أمّا الرجلُ موسى، فكان حليماً جدّاً، أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض). ومن المستحيل أن يقول موسى هذا الكلام عن نفسه!!!.
ويدعم النقطة (ب) ما ورد في سفر التثينية (فمات موسى عبد الرب في أرض مؤاب ولم يعرف إنسانٌ قبره إلى هذا اليوم، وكان موسى ابن مائةٍ وعشرين سنةً حين مات، ولم تكلّ عيناه، ولا ذهبت نضارتُه، فبكى بنو إسرائيل موسى ثلاثين يوماً ولم يقُمْ بعدُ في بني إسرائيل مثلُ موسى).
ثالثاً: عدم ثبوت تواتر التوراة: معظم العلماء المحققين يرون أنّ التوراة الحاليّة قد كتبها أحبارُ اليهود خلال السبي البابلي في الفترة ما بين القرن 5 – 6 ق. م أي، بعد حوالي 7 قرون من موسى، عليه السلام، وقد تمّت هذه الكتابة اعتماداً على الذاكرة!!! وبما أنّ هذه التوراة كُتِبَتْ في جوٍ مشحونٍ بالكراهية والحقد والمرارة، فقد جاءت حافلةً بالنصوص  التي تمجّد بني إسرائيل وتحتقر الشعوب الأخُرى. وقد كَتَبَ الفرنسي ريتشارد سيمون كتاب "التاريخ النقدي للعهد القديم"، نفى فيه نفياً قاطعاً نسبة أسفار الشريعة إلى موسى، وأكّد أنها مجموعة من مدوّناتٍ مختلفة الأصول عكف الأحبار على تسجيلها بتلاحُق حتَّى أخذت شكلها الأخير.
رابعاً: الاختلافات بين المخطوطات القديمة للتوراة: فمن المعروف أنّ للتوراة ثلاث نسخ رئيسة هي (العبرية، اليونانية، السامريّة) أمّا العبرية فترجع إلى عهد المنفى البابلي، واليونانية هي "السبعينّية" والأصل العبريُ المُعْتَمَدُ عليه مجهولٌ ولا سبيل للتأكّد من موثوقيّة هذه الترجمة ومصداقيتها. أمّا النسخة السامرية فهي نسبة إلى السامريين. ولقد قارن العلماء بين النسخ الثلاثة فوجدوا أختلافاً كبيراً في التوراة السامرية يتمثل في 6000 اختلاف بينها وبين العبرية. كما وجدوا 4000 اختلاف بين اليونانية والعبريّة.
خامساً: التناقض بين نصوص التوراة يثبت أنها من عند غير الله، وأنّ كاتبها غيرُ واحدٍ من الناس:
أ. فمثلاً ورد في سفر الخروج وسفر التثنية وسفر العدد (إنّ الأبناء يُؤْخَذُون بذنب الآباء حتى الجيل الثالث والرابع) ويعارضُ هذا ما جاء في سفر حزقيال (النفس التي تُخطئ هي تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن).
ب. ومثلاً ورد في سفر الخروج (إنّ يهوه قال لموسى: لا تقدرُ أن ترى وجهي، لإنّ الإنسان لا يراني ويعيش) ويعارض هذا ما جاء في سفر الخروج نفسه (ويكلّم الربُّ موسى وجهاً لوجه كما يكلّمُ الرّجل صاحَبه).
سادساً: مناقضة التوراة للحقائق العلمية والتاريخية:
أ. مثلاً يبين سفر التكوين أنّ أصلَ الإنسان وخَلْقَ الكون تمَّ قبل المسيح بـ 37 قرناً فقط ... وأنّ الطوّفان عمَّ الأرض كُلَّها وقضى على كل الأحياء إلا نوح، ومَنْ عليها). ولكن الدراسات تؤكّدُ أنّ هناك حضاراتٍ قامت قبل الطوفان واستمرت!!!.
ب. وتقدم التوراة بعض التعليلات التي لا تتفق مع العلم لبعض الظواهر مثلاً:
1. الحيّةُ تزحفُ وتأكل التراب لأنّها حرّضت حواء على الأكل من الشجرة.
2. يذكر سفرُ التكوين أنّ سبب آلام المرأة عند الوضع هو مخالفتها لأوامر الله وأكلها من الشجرة.
3. ويذكر سفر التكوين أنّ سبب تعدّد البَشَر هو أنّ الله نظر إليهم فرآهمُ متَّفقين فحسدهم وبلبل ألسنتهم وشتّتهم.
4. ذكر سفر اللاويين أنّ نفاس المرأة التي تُنْجِبُ ذَكَراً أربعون يوماً أمّا نفاس التي تُنْجِبُ أنثى فهو ثمانون يوماً.
سابعاً: عدم ورود ذكر الآخرة في التوارة: فالأسفار الخمسة لم تذكر شيئاً عن اليوم الآخر، ولا حتى مجرّد إشارة، وهذا أمرٌ غيرُ معقول.
ثامناً: وصف الله تعالى بأوصاف لا تليق به سبحانه: فقد أطلقت التوراة على الله صفات الإنسان الضعيف، فهو يستريح، ويترّدد في أفعاله، ويندمُ على ما فعل، وهو لا يعلم كل شيءٍ، وهو يحسد البشر، ويصارع البشر لا بل إن بعضهم صرعوه، وهو إلهٌ عنصريٌ لا يحبُّ إلا اليهود كما أنّه يحبُّ الدّماء والقتل!؟!!!.
تاسعاً: تشويه صورة الأنبياء عليهم السلام!؟: فالتوراة تصوّرهم بأنهم يقترفون كل الذنوب صغائرها وكبائرها؛فَنُوحٌ سكر حتّى ثَمِلَ وآنكشفت عورتهُ وإبراهيم سَلَّمَ زوجته إلى فرعون، ولوط زنا بابنتيهِ ويعقوب خدعَ أباه إسحاق وموسى ـ أَمَرَ تقبل الأطفال في 60 مدينة شرق الأردن
وهارون هو الذي صنعَ العجل، وداود زنا بزوجة أحد قادة جيوشه!!!!.
عاشراً: مخالفة تشريعات التوراة للعقل والمنطق؟!! ومن ذلك:
1. إجبار شقيق الميت على الزواج من زوجة أخيه حتى لا تتزوج أجنبيّاً.
2. إباحة التوراة لليهودي أن يُقرضَ الأجنبي بالربا وعدم إباحتها لذلك مع اليهودي.
أهمّ الأسباب التي دفعت اليهود لتحريف التوراة:
1. لتبرير إجرامهم وإفسادهم: فقد نسبَ كتَبةُ التوراة إلى الله الأمر بالمنكر وإبادة الشعوب حتّى تكون هذه الأوامر غطاءً شرعيّاً لجرائمهم.
2. لتمجيد تاريخهم وجعل أنفسهم شعبَ الله المختار: فقد حاول الكَتبَةُ رْفعَ شأنِ اليهود وأُكَّدوا على أنّهم شعب الله المختار.
3. لجعل فلسطين وطنهم الموعود، فقد بنوا لله عهوداً قطعها على نفسه لإبراهيم وإسحاق ويعقوب تقضي بمنحهم فلسطين إلى الأبد.
التعريف بالتلمود ومضامينه ومكانته
تعني كلمةُ "تلمود" الكتاب الذي يحتوي على التعاليم اليهودية الشفوية، أو الكتاب العقائدي الذي يفسر ويبسط كل معارف الشعوب الإسرائيلية وتعاليمه وقوانينه الأخلاقة وآدابه.
ويُقال إنّ لفظ "تلمود" في اللغة هي صيغة الاسم المشتق من فعل "لمذ" بمعنى "علم" ولا يزال المعنى شائعاً في لغتنا العربية من كلمة "تلميذ".
وقيل أنها مُستخرجةٌ من كلمة "لامود" التي تعني "تعاليم" فهو الكتاب العقائدي الذي يفسرّ ويبسّط كلَّ معارف اليهودي وتعاليمه.


أصل التلمود:
بالنسبة لأصل التلمود فإن الرابيين (الحاخامات)، (وهم رجال الدين اليهودي) يعتبرون موسى عليه السلام هو المؤلِّفَ لهذا الكتاب ويؤكّدون أنه بالإضافة إلى القانون المكتوب على ألواحٍ من الحجر الذي تسلمه موسى من ربه على جبل سيناء فقد تسلَّمَ موسى أيضاً من الله تفسيرات وشروحاً لهذا الكتاب القانون أو ما يدعى بالقانون الشفوي.
ولذلك بقي موسى وقتاً أطول مما كان مُحَدَّداً فوق الجبل في سيناء، ولو كان اللقاء من أجل تلقي القانون المكتوب فحسب لكان يكفيه يومٌ واحدٌ فقط ... فهم يزعمون أن أصل التلمود نزل على موسى.
نشأة التلمود وأقسامه
من خلال ما تَقَدّم يتبين أنهم يرون أنّ التوراة ليست هي كل الكتب المقدسة وإنما هناك بجانبها روايات شفوية تناقلها الحاخامات من جيلٍ إلى جيلٍ وتلك الروايات هي التي تُعْرَفٌ بالتلمود. وبعد المسيح بمائة وخمسين سنة خاف أحد الحاخامات المُسمّى "يوضاس" أن تلعب أيدي الضياع بهذه التعاليم الشفوية فجمعها من كتابٍ سَمّاه "المشنا" أي الشريعة المكررة.
وفي السنين التالية أدخل حاخامات فلسطين وبابل كثيراً من الزيادات على ما تم تدوينه وأتم الراباي (الحاخام) يهوذا سنة 216م تدوين هذه الزيادات والروايات الشفوية فأصبحت تضم كل ما كُتَبِ إلى عهد الراباي "يهوذا" ثم استعصت "المشنا" على بعض القُرَّاء فأخذ علماء اليهود يكتبون عليها حواشي كثيرة وشروحاً مُسهبةً وسُمِّيت هذه الحواشي وتلك الشروح باسم "جمارا".
وبهذا يتبين لنا انقسام التلمود إلى جزأين هامين: هما:
1. المشناه: وهو الأصل (المتن) ومعناها (الشريعة المكررة).
2. جِمارا: شرح المشناه ومعناه (الإكمال والشرح والتعليق).
أولاً: "المشناه:
وهو أول لائحة قانونية وضعها اليهود لأنفسهم بعد التوراة جمعها "يهوذا ها ناسي فيما بين (190 – 200م) أي بعد قرن تقريباً من تدمير تيطس الروماني الهيكل.
وهو خلاصة "القانون الشفهي" الذي تناقله الحاخامات منذ ظهور الفريسيينللهيكل حسب اعتقادهم.
ثانياً: "الجِمارا" بكسر الجيم: ومعناها الإكمال.
هناك تلمودان شهيران عند اليهود هما:
1. "تلمود أورشليم: أو التلمود الغربي ويُسَمّى تلمود أرض إسرائيل تَمَّ جمعُه سنة 400م والحقيقة أنّ علماء قيصرية هم الذين قاموا بتدوين تلمود أورشليم وليس علماء أورشليم أنفسهم.
وقد طُبِعَ تلمود أورشليم لأول مرة في البندقية (فينيسيا) سنة 1523م.
2. تلمود بابل: أو الشرقي ... وهو الذي فيه زيادات لحاخامات بابل وهو المتداول بين اليهود والمُرادُ عند الإطلاق. فقد اكتسب أهمية لا توازي أهمية تلمود أورشليم إذ أنه يغطّي شرحُه كلَّ نصِّ المشناة. ثم إنّ أحبار اليهود في بابل كانوا يحظون بثقةٍ أرسخ من ناحية التبحرُّ في الفكر اليهودي ممّا كان يحظى به شراح فلسطين.
والطبعة المعتمدة هي طبيعة روم المنشورة في فيلنا سنة 1886م.
مقارنة بين تلمودي "بابل وفلسطين"
يختلف تلمود فلسطين كثيراً عن مثيله البابلي، كما وكيفاً، فمادة تلمود فلسطين ثلث ما يحتويه تلمود بابل. كما أنَّ تلمود فلسطين ينقصه العمق المنطقي والشمول الجامع اللذان يمتاز بهما تلمود بابل. ويرجع هذا إلى أن تلمود بابل أُلِّفَ في فترةٍ استغرقت قرناً من الزمان في سلامٍ وأمنٍ، أما تلمود فلسطين فجُمِعَ على عجلٍ وفي ظروفٍ غير مساعدة بسبب اضطهاد الرومان.
وتلمود فلسطين يختلفُ كذلك في لغته؛ فلغُته عبريةٌ تتخلُّلها عباراتٌ بالآرامية الغربية أما تلمود بابل فأكثره بالآرامية الشرقية نسجت فيه عبارات بالعبرية ويتضمن كلماتٍ عبرية وسريانيةً ويونانيةً ولاتينيةً وكلدانيةً.
ورغم هذا فهناك أوجه تشابه كثيرة بين التلمودين لأنَّ مصدرهما واحد، كما أن بابل ليست بعيدةً عن فلسطين، فكان علماء البلدين يتبادلون الزيارات ويستفيدون من آراء الآخرين.
منزلة التلمود وأهميته عند اليهود:
يعتبرُ اليهودُ التلمودَ أعظمَ قداسةً من التوراة. وقد جاء في كتاب (شاغيجان): "مَنْ احتقرَ أقوال الحاخات استحقَّ الموت، وليس كذلك من احتقر أقوال التوارة" ... فعلى ذلك يتبين لنا قداستهم للتلمود حيث يعتبرونه أهمَّ من التوراة. وقد قال أحدهم "أعلم أنَّ أقوال الحاخامات أفضلُ من أقوال الأنبياء ... كما قال أحد علمائهم "إنّ مخافة الحاخامات هي مخافة الله".
من نصوص التلمود:
- الله في التلمود:
يروى في التلمود أنَّ الله اعترف بأخطائه في تصريحه بتخريب الهيكل فصار يبكي قائلاً: "تباً لي لأني صرَّحتُ بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي". فليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود فهو يعتريه الطيش والغضب والكذب، تعالى الله عن أقوالهم. كما يُروى في التلمود أنّ الله غضبَ مرّةً على بني إسرائيل فاستولى عليه الطيش فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية ولكنّه ندم على ذلك بعد أن هدأ غضبه ولم ينفذ قسمة لأنّهُ عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة.
- أرواح اليهود وأرواح غيرهم:
1. تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله كما أن الابن جزء من والده.
2. الأرواح غير اليهودية هي أرواحٌ شيطانيةٌ وشبهيةٌ بأرواح الحيوانات.
3. ويقول التلمود بالتناسخ، وهو فِكرٌ تسرَّب لبابل من الهند وأخذه حاخامات اليهود من المجتمع البابلي.
- اليهودي وغير اليهودي في التلمود:
جاء في التلمود أن الإسرائيلي مُعْتَبَرٌ عند الله أكثر من الملائكة وأنَّ اليهود جزء من الله فإذا ضرب الأميُّ إسرائيلياً فكأنه ضرب العزّةَ الإلهية. والفرقُ بين درجة الإنسان والحيوان هو بقدر الفرق بين اليهود وغير اليهود.
ولليهودي في الأعياد أن يُطْعِمَ الكلبَ وليس له أن يُطعمَ غير اليهودي؛ فباقي الشعوب حيوانات. يقول الحاخام (أباربانيل) "الشعب المختار فقط يستحق الحياة الأبديّة وأما باقي الشعوب فمثلهم كمثل الحمير"!!.
- مُصَرَّحٌ لليهودي أن يغشَّ غير اليهودي ويحلف له أيماناً كاذبةً ... وغيرُ مُصرَّحٍ أن يقرض الأجنبيَّ إلا بالربا الذي أجازه التلمود لليهود مع غيرهم.
اليهود والمسيح:
يقول التلمود عن المسيح: إن يسوع الناصري موجودٌ في لجّات الجحيم بين القار والنار، وإنَّ أمّه مريم أتت به من العسكريّ "باندارا" عن طريق الخطيئة، وإنّ الكنائس النصرانية هي مقام القاذورات، والواعظون فيها أشبه بالكلاب النابحة، وإنّ قتل المسيح من الأمور المأمور بها، وإنّه من الواجب أن يلعن اليهود ثلاث مرات رؤساء المذهب النصراني. ويحدد التلمود أنواعاً من الطهر لا يصل إليها اليهود إلا باستعمال الذبائح البشرية من المسيحيين.
في الحديث عن الألوهية ومفهوم الإله عند اليهود
لقد تعددت أسماء الله عند اليهود، وكان منها (اليوهيم)، وقد كان اسم هذا الإله سائداً قبل الوصول إلى اسم (يهوه) وهو الاسم الأخير الذي اتفق اليهود على تسمية الله به. وقد أصبح هذا الإله (يهوه) إلهاً خاصاً ببني إسرائيل. ويُفَهُم من ذلك تلقائياً أنهم لا يمانعون من تعدُّدِ الآلهة.
وواضح من خلال دراسة حقيقة مُعتقَدِ اليهود في (الإله) أنهم يُجَسِّمون الله تعالى وينسبون إليه صفات البشر من الندم والتّعب والانفعال، ومن ذلك قولهم أنّه كان تَعِبَاً ولذلك قام إبراهيم بغسل قدميه (أي قدمي الإله).
وفي قصّة صراعِ يعقوب مع الرب دلالة واضحة على ضعف الرب، وما تَبِعَ ذلك من ندمه وحسرته.
في الحديث عن النّبوات وعقيدة اليهود فيها
لقد حملت النبوَّة عند اليهود معاني مختلفةً فيها دلالة واضحة على تطوّر معنى النبّوة عن اليهود، وتفصيل ذلك ما يلي:
1. كان النبي في بداية التاريخ اليهودي مجرّد متحدّثٍ عن الرب وعن الشعب، فهو مِرسالٌ بينهما.
2. تطوّر مفهوم النبي في عهد القضاة فأصبح يُطلَق على (الرائي) وهو الشخص القادر على التنبّؤ والرؤيا.
3. في عهد المملكتين أصبح مفهوم النبي يدل على مَن ينبّئ عن علم الغيب والمُستقبل، حتى أنّهم ربطوا النبوّة بالتنجيم، حتى ظهر فيها أنبياء حقيقيون وأنبياء كَذَبةٌ.
4. في مرحلة السبي البابلي: صار واضحاً في مفهوم النبّوة النبي الواعظ والمؤنّب والموبِّخ.
5. في الرؤية اليهودية المعاصرة (الحديثة) للنبّوة أُضيفَ للنبّوة كلُّ شخصٍ أظهر شجاعةً فريدةً في مواجهة الأغيار غير اليهود فإنّهُ يكون بذلك نبياً.
في الحديث عن صفات الأنبياء عند اليهود
من المُتَّفقِ عليه عند اليهود أن الأنبياء يجوز لهم معصية الله وارتكاب كبائر الذنوب وصغائرها، فهم غير معصومين عن الخطأ والخطيئة: وتطبيقاً لهذه القاعدة، وحسب وصف التوراة، فقد ارتكب الأنبياء كلُّهم كلَّ أنواع الخطأ والخطيئة ومن الأمثلة:
1. الكُفُر وعبادة غير الله: فهارون مثلاً صنع العجل لقومه وسليمان عَبَدَ الأصنام!!!.
2. خيانة الله: فإن موسى وهارون خانا الله ولم يقدّساه أمام بني إسرائيل، ولذلك حرّم الله عليهما دخول فلسطين!!.
3. الأمرُ بالسرقة ونهب أموال الناس: كأمر الله لبني إسرائيل بسرقة ذهب المصريين عند الهروب من مصر!!.
4. الوحشيّة: فموسى قتَلَ وحَرَقَ الرجال والنساء والأطفال وكذلك فعل يوشع بن نون!!.
5. الأفعال الشّاذَة الدالة على الخَبَل والجنون: كقصّة النبي شاؤل فإنّ الوحي لم يكن ليأتيه إلاّ إذا تعرَّى. وكقصّة أشيعا الذي سار بين الناس عارياً بعورته مكشوفةً كاملةً، وذلك استجابةً لأمر الله!!.
6. الزّنا: من داود إلى سليمان إلى لوط ...!! وإنّ هوشع قد أمرهُ الربُّ بمعاشرة امرأةٍ زانيةٍ؟؟
ملاحظات تتعلق بعقيدة اليهود في اليوم الآخر
1. أُخِذَتْ أكثرُ مُعْتقداتهم من الأديان الوثنية السابقة.
2. تحوّلت فكرة اليوم الآخر إلى يوم الرب وهو يتعلّق بانتصار اليهود ومجيء المسيح المُخَلِّص المنتظَرِ.
3. حتّى مَن اعتقدَ باليوم الآخر من اليهود وآمن أنّ فيه عذاباً ونعيماً، فقد اعتقد أن العذاب يتمُّ في هاويةٍ سحيقةٍ يُعَذَّبُ فيها (الأغيار) غير اليهود.
مُلَخَّصُ عقيدة اليهود في اليوم الآخر
أولاً: هي عقيدةٌ حلوليةٌ (ارتباطها بأن الله حالٌّ في الزمان والمكان وليس خارجهما وبالتالي هو إلهٌ خاصٌ باليهود) ولذلك فاليوم الآخر بالنسبة لله هو يومٌ حلولي خاصٌّ ببني إسرائيل.
ثانياً: إنّها تتعلّق بالدنيا وليس خارجها ولا خارج الزمان (يعني يقوم اليوم الآخر وكل أحداثه على الأرض).
ثالثاً: مرتبطة بيوم الربِّ
رابعاً: ويومُ الربّ عندهم مرتبط بظهور المسيح المنتظَرِ حيث ينتظر اليهودُ فيه أن يكوّنوا مملكتهم الخاصّة.
خامساً: إنّ اليهود في توراتهم كلّها لم يذكروا تفاصيل اليوم الآخر بشكلٍ واضحٍ حتّى أنّ ذِكرَ (الجنّة والنار) لم يرد فيها.
سادساً: إنّ التلمود، وهو كتابهم الأخير، قد خلا تماماً من ذِكرٍ واضحٍ لليوم الآخر وقد ذكر الجنّة بشكلٍ غامضٍ وبوصف غامضٍ ومتناقضٍ، ذلك أنّه ذكر الجنّة ثم ذكر تناسخ الأرواح؟!!
الأعياد اليهودية
أولاً: السبت: وهو اليوم الذي لا يجوز لليهودي الاشتغال فيه. وأهمُّ شعائره الكفّ عن كل عمل، وسبب ذلك (أنّ الله استراح في هذا اليوم بعد آنتهائه من تكوين الخليقة). وبداية السبت تبدأ من غروب شمس الجمعة إلى غروب شمس السبت. وقد تَفَنَّنَ أحبار اليهود في تفسير الكفّ والامتناع عن العمل يوم السبت، فحّرموا فيه كلَّ ما من شأنه أن يُشِعر بالسعي في الرزق أو الإنشغال بحرفةٍ أو إنتاجٍ أو بذل الجهد.
أهم محرّمات يوم السبت لدى اليهود
1. تحريم إيقاد النار.
2. تحريم السَّفر في هذا اليوم لتحريم ركوب الدّواب وتحريم إيقاد النار في وسائل المواصلات.
3. تحريم إنفاق النقود أوتسلّمها.
4. تحريم الكتابة لأنّ فيها إبراماً للعقود وبذلاً للمجهود وفيها إنتاج.
5. تحريم عقد الزواج: لأنّ في العقد كتابةً ودفعاً للمال (المهر).
6. تحريم الحرب الهجوميّة ولذلك فالحرب الدّفاعية جائزة (وقد سمّوا جيشهم جيش الدّفاع). ولذلك جرى العرف عندهم ألا يخرج اليهودي من بيته إلا وقد تأكّد أن جيوبه ليس فيها أقلام ولا أوراق ولا نقود ولا كبريت.
ثانياً: رأس السنة العبرية: وهو من الواجبات الدّينيّة وطقوسه ثلاثة أيام. في الأول والثاني والثالث من شهر تشرين العبري أمّا اليوم الرابع فيكون يوم صيام. وممّا يُذكرُ أنّ بداية السنّة العبريّة تبدأ عندهم من نقطة خلق السماوات والأرض كمايعتقدون.
وحساب الشهور في السنة العبرية يتبع دورة القمر بينما حساب السنين يتبع دورة الشمس.
ثالثاً: عيد يوم الغفران أو الغفّارة (يوم كبور) (يوم غفور) وهو اليوم العاشر من شهر تشرين (العبري). ويبدأ هذا العيدُ قُبيل غروب شمس اليوم التاسع ويستمر إلى ما بعد غروب شمس اليوم التالي ويجب فيه الصيام ليلاً ونهاراً وعدم الاشتغال بأي شيءٍ فيما عدا العبادة.
رابعاً: عيد الفصح (عيد الفطر). وهو غير الفصح المسيحي، بل هو تغيير للكلمة من الفسح إي الفصح بسبب ما سُمِعحَ فيه لليهود من الهجرة مع موسى، عليه السلام، وسُمِّيَ بعيد الفطير لأن طقوسه توجبُ أن يأكل اليهود فيه خبراً من عجين ليس فيه ملحٌ ولا خميرةٌ وهذا العيد أهم أعيادهم.
الفرق اليهودية القديمة
1. الفريسيون: كلمة مشتقة من (فرش) وهي كلمة آرامية معناها (الواضح) أو (الدقيق). ولها معنى آخر هو (الشرح أو الشارح) وهي مأخوذة من اللفظ الآرامي لـِ (فشرة).
أما الفريسيون فقد عَرّفوا أنفسهم بأسماء مختلفة منها (صديق) أو (الحكماء) ومنهم من قال اسمها (الحبريم) أي المنعزلون. وهم حزبٌ دينيٌ متشدِّدٌ تمثّل في القادة الدينيين للمجتمع اليهودي وهم أصل الحاخامات وأصل اليهود والأرثوذكس المتشدّدين الموجودين الآن. ويُقال بأنّهم خلفاءُ للحسديين (المتّقين).
أهم معتقدات الفريسيين
1. الإيمان بجميع أسفار التوراة والتلمود.
2. الإيمان بالبعث، والاعتقاد بأنّ الصالحين من الأموات سينتشرون في الأرض ليشتركوا في ملك المسيح المنتظَرِ الذي سيأتي لإنقاذ الناس.
3. يؤمنون بأن عيسى ابن مريم هو ألدُّ أعدائهم، وقد كان ذلك بسبب إيمانهم (بالماشيح) المُخَلِّص.
4. ويؤمن الفريسيون بالبعث والثواب والملائكة وحرية الإراة التي لا تتعارض مع معرفة الخالق.
2. الصدوقيون: هي الفرقة التي كانت تلي الفريسين من حيث الأهميّة، وقد امتلأت صفحات التاريخ اليهودي بحوادث الخلاف والمشادّات بين هاتين الفرقتين. وينسبُ الصدوقيّون أنفسهم إلى الكاهن الكبر (صدوق) الذي كان الكاهن الأعظم لداود (عليه السلام) وهو الذي تولّى أخذ البيعة لابنه سليمان.
من مُعتقدات الصدوقيين
1. إنكارهم التام للبعث الجسماني، وبالتالي هم ينكرون الحياة الآخرة والحساب والجنّة والنار ويرون أنّ جزاء الإنسان يتم في الدينا.
2. تنكرُ هذه الفرقة وترفض العمل بالتلمود لاعتقادهم الصارم بأنّ السبيل الوحيد لحفظ الدّين هو التمسُّك الحرفي الشديد بأحكام التوراة ووجوب فرضها بالكامل.
3. ينكرون وجود الملائكة والشياطين.
4. ينكرون القضاء والقدر ويقولون بأن الإنسان خالقُ أفعاله.
5. الإله عندهم قوميٌّ فهو ربُّ إسرائيل حصراً.
3. السامريون: يقول السامريون إنّهم ينتسبون إلى هارون عليه السلام ويعتبرونه الكاهن الأعظم، وبناءً على ذلك فهم ينتسبون إلى مدينة السّامرة والتي قامت على انقاضها مدينة نابلس وتسمى عند اليهود "شكيم" ويُشرف عليها جبل جرزيم.
من معتقدات السامريين / أركان العقيدة السامرية
1. الإيمان بإلهٍ واحدٍ وأنه تعالى ليس جسماً ولا يقبل القسمة ولا التجزئة لا إله إلا الله الرب وموسى نبيه.
2. الإيمان بموسى رسول الله وخاتم الأنبياء، وأفضلهم وأنه نور العالم وضياؤه.
3. الإيمان بالأسفار الخمسة وتقديسها.
4. الإيمان بقدسيّة جبل جرزيم وأنه القبلة الحقيقية لبني إسرائيل.
5. الإيمان بيوم القيامة والبعث والحساب ومجيء المسيح المنتظَرِ المُخَلِّص.
6. جبل صهيون هو قاعدة الكُفر.
4. الآسينيون: في سبب تسميتهم آراء منها:
1. وهو الشائع عند الباحثين أنّ الكلمة معناها (الأطبّاء) وأصلها آرامي، وقد عُرفَ عنهم اهتمامهم بالطب والأعشاب الطبّية.
2. هو مشتق من اللفظ اليوناني (أوسيوي) وهو يعني الأتقياء أو الأبرار أو القدّيسين.
من أفكار الآسينيين:
1. الاعتزال عن الناس.
2. لبس الثياب البيضاء والحرص على نظافتها ونظافة الأجسام.
3. الاهتمام بشروق الشمس؛ فقد كانوا يقومون قبل الفجر فيقفون جماعةً في انتظار لحظة الشروق، ويؤدون صلاةً سُمّيت (صلاة الأسلاف).
4. حرّموا ذبح الحيوانات واعتبروها قسوةً في سفك الدّماء، ولذلك كانوا نباتيين.
5. حرّموا الزواج.
6. كانوا يحرّمون الاستعباد والرقّ.
7. كانوا يؤمنون بضرورة التمسُّك بالتوراة ولو أدّى إلى قتلهم.
8. كانوا يؤمنون بمجيء المسيح المنتظَرِ؛ لذا فقد آمنوا بعيسى ابن مريم واليوم الآخر.
5. القرَّاؤن
اسم مشتق من مِقرأ / أو المقروء
وهو اسم من أسماء العهد القديم لدى اليهود. وقد سميّوا بذلك لأنهم رفضوا الامتثال لغير التوراة (أي أنهم لم يؤمنوا بالتلمود). أنشأ هذه الفرقة (عنان بن داود) في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور.
أهم تعاليم وشرائع القرّائيين
1. عدم الاعتراف بالتلمود لأنّه أمور مُبتدَعةٌ وغيرُ ملزمة.
2. يتمسّكون بظواهر النصوص ومعانيها الحرفيّة، ويحرّمون التأويل ومن الأمثلة على ذلك على ذلك تقيّدهم بحرفيّة النص التوراتي الذي يحرّم العمل يوم السبت، فقالوا: لا يجوز الخروج من البيت ولا الانتقال ولا الحركة داخل البيت أو حتى إنارته يوم السبت.
3. ألغت جمع تشريعات الربّانيين، كتحريم زواج العم من ابنة أخيه.
4. عيسى ابن مريم رجلٌ صالحٌ تقيٌ مُصلِحٌ وليس زنديقاً ولكنه لم يدَّعِ النبوَّة قط.
6. محمد نبيٌّ حقٌّ، ولكنه لم يكن يفكِّر في مخالفة التوراة أو نسخ شرائعها، ولكنّ نبوَّته كانت فقط لبني إسماعيل.
6. الفرقة الآرثوذكسيّة اليهودّية
آرثوذكس مصطلح مسيحي يعني الاعتقاد الصحيح وقد استُخْدِمَ للإشارة إلى اليهود المتمسّكين بالشريعة اليهودية. والفرقة الآرثوذكسية تتكون من قسمين:
أ. الحسديم ـ المتصّوفة.
ب. متناجديم ـ رجالات القانون التشريعيون.
أهم معتقدات اليهود الآرثوذكس
1.الدين اليهودي ليس عقيدةً فقط بل إنّ الإيمان مطلوب مع العمل.
2. يؤمنون بالتوراة وبأنّ الله سلَّمها لموسى باليد، والله هو كاتبها وكاتب الأسفار الخمسة.
3. أعطى الله لموسى في ذلك اليوم التوراة والتوراة الشفهية المشناة.
4. اشتق الأحبار القوانين والأنظمة والترتيبات والتفاسير المُسَمّاة (الحلقاة).
5. يؤمن اليهودي الآرثوذكسي بالتوراة كمقولةٍ أولى وعليا لتفكيره على جميع المستويات.
6. يُسمَحُ بإقامة الطقوس الدينية والتكلم في أمور الدين والتوراة فقط لأولئك الذين تخرجوا من معاهد الربانية الأرثوذكسية.
أهم شعائر اليهود الآرثوذكس
1. لا فرق بين العقائد والشرائع فالأوامر والنواهي كلها مُلزِمةٌ لليهودي.
2. يستخدمون العبرية في صلواتهم.
3. لا يسمحون باختلاط الجنسين في الصلاة والعبادات.




المسيحيّة
سُمِّي المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام بالمسيح لسببين
أ. كان يمسح على وجوه المرضى فيبرؤون بإذن الله تعالى.
ب. لأنّهُ كان يسيح في الأرض، أي يتنقَّلُ في أرجائها.
وسُمّيت النصرانيّة بهذا الاسم لسببين، هما:
أ. لنُصرة الحواريين لعيسى عليه السلام (قال الحواريّون نحن أنصار الله).
ب. نسبةً إلى مدينة النّاصرة حيث كانت فيها بعثة عيسى، (وليس ميلاده)
هل وُلِدَ عيسى ابن مريم في بيت لحم؟ وكيف قرروا أن ميلاده يوافق الأول من كانون الثاني أو 25/12؟؟
1. التصوير القرآني لميلاد عيسى، عليه السلام، يدحض ولادته، عليه السلام، في بيت لحم حيث صورت سورة مريم عليه السلام ولادتها في مكان فيه النخل الذي يحمل الرّطب (وهزّي إليك بجذع النخل تُسَاقِطْ عليكِ رُطَباً جنياً) ومدينة بيت لحم كما هو معروف لا ينبت فيها النخلُ ذو الرُّطَب.
2. إن وقت إثمار النخيل من شهر 6 – 9. والولادة، حسب قولهم، كانت في شهر 12 وهو وقت لا يمكن أن تثمر فيه الرُّطب. والصحيح أنّ الرومان في عهد قسطنطين هم الذين اختاروا هذا التاريخ 25/12 حيث كان يوم ميلاد لأحد الآلهة، فاستبدلوا احتفال ميلاد هذه الآلهه بميلاد المسيح واحتفاله إرضاءً لقسطنطين.
علاقة مريم عليه السلام بزكريا ويحيى عليهما السلام
زكريا هو زوج خالة مريم عليها السلام. وقد منَّ الله تعالى عليه وعلى زوجته (اليصّابات) بحملها لمولودٍ ذكرٍ آسمه يحيى، بعد أن جاوز زكريا التسعين سنة من العمر.
وكان ابنه يحيى صالحاً قويّاً نّبأه الله تعالى قبل أن يبلغ الثلاثين من العمر وقد اشتهر بأنه كان يُعَمِّدُ الناس (وإن صحّت هذه المعلومة فإنّها تدل على توبة الناس ثمّ قيام يحيى بتغسيلهم في نهر الأردن احتفالاً بتوبتهم وإظهاراً لها. وقد سمّاه النصاى (يوحنا المعمداني) وكان عيسى ويحيى (عليهما السلام) متقاربين في السن وكان يحيى أكبر من عيسى عليهما السلام بستة أشهر.
وقد قُتِلَ بناءً على طلب الملك هيرودوس الذي وقع في حبّ ابنة أخيه (هيرودويا أو سالومي) التي طلب رأس يحيى مهراً لها بعد معارضته لزواج الملك لها، لأنّها كانت ابنة أخ الملك.

علاقة مريم عليها السلام بيوسف النجّار
يزعم كثيرٌ من النصارى أن مريم عليها السلام كانت مخطوبةً بل متزوجةً من يوسف النجار وهذا كلام باطلٌ لأنّه يناقضُ نذرها نفسها للعبادة وآنقطاعها في المحراب بعيداً عن كل الرجال وكان الوحيد الذي يراها هو زكريا عليه السلام.
وكان أبوها (عمران) أحد عظماء ومشاهير بني إسرائيل، وكانت زوجة عاقراً لا تلد ولكنَّ الله تعالى منَّ عليهما بمريم عليها السلام.
من معجزات عيسى عليه السلام
1. إشفاء الأبرص والأكمه (الأعمى منذ الولادة).
2. إنباء الناس بما يدّخرونه في بيوتهم.
3. إحياء الموتى.
4. المائدة.
5. كان يجعل من الطين كهيئة الطير، فيكون طيراً بإذن الله.
ويذهب بعض العلماء المعاصرين إلى القول بأنّ معجزة إحياء الموتى وخلق الطير من الطين كان رسالةً لبني إسرائيل المنكرين لليوم الآخر والبعث فأراد الله تعالى أن يُظهر لهم وجود إحياء الموتى وبعثهم ولم يكن ذلك لاشتهار قوم عيسى بالطب كما قال البعض.
الأصول التي قامت عليها دعوة عيسى عليه السلام
1. الإيمان باليوم الآخر والبعث.
2. إلغاء الواسطة بين الله تعالى والناس.
3. الزهد والتواضع وقتل الروح الماديّة والدعوة إلى المحبّة والتسامح وترك الحقد.
موقف اليهود من ذلك
لقد أزعجت هذه الأصول اليهود وأحبارهم، لأنها همّشت وجود الأحبار الذين كانوا يجعلون أنفسهم واسطةً بين الله والناس، ويجبرونهم على تقديم القرابين، ويُضَافُ إلى ذلك أنّ عيسى عليه السلام لم يكن المسيح الذي ينتظره اليهود (المسيّا). لذلك عادوه وحاربوه واعتبروا وجوده خطراً كبيراً على مصالحهم.
الحواريّون
الحواري: معناها المُلاصِق. ومن معانيها صفاء القلب ونقاء السريرة، وكذلك الناصح والمرشد وأبيض القلب.
والحواريون هم تلاميذ عيسى، عليه السلام، الأوائل وكان عدد الحواريين (12) وكان زعميهم بطرس، وكان منهم يهوذا الإسخريوطي بينما التلاميذ كان عددهم (70) تلميذاً وكان منهم برنابا. ولمَّا وقعت الخيانة من يهوذا الإسخريوطي استبدله النصارى بـ (بولس) وجعلوه من الحواريين بدلاً من يهوذا الإسخريوطي.
لماذا يعتقدُ النصارى بصلب المسيح عليه السلام؟؟؟
1. لأن الله، كما يعتقدون، قد غضب على ذرية آدم بعد طرد أبيهم من الجنّة بسبب خطيئة وكان ذلك سبباً لما أصاب البشريّة بعد ذلك من حروب، وفتنٍ وكوارث وبراكين ومصائب وكان الله في ذلك عادلاً. وأراد بعد ذلك أن يرحم بني آدم فآحتار بين الرحمة والعدل، فتوسّط الإبن وآفتدى البشرية بأن ينزل في صورة البشر ويُولَدَ مثلهم ويُصلَبَ ويسُفَك دمُه تكفيراً عن تلك الخطيئة وهم لذلك يسمّونه (المُفتدِى أو المخلِّص).
2. لأنّه حملّ الصليب على كتفيه، وكان من عادة الرومان إن حكموا على شخص بالإعدام أن يحمل الصليب على كتفيه.
خلاصة القول في مسألة رفع عيسى عليه السلام:
قال تعالى: (وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه) آل عمران / 55
وقال تعالى: (إني متوفيك ورافعك إليَّ) النساء / 158
وللعلماء في معنى الرفع ثلاثة أقوال هي:
القول الأول: إنّ عيسى عليه السلام عاشَ بعد أن أنقذه الله من مؤامرة اليهود في مكانٍ بعيدٍ ثمّ توفّاه الله تعالى ورفعه.
ولكنَّ البعض قالوا: إنّ المقصود بالرفع بعد الوفاة هنا هو رفعُ (المكانة والروح). وهذا كلام مردودٌ لأنّه يُفقِدُ المسيح، عليه السلام، تميّزه على الأنبياء والناس ويجعله كعامّتهم.
القول الثاني: أنكر أصحاب هذا القول الرفع كليّةً لا بالروح ولا بالجسد وقالوا: إن المقصود هو (رفع المكانة فقط).
القول الثالث: إنَّ الله تعالى رفع إليه عيسى بن مريم مباشرةً بعد نجاته من المؤامرة اليهوديّة وألقى الشبه على مَنْ خانه (وهو يهوذا الإسخريوطي) فالرفع كان بالجسد والروح. وقد فسَّرَ أصحابُ هذا القول (إنّي متوفّيك) بالوفاة الاعتباريّة غير الحقيقيّة، أو بالوفاة الصغرى ويدلّ صحّة هذا القول الأحاديث الصحيحة الواردة في بعث عيسى عليه السلام ونزوله آخر الزمان حكماً عدلاً يكسرُ الصيب ويقتل الخنزير.
من أبرز الشخصيّات التي أَثّرَتْ في المسيحيّة
أ. أفلوطين: هو واحد من تلاميذ أفلاطون كان يعيش في الإسكندرية، وكما له أثر كبير في رجال الكنيسة وذلك من خلال الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، حيث أخذوا عنه تلك الفلسفة وطوّروها حسبَ ما يناسب معتقداتهم. وأخذت المسيحية عنه نظريّة الفيض التي وضعها وهي تنصُّ على أنّ هناك مُنشِأً أزليّاً فاضَ عنه العقل الفَعَّال، والعقل الفّعال فاضت عنه النفسُ الكُلَّيّةُ وقد تبنّت المسيحية في مجمع نيقية الكثير من آرائه وفلسفاته (مع أنّه لم يكن مسيحيّاً؟!!؟)
ب. الملك قسطنطين: اعتنق هذا الملك الديانة المسيحية وأَمَرَ بتبنِّيها كدينٍ للدولة الرومانية.
ج. بولس أو (شاؤل): وقد كان بولس هذا يهوديّاً معادياً للمسيحيّة وأتباعها وكان تلميذاً للأستاذ (عمانوئيل) اليهودي الذي كان عضواً في المجلس الأعلى لليهود (السنهدرين).
وقد تأثر شاؤل وهو في طرطوس بمدرستين هامّتين:
1. مدرسة الفلاسفة: لأنّ طرطوس كانت مرتعاً للفلسفة آنذاك.
2. المدسة اليهودية: وكانت حاقدةً على المسيح وأتباعه. وكان من أبرز علمائها الأستاذ عمانوئيل عضو السنهدرين "المجلس الأعلى"، وهو أستاذ بولس (شاؤل).
العقائد التي أدخلها بولس على المسيحيّة
أولاً: عقيدة الصَّلب: أخذ بولس هذه الفكرة من أهل الأديان والفلسفات التي كانت موجودةً حوله كالهندوسية والفينقيّة واليونانيّة وأضاف إليها بعض الآراء الغامضة والمصطلحات التي لا يُعرفُ لها معنى مثل (إبن الله الأول بكرُ كلِّ خليقةٍ) (فيه خُلِقَ الكلُّ، والكُلُّ به وله قد خُلِقَ). ومع ذلك فإن القارئ لنصوص إنجليي مرقص ولوقا يرى أنّهما لم يُشيرا إلى أنّ صلبه كان لغفران الخطايا بل كان من أجل خلاص البشريّة من الكُفر.
ثانياً: عقيدة ألوهيّة المسيح: تصّوَّرَ بولس عيسى إنساناً سماوياً سبقت عناصِرُه الروحيّةُ في الوجود وجودَه الجسدي، فهو صورة الله الخفّية ... وقد أخذ بولس هذه الفكرة (أالوهية المسيح) عن الأفكار والفلسفات والأديان المحيطة به. ويلاحظُ أن بولس ذكرَ الثالوث كأشخاصٍ ولم يذكر عقيدة التليث بشكلٍ واضحٍ رغم تبشيره بالثالوث. والثالوث معروفٌ في فلسفة أفلاطون وفي الديانة الهندوسيّة.
ثالثاً: عقيدة أنّ المرأةَ أصلُ الخطيئة: وهذا الرأي هو نفس رأي اليهود في المرأة، وهذا أَثَّرَ كثيراً على الديانة المسيحيّة، فبسبب غواية حوّاء أصبحت مصدراً للإثم! وخلاصُ المرأة أن تعلو على متعة الجسد وتقبل المسيح زوجاً لها بدلاً من أن تخضع لواحدٍ من البشر. ولكي يتم ذلك فإنّ بولس كان يدعو الرجال للابتعاد عن النساء بقدر المُستطاع.
رابعاً: جعل المسيحيّة دعوةً مفتوحةً لجميع العالم والأمم
خامساً: تغييرُ الشريعة: حيث أسقط العمل بالناموس (التوراة)، وغيّر في الكثير من التشريعات المسيحية، ومن ذلك:
1. التسابيح والأغاني الروحية والمزاميز والتراتيل.
2. عدم وجوب الختان
3. قرَّرَ أن الرجل أفضل من المرأة وأنها خُلِقَتْ من أجله.
4. ومن أخطر أمور التشريع أنه كان أحياناً ينسب الأوامر لنفسه تارةً وإلى عيسى، عليه السلام، تارةً أخرى.
5. ومن ذلك استباحة الخنزير وحلُّ السبت وتحريم الأحد عوضاً عنه، والصلاة إلى المشرق بدلاً عن بيت المقدس.
6. جعل لنفسه حقَّ الشريع المُطْلَقِ، لأنَّ روح القدس حلّت فيه.
اعتناق الدولة الرومانية للمسيحيّة
مامن شك أنّ بولس وضع البذرةَ الوثنيّة في المسيحيّة، وقد صار لها أتباع في عهد قسطنطين الحاكم الروماني آنذاك.
لقد عانت المسيحية من آضطهاد الرومان كثيراً، وقد كان هذا آضطهاداً متعمّداً لإلهاء الناس عن الفساد السائد في مؤسسات الدولة الرومانية آنذاك. وقد استمر اضطهاد الرومان للمسيحية فترةً تزيد على ثلاثة قرون ممّا أفقد هذه الديانة الكثير من رجالها وأصولها. وبحلول سنة 311م رأي الإمبراطور غاليرا عقم الجهود في استئصال الديانة المسيحيّة فأعلن فكرة التسامح مع أتباعها ...
ولمّا مات، أصبح موته مجالاً للتنافس بين عددٍ من طالبي الحُكم، فكان كلُّ واحدٍ منهم يريد استرضاء أنصار المسيحيّة وكانت تلك فرصةً ذهبيةً للكنيسة لتبيع تأييدها لمن يناصرها، وقد فاز قسطنطين بتأييد الكنيسة وهو الذي أصبح إمبراطوراً وأصدر مرسوماً سُمّي (مرسوم ميلان) جعل فيه المسيحية ديانةً مُرخَّصةً، وبذلك انتهى الاضطهاد نهائياً. وقد اعتنقت (هيلانة) والدة الإمبراطور الديانةَ المسيحيةَ وكان لها أثرٌ كبيرٌ في إصدار (مرسوم ميلان).
يعتقدُ المؤرّخون أن سبب تسامح قسطنسيطن مع المسيحيين كان أمراً سياسياّ وأنه كان يريدُ أن يجعل الناس على دينٍ واحدٍ بحيث يبعدهم عن الأختلاف الذي كان سائداً حينئذٍ حيث كان لكل بلدٍ أصنامٌ خاصّة به للآلهة.
لهذا فقد قيل (إن الرومان لم يعتنقوا المسيحيّة، وإنما المسيحية هي التي اعتنقت الرومانيّة).
وبعد اعتناق قسطنيطين للمسيحية ظهر الخلافُ سريعاً بين الموحِّدين بزعامة "آريوس" وبين المُثَلِّثين بزعامة "سكندريوس" أو "اثناسيوس" الذي كان بطريركاً للاسكندرية مما أدى إلى عقد مجمع نقية.
وبناءً على ما سبق يمكن القول إن المسيحية هي اسمٌ فقط اعتنقه قسطنطين ليُغلِّفَ به الوثنية السائدة في بلاده، ولهذا فقد كان للوثنية الرومانية الأثر البارز في انحراف المسيحيّة بشكلٍ رسميٍ ونهائيٍ مما أدّى إلى اضطهاد الموحّدين.
مصادر المسيحيّة
1. العهد القديم: فهم يقدّسون نصوص العهد القديم ولكنهم يعتقدون أنها غيرُ مُلزِمةٍ (إلا المذهب البروستتانتي فهو يقول بإنها ملزمة).
2. الأناجيل الأربعة: وتُسمّى الرسائل التاريخية، وهي متى ومرقص ولوقا ويوحنا.
3. رسالة أعمال الرسل، كاتبها لوقا.
4. الرسائل التعليمية ومجموعها 21 رسالة 4 لبولس و7 لآخرين.
5. رؤيا يوحنّا اللاهوتي
كثرة الأناجيل الموجودة آنذاك وأسباب اعتماد هذه الأربعة!!
تم اعتماد الأناجيل الأربعة في مجمع نيقيّة وقد قررّ المجمع إلغاء كل إنجيل أو رسالةٍ لا تتفق مع عقيدة ألوهية المسيح، وهذا يعني أن الأناجيل التي اعتُمِدَتْ لم تكن إلا جزءً صغيراً من قوائم طويلةٍ، تذكرها المصادر المسيحيّة، لأناجيل كثيرةٍ كانت معروفةً ومعتمدةً مثل أناجيل (برنابا، الأبيونيين، متّى الثاني، مرقيون، السبعين، مريم، توما، ماني، يصان) وبناءً على أحد المصادر المسيحيّة فقد كان هناك ما يزيدُ على مائتين وسبعين انجيلاً عند عقد مجمع نيقية!!؟؟
وبالرغم من أنّ الرواية المسيحيّة المتداولة تقول: إنّ اختيار الأناجيل الأربعة تمّ عن طريق التصويت إلا أنَّ هناك مصادر أخرى تقول إنّ طريقة اختيار هذه الأناجيل تمّ بصورةٍ عجيبةٍ؛ فقد تقرّر أن تُوضعَ جميعها تحت طاولةٍ ثم غادر المؤتمرون الغرفة، وطُلبَ من الأساقفة أن يصلّوا طيلة الليل من أجل أن ترفع النّسخة الأصلية على ظهر الطاولة!!! وفي الصباح وجدت الأناجيل الأربعة المقبولة مُرَتَّبَةً بنظامٍ على الطاولة!؟! وعندئذٍ تقررّ إتلاف جميع الأناجيل الأُخرى!؟!.
إنجيل متّى، والانتقادات الموجّهة إليه
متّى هو أحد الحواريين الإثني عشر، وعلى إنجيله مآخذ هي:
1. إن أصل هذا الإنجيل مفقود، الموجود حالياً هو ترجمته اليونانيّة فقط.
2. إن مُترجِمَ هذا الأصل مجهول ولا يُعلمُ من هو.
3. إن تاريخ ترجمته مجهول غيرُ محدَّد.
4. إن هناك خلافاً شديداً حول اللغة التي كُتِبَ بها (عبرية أم آرامية).
5. كما أنّ هناك خلافاً حول تاريخ تأليفه، وذلك راجع لضياع نسخته الأصلية، وهناك تسعة أقوال في ذلك؟؟؟
6. يذكر هذا الأنجيل نسبَ عيسى ابن مريم ليوسف النجار؟؟؟ ويذكر له أجداداً، ولكنّ لوقا في إنجيله يذكر له أجداداً أكثر!؟!
7. يتناقض هذا الإنجيل مع سفر الأيّام، فهو يذكر أنّ الفترة من السبي البابلي إلى ميلاد المسيح 14 جيلاً، بينما يذكر سفر الأيام أنّ الفترة كانت 18 جيلاً !؟!؟


أهمية هذا الإنجيل لدى النصارى
يأتي الإنجيل أولاً في ترتيب العهد الجديد لأنّه يُعتبر امتداداً للعهد القديم بشكلٍ أو آخر. وقد كُتِبَ ليُثبتَ أنّ المسيح يُكَمِّلُ تاريخ بني إسرائيل وقد ذَكَرَ هذا الإنجيل كلمة (الثالوث) لكنّه لم يذكر التثليث كعقيدة.
إنجيل مرقص والانتقادات الموجّهة إليه
يقول المؤرخون إنّ مؤلِّف هذا الإنجيل آسمه (يوحنا) ويُلقَّبُ بـ (بطرس) وأنّ خاله هو برنابا. ويقول مؤرخ المسيحية (إبن البطريق) كلاماً غريباً مفاده (إنّ مؤلِّف إنجيل مرقص هو بطرس، وقد كتبَ هذا الإنجيل نقلاً عن مرقص؟!؟؟) وهنا تبرز التناقضات حول شخصّية مرقص الحقيقيّة؟
1. من هو مرقص؟ وما اسمه (مرقص) أم (بطرس) أم يوحنّا؟؟ يُقال إنّه من التلاميذ ويُقال في الوقت ذاته إنه لا علاقة له بالمسيح وإنّه لم يره مُطلقاً؟ ويقال أنه من التلاميذ السبعين وليس من الحواريين!!.
2. من الكاتب الحقيقيُّ لهذا الإنجيل هل هو مرقص، أم أنه رئيس الحواريين بطرس، وإن كان كاتبه بطرس فهل يصحُّ أو يجوز للأستاذ أن يروي عن تلميذه شيئاً لا يمكن أن يعرفه هذا التلميذ؟!!
3. النُسخة الأصلية لهذا الإنجيل مفقودة.
4. هناك اختلاف حول اللغة التي أُلِّفَ بها هذا الإنجيل عبرية أم يونانية.
5. هناك اختلاف شديد حول زمن تأليف هذا الإنجيل فهو غيرُ مُحَدَّدٍ.
6. التناقض الداخلي في رواياته الداخلية وأحداثه وعدم اتفاق نسخه المخطوطة.
إنجيل لوقا والانتقادات الموجّهة إليه
لوقا هو تلميذ بولس، وقد اتفق النصارى على أنه لم يرَ المسيح وأنه ليس من تلاميذه وكذا حال أستاذه بولس، فلوقا هو تلميذُ تلميذِ التلميذ.
الإنتقادات الموجَّهةُ لإنجيل لوقا
1. إنّ لوقا لم يكن تلميذاً للمسيح ولم يره ولم يذكر مصدر روايته لإنجيله.
2. إنّ أصل هذا الإنجيل مفقود.
3. إنّه تناقض مع متى في ذكر نسب المسيح وشجرته.
4. هناك اختلاف في تاريخ تدوين هذا الإنجيل.
5. هناك اختلاف في جنسيّة لوقا أروماني أم أنطاكي؟؟
6. هناك اختلاف في مهنته طبيب أم مصور (رسام).
7. أنفرد بذكر قصّة (زكريا وزوجته) عن بقيّة الأناجيل وهذا مثال واضح على الاختلافات بين هذه الأناجيل.
8. أنّه كتب انجيله بناءً على طالب الحاكم ثاوفيلس.
إنجيل يوحنّا والانتقادات الموجَّهةُ إليه
1. يوحنّا هو أحد حواريي المسيح حسب اعتقاد النصارى، وقد كان صياداً بسيطاً متواضعاً والراجح أنّه ليس كاتب هذا الإنجيل المكتوب بهذا المستوى من الفلسفة. والراجح كذلك أنّ أحد تلاميذه هو الذي كَتَبَهُ ونَسَبهُ إلى أستاذه ليكسب ثقة الناس في إنجيله.
2. لم يُذكَرْ اسمُ مؤلّف هذا الإنجيل مُطلقاً فقد حملت مخطوطته اسم (التلميذ الحبيب للمسيح).
3. السبب المباشر لكتابة الإنجيل الاستجابة لطلب أساقفة آسيا الذين أرادوا التأكيد على ألوهية المسيح (في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله). فهو الإنجيل الوحيد الذي يذكر ألوهيّة المسيح دون الأناجيل الثلاثة وقد اعتمد مجمعُ نيقية هذا الإنجيلَ بعد سنةٍ من آنعقاده لأنّه الوحيدُ الذي يذكر ألوهيّة المسيح، ويُصَرِّحُ بها.
4. هناك اختلافٌ شديدٌ في سَنَة تدوينه.
وهناك اختلاف شديد بين مؤرِّخي المسيحية المعاصرين في مَن دوّنه فقد قال مؤلّفو دائرة المعارف البريطانية (لا شك في أنّ مؤلِّف إنجيل يوحنا شخص آخر غيرُ يوحنّا الحواري المشهور، وقد ادّعى مؤلِّفه في متنه أنه التلميذ الحبيب إلى المسيح، فأخذت الكنيسةُ هذه الجملةَ على علاّتها وجزمت بأنّ الكاتب هو يوحنّا الحوراي وإنّ الذين يحاولون الربط بين الفيلسوف الذي ألَّفَ هذا الإنجيل وبين يوحنّا لن يجدوا لمحاولتهم هذه أيَّ سند).
5. يختلف هذا الإنجيل عن الثلاثة الأخرى كذلك في ترتيبه واختيار موضوعاته وأساليب الرواية الجغرافيّة والتعاقب الزمني للأحداث.
ملاحظات هامة على رسائل بولس (الرسائل التعليمية)
1. إن رسائل بولس لا تشير إلى أي إنجيل من الأناجيل الأربعة مما يدل على أنها كُتِبَتْ قبل الأناجيل وليس له علم بها.
2. رسائل بولس رسائل شخصيةٌ بحته. يقول بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس: وأمّا العزاب فليس عندي لهم وصية خاصّة من الرب ولكني أعطي رأياً باعتباري نلت رحمةً من الربِّ جديراً بالثقة".
3. لم يعرف بولس عن المسيحية سوى الصَّلب وسفك الدم، وأنّ هذا شيء اختص به، أمّا غير ذلك من تعاليم المسيح فقد أهمله. يقول بولس: "إذا كنت عازماً ألا أعرف بينكم إلا يسوع المسيح وأن أعرفه مصلوباً". كونثوس 2/2.
4. كان بولس يردد أفكاراً كانت شائعة في زمانه ولكن المسيح لم يكن يُبَشِّر بها.
المجامع المسيحية
المجامع هيئاتٌ شوريةٌ في الكنيسة المسيحية، رسم الرسلُ نظامَها في حياتهم، إذ عقدوا المجمع الأول في أورشليم سنة 105م، برئاسة الأسقف "يعقوب الرسول" للنظر في ختان الأممي (غير اليهودي) ثم نسجت الكنيسة على منوالهم.
والمجامع قسمان:
1. مجامعُ مسكونيّةٌ (أي عالمية؛ وسُميّت مسكونيةً نسبةً إلى الأرض المسكونة).
2. مجامع محلية أو مكانيّة.
وقد عُقدت المجامع المسكونية عدَّةً مرات في القرون الأولى، وشهدها ممثلو الكنائس في جميع الأقطار، وكان السبب الرئيسي لعقدها ظهور مذاهب دينية عُدّت غريبةً ينبغي فحصها وإصدار قراراتٍ بشأنها وشأن مبتدعيها. وقد عُقِدَ من المجامع المسكونية عشرون مجمعاً ابتداءً من مجمع نيقية سنة 325م حتى مجمع الفاتيكان الأخير في القرن الماضي. ولا يعترف الآرثوذكس إلا بقرارات المجامع السبعة الأولى التي كان آخرها مجمع نيقية الثاني سنة 787م. ومن أهم المجامع مجمع "نيقية" الأول ومجمع القسطنطينية الأول، وفيهما تقررت العقائد الرئيسية المسيحية التي تلتقي حولها جميع الفرق والمذاهب المسيحية، (ألوهية المسيح وألوهية روح القدس واستكمال عقيدة التثليث بذلك)، مجمع أفسس ومجمع خلقدونية.
وأما المجامع المكانية فكثيرة وكانت الكنائس ولا تزال تعقدها في حَيِّزِها الخاص لإقرار عقائد مُعَيّنةٍ، أو رفض بعض العقائد، أو للنظر في بعض الشؤون المحلية.
أهم قرارات مجمع نيقية
1. تحريم القول بأنّ الزمن قد خلا من إبن الله بتاتاً.
2. القول بالتثليث وبألوهيّة المسيح ونزوله ليُصلبَ تكفيراً عن خطيئة البشريّة.
3. عدم التصريح لمن يترمّل من الكهنة بأن يتزوج مرّةً أخرى.
4. إختيار الأناجيل الأربعة التي لا تتعارض مع قرارات المجمع السابقة.
5. طرد كل مّن يخرج على هذه العقيدة.
أهم قرارات مجمع نيقية الثاني
1. تقديس صور المسيح والقدّيسين.
2. وضعها في الكنائس والبيوت والطرقات.
3. جواز طلب الشفاعة من مريم العذراء.

مجمع خلقيدونية
لم يحسم مجمع أفسس الأول مسألة اجتماع العنصر الإنساني والإلهي في المسيح، ولم يفلح في القضاء على نسطور وانعقد لحسم المسألة بمجمع أفسس الثاني الذي تُسميّه الكنسية الكاثوليكية "مجمع اللصوص"، والذي كانت الكنيسة الشرقية في الإسكندرية قد عقدته وقررّ أنّ للمسيح طبيعةً واحدةً فقط اجتمع فيها اللاهوت بالناسوت. فانعقد بسبب ذلك مجمع خلقدونية للردّ على الكنيسة الشرقية الاسكندرية، وأصدر القرار الذي أدى لانشقاق الكنيسة وهو ما يلي:
1. إنّ للمسيح طبيعتين:
أ. طبيعة لاهوتية في السماء مع أبيه.
ب. طبيعة ناسوتية (إنسانية) في الأرض مع الناس.
وإن هاتين الطبيعتين إلتقا في المسيح
2. إن مريم العذراء وَلَدتْ إلهنا ربَّنا يسوع المسيح.
3. لعن نسطورس (نسطور) ودسيقورس (بطريرك الاسكندرية الثاني) ومن قال بمقالته ونفيه ولعن المجمع الثاني (مجمع اللصوص).
أثر مجمع خلقيدونية على المسيحيّة
انقسام الكنيسة وانشقاقها إلى كنيستين مُتصارعتين هما:
أ. الكنسية الشرقية: ومن أمثلة اتباعها:
1. نسطور
2. ديسقورس (بطريرك الإسكندرية الثاني) وكانت هذه الكنسية تتبنىّ القول بأن للمسيح طبيعةً واحدةً فقط هي الطبيعة اللاهوتية وأن المسيح كان إلهاً في الأرض.
ب. الكنيسة الغربية الكاثوليكية: التي أرادت إجبار الناس على رأيها في أن للمسيح طبيعتين لا طبيعة واحدة وأن الطبيعتين إلتقتا في المسيح ابن مريم.
أصول التثليث وحقيقته
لقد قال الكثيرون من أهل الأديان والأمم السابقة بتعدُّد الآلهة ومن أشهر هؤلاء الآشوريون والبابليون والهنود واليونانيون وأهل الصين فالتثليث كان معروفاً عند هذه الأمم الوثنية وقد أخذه بولس بمفاهيم وأسماء جديدة.
ويقوم التثليث عند المسيحيين على أنّ طبيعة الله عبارة عن ثلاثة أقانيم متساوية هي الله الآب والله الإبن والله الروح القدُس. فالأب ينتمي إليه الخلق بواسطة الإبن وإلى الإبن الفداء وإلى الروح القدس التطهير.
فلكلٍ من هؤلاء الثلاثة وظيفة كما نرى (الأول للخلق والثاني الفداء والثالث للتطهير) ويحاول الكتّاب المسيحيون دائماً في دفاعهم عن التثليث إثبات ثلاثة أمور هي:
أولاً: إثبات أنّ أصل التثليث موجود في التوراة ولكنها لوّحَتْ به ولم تصرِّح، وأشارت إليه ولم توضِّح.
ثانياً: إنّ في اللاهوت ثلاثة أقاليم وهي في شُعَبِهَا مُتَغايرةٌ وإن كانت في جوهرها غير مُتغايرة.
ثالثاً: إنّ العلاقة بين الآب والأبن ليست ولادةً بشريّةً بل هي علاقة المحبّة والاتحاد في الجوهر.
والأقانيم كلمة سُريانية الأصل مفردها (أقنوم). وهي تعني: الشخص الكائن المستقلّ في كيانه.
ويحددّ اللاهوتيّون معناه بقولهم (إلاله الواحد في ثلاثة أقانيم متميزين، كل أقنوم بذاته، طبيعتهم واحدة، وجوهرهم واحد وهم أزليّون على حدٍّ سواءٍ ولكن باختلاف المنشأ؛ فالأب موجود بنفسه لم يأخذ الوجود من سواه والابن متولِّدٌ من الآب والروح القدس منبثقٌ من كليهما.
الإنتقادات العقلية لعقيدة التثليث
1. إن وجود التثليث والوحدانية يعني اجتماع الضدّين، وهو أمرٌ مستحيلٌ كما أنه يلزمُ منه تعدُّدُ واجب الوجود وهو مستحيل أيضاً في العقل؛ فالذي يقول بالتثليث لا يمكن أن يُسمَّى موحِّداً.
2. إنّ أقوال المسيح تتناقض مع عقيدة التثليث، وهناك أقوال معتمدةٌ في الأناجيل الأربعة المعتمدة تؤكد هذه الحقيقة وتدعمها، ومن ذلك جاء في إنجيل يوحنّا (وهذه هي الحياة الأبديّة أن يعرفوك أنتَ الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلتهُ).
ما جاء في إنجيل مرقص (فجاء واحدٌ من الكَتَبة، وسمعهم يتحاورون فلّما رأى أنه أجابه حَسَناً أجابه يسوع: إنّ أوّل كلِّ الوصايا هي اسمع يا إسرائيلُ الربُّ إلهُنا ربٌّ واحد).
وجاء في إنجيل يوحنا أنه قال لمريم المجدلية (إنّي أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم)
ذكر عقيدة الصّلب والانتقادات الموجّهة إليها
الصلب عقيدةٌ وثنيّةٌ وهو عقيدةٌ أساسيّة عند النّصارى، ولكنّ الاناجيل الأربعة متناقضة ومختلفة في إيرادها لقصّة الصلب ويعتقد النصارى أنّ سبب نزول عيسى وهو ابن الله جاء من أجل أن يُصلبَ تكفيراً عن البشريّة وخطيئتها الأصلية ولتحقيق العدل والرحمة.
نقض عقيدة الصّلب وأهم الانتقادات الموجهة إليها
لقد ذكر أحمد شلبي هذه الانتقادات وفَصَّلَها كما يلي:
1. أين العدل والرحمة في صلب وتعذيب إنسانٍ غير مذنب؟ فإن قالوا: هو يريد ذلك لنفسه قلنا لهم: من يعذَب نفسه هو مُذنبٌ حتى لئن كان يريد ذلك؟!.
2. إن كان المسيح هو ابن الله فأينَ كانت عاطفة الأبوّة حينما كان الابن يُعذّب؟!!
3. ثمّ مَن هو الذي قيَّدَ الله (الأب) وفَرضَ عليه وألزمهُ بصلب ابنه؟
4. لقد لزم العقاب لذريّة آدم بسبب ذنوب آبائهم وسابقيهم، وهذا يناقض أقوال التوراة نفسها؟
5. لماذا يكره المسيحيون اليهود؟ فالمفروض أن يحبّوهم لأنّهم نَفَّذُوا مشيئة الله بصلب ابنه؟!؟
6. ألم تكن هناك وسائل أخرى غير الصلب؟
7. أينَ كان عدل الله ورحمته قبل عيسى؟!
8. كل الشرائع متفقة على وجوب مناسبة العقوبة للذنب والجريمة، فهل الأكل من الشجرة (ذنب آدم) يناسبه ويوازيه أن تُعاقبَ البشريةُ كلّها بسبب ذلك؟؟!
9. إن كان صلبه كفّر خطايا السابقين له، فماذا عن خطايا المستقبل والناس من بعد صلبه؟؟!!
أحداث القيامة
هناك قيامتان عند النصارى:
القيامة الأولى: عند رجوع المسيح عيسى ليأخذ الأبرار والقدّيسين إليه في السماء بعد أن يشاركوه في حُكم الأرض.
القيامة الثانية: وستكون بعد حُكم المسيح للأرض ألف سنة.
ومن أهم علامات القيامة:
1. الآرتداد عن المسيحيّة               2. الفساد الخلقي               3. الحروب والكوارث
4. ظهور المسيح الدّجال. وقد وردت صفاته في العديد من نصوص رؤيا يوحنّا اللاهوتي وهي:
أ. يُخرِجُ ناراً من فمه تأكل أعداءه        ب. يمنع المطر عن الناس
ج. يُعطى سلطاناً عظمياً بسبب كذبه وتدجيله ويسجد له الناس لهذا السبب.
د. تستمر مدّة حُكمه إثنين وأربعين شهراً.               
هـ. يقاتل المسيح الدّجال يسوع المسيح فيقتله يسوعُ المسيح.
الحساب والجزاء في المسيحية
1. المسيح يسوع هو الذي يُحاسبُ الناس.
2. تُنشرُ الصحف وسجلاَّت أعمال الناس.
3. إنَّ الحساب سيكون لجميع الناس فرداً فرداً وسيكون دقيقاً.
4. إنّ الحساب سيكون على أرضٍ جديدةٍ، وبعد أن يرافق ذلك تغيُّرٌ في معالم الكون.


أبرز الفرق والكنائس المسيحيّة
1. الآرثوذكسيّة
الآرثوذكس: كلمة لاتينية معناها المتشدّدون أو المتعصّبون ويمكن أن نوجز أهم الأصول الاعتقادية للأرثوذكس فيما يلي:
1. المسيح له طبيعةٌ واحدةٌ ومشيئةٌ واحدةٌ في أقانيمة الثلاثة. فهو في كلِّ أقنومٍ منها يحمل هذه الطبيعة الإلهية. ولذلك كان الردُّ القرآني على أصحاب هذا المذهب بقوله سبحانه: (لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم).
2. روح القدس نشأ عن الإله الأب فقط.
3. يُفهم من نصوصهم أفضلية الأب على الابن.
4. رفض الآرثوذكس ما ذهبت إليه الكنيسة الكاثوليكية من جواز أكل دم المخنوق ومن أباحة أكل لحم الخنزير للرهبان.
5. لا يعترفون بـ (بابا) روما ولا يقولون بعصمته.
2. الكاثوليكيّة
كلمة لاتينية تعني العامّة، لأنها تُدْعى أمّ الكنائس ومعلّمتُها، ولأنها وحدها هي التي تنشر المسيحية في العالم. وهي امتداد للمذهب الملكاني القائل بأن للمسيح طبيعتين ومشيئتين
أهم أصولها العقائدية
-   إن كل مَنْ ابتغى الخلاص وجب عليه قبل كل شيء أن يتمسك بالإيمان الكاثوليكي أي الإيمان الجامع العام للمسيحية.
-       الإيمان الكاثوليكي هو أن نعبد إلهاً واحداً في تثليث، وثالوثاً في توحيد.
-       لا نمزج الأقانيم ولا نفضل الجوهر.
-       إن الأب أقنوم على حدة، والابن أقنوم على حدة، وللروح القدس أقنوم آخر.
-       الآب والابن والروح القدس لاهوتٌ واحدٌ متساوٍ.
-       الآب غيرُ مخلوق، والابن غير مخلوق، والروح القدس غير مخلوق.
-       وهكذا الآب إله والابن إله والروح القدس إله ولكن ليسوا ثلاثةَ آلهةٍ بل إلهٌ واحدٌ.
-   وكما أن الحق المسيحي يكلفنا أن نعترف بأنّ كلاًّ من هذه الأقانيم بذاته إلهٌ وربٌّ فإنّ الدين الكاثوليكي ينهانا عن أن نقول بوجود ثلاثة آلهة وثلاثة أرباب.
-       البابا معصومٌ ولا يُخْطئ لأن الروح القدس ينطقُ من خلاله بوصفه خليفة بطرس الرسول.
-       الروح القدس نشأ عن الآب، والإبن عن الآب وحده.
-       للمسيح طبيعتان ومشيئتان.
3. البروتستانتيّة
هي مذهب أو فرقة من فرق النصارى التي ظهرت في العصر الحديث إبان القرنين السادس السابع عشر.
وتعني كلمة Protest الإعتراض والاحتجاج، أو رفض الأمور التي لا توافق مبادئ الكتاب المقدس.
وقد أسسها الراهب الألماني مارتن لوثر
كان للبروتستانتية عدة مبادئ وأفكار نجملها في النقاط التالية:
1. الخضوع لنصوص الكتاب المقدس وحده. وحول هذا القول يقول مؤسسها لوثر: "يجب أن يكون الكتاب المقدس مرجُعنا الأخير".
2. عدم الإيمان بعصمة البابا أو رجال الدين.
3. مهاجمة الدَّجَلِ الكذب، ولا سيما صكوك الغفران.
4. الخلاص من العذاب برحمة الله وكرمه فقط.
5. عدم الوساطة والشفاعة بين الله وعباده من أيِّ أحد سوى المسيح. فهم لا يؤمنون بالاعتراف في الكنيسة أمام الراهب.
6. عدم الاعتراف بطقوس البخور والهيكل، ومحاربة الصور وتعليقها في الكنائس.
7. عدم الاعتراف بأعياد الكنائس الأخرى.
8. منع صناعة التماثيل أو السجود لها في كلِّ الأحوال.
9. الصيام عندهم ليس واجباً إنما سُنّةٌ حَسَنةٌ.
10. الصلاة عندهم ليس لها مقدارٌ محدّدٌ، وتعود إلى ذوق الفرد.
حاول لوثر تقييد حرّية رجال الدين المسيحي وبالذات على الصعيد السياسي الذي تفرّد به البابوات.
أبرز وأهمُّ الشعائر المسيحيّة
1. التعميد
واحدةٌ من العبادات الوثنية القديمة وأصوله تتلخَّصُ فيما يلي:
1. العماد (التعميد) هو سِرُّ الولادة الجديدة المطهِّرة، وهذه الولادة لا يمكن الحصول عليها دون تعميد.
2. نتيجته الأساسية الأولى الإدخال في الكنيسة.
3. به تحطمّ كل الخطايا ويتم التخلص من العذابات الأبدّية والدنيويّة.
وقت التعميد
لم يتفق المسيحيون على وقت معين للتعميد:
أ. فبعضهمُ يُعَمِّدُ الشخصَ في طفولته حتى ينشأ الطفل المسيحي بريئاً من الذنوب، وهذا هو الغالب.
ب. وبعضهمُ يَعِّمدُهُ في أيَّ وقتٍ من حياته.
ج. والبعض الآخر يجري التعميد والشخص على فراش الموت بحجة أنَّ التعميد إزالةٌ للسيئات وتطهير من الذنوب وهذا هو ماحدث بالنسبة لقسطنطين إمبراطور الرومان حامي المسيحية وهو على فراش الموت.
د. عند اعتناق المسيحية من غير أهلها.
طريقة التعميد
هي رش الماء على الجبهة أو غمس أيِّ جزءٍ من الجسم في الماء. ويكثرُ أن يُغْمَسَ الشخصُ كلُّه في الماء. وكلّ ذلك بمعرفة كاهنٍ يعمّدُ الشخص المسيحي باسم الآب والإبن والروح القدس. أما في حالات الضرورة فيجوز أن يقوم بالتعميد غيرُ الكهنة ويُسمى تعميد الضرورة.
وبمجرد ولادة الطفل يحضره والده إلى الكنيسة لتعميده وإلا ظل كافراً، فبالعماد فقط يصير الإنسان مسيحياً، وطريقة العماد في الكنائس هي نفس طريقة يوحنا؛ فقد صنعوا بئراً أو بركةً صغيرةً في كل كنيسة ـ على غرار نهر الأردن الذي كان يوحنا يعمد الناس فيه ـ وملاؤا البركة بالماء، فإذا احتاجوا لتعميد شخصٍ لتنصيره سواء كان طفلاً حديثَ الولادة وُلِدَ لأبوين مسيحيين أم كان رجلاً أو امرأةً اعتنقت المسيحيّة حديثاً فإنه يخلع ملابسه ويصير عارياً كما ولدته أمه، ثم يأتي الكاهن ومساعدوه ويحملونه ويضعونه داخل البئر ويقومون بتغطيسه بأكمله ثلاث مرات في البحيرة حتى يطهر من دنس الحمل وخطيئة الميلاد ويصير مباركاً.
(ومقصود التعميد في المسيحية أنها ختم عهدالنعمة وسرّها كما كان الختام في الشريعة الموسوية وأنها تمحو الخطيئة الأصلية في النفس وتلدها ثانية، وتعطي صاحبها حريةً ومقدرةً على فعل الخير).
2. الاعتراف
طريقة يتحكم من خلالها الرهبان ورجال الكنيسة بالناس ويطّلعون على أسرارهم، ويبتزونهم حيث يعتقد المسيحيون أنّ التوبة تُنقلُ عبر الكاهن إلى الربِّ، وتعود إلى صاحبها عبر الكاهن أيضاً فيغفر له، وعن هذا نشأ ما يُسمّى بصكوك ....

3. الدَّهنُ بالميرون المقدّس
كان ذلك من قبيل التشبُّهِ بالحنوط والطيب الذي دُهِنَ به جسدُ المسيح عند دفنه، حسب اعتقادهم، وقد اقتسمها الرسل بعد قيامة المسيح وتوارثها آباء الكنيسة عن الرسل. والميرون هو مزيج من العقاقير عليه بقايا تحدّرت من الدهن الذي صنعه الرسل ولا يمسح بالميرون إلا الكَهَنَةُ.
4. المسح على المريض
سرٌّ يمسحُ الكاهن بمقتضاه المريض بزيتٍ مقدّسٍ ويستمدُّ له الشفاء من الله روحياً وجسدياً.
5. العشاء الربَّاني
ويُسمَّونه "التناولَ" أو "القربان المُقَدَّس" التابع لفكرة "العشاء الرباني" أو "العشاء الأخير" وهو عشاء المسيح الأخير مع تلاميذه؛ إذ اقتسم معهم الخبز والنبيذ، والخبزُ يرمز إلى جسد المسيح الذي كُسِرَ لنجاة البشرية، أما الخمر فيرمز إلى دمه الذي سُفِكَ لهذا الغرض. ويُستعمل في العشاء الرباني قليل من الخبز وقليل من الخمر لذكرى ما فعل المسيح ليلة موتهِ، وكذلك ليكون هذا طعاماً روحياً للمسيحيين، فمن أكل هذا الخبزَ وشرب هذه الخمرَ استحال (تحوّلَ) الخبزُ إلى لحم المسيح والخمرُ إلى دمه فيحصل امتزاج بين الآكل وبين المسيح وتعالميه.
وأصل هذه الفكرة ماجاء في إنجيل لوقا (وأخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم، اصنعوا هذا لذكري وكذلك الكأس أيضاً بعد العشاء قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يُسْفَكُ عنكم).
سرُّ التناول هذا هو سرُّ جسد يسوع ودمه، تحت عوارض الخبز والخمر إذ يعتقدون ما يسمّونه بالاستحالة وهو تحول الخبز إلى جسد المسيح والخمر إلى دم المسيح فمن أكل في ذلك اليوم خبزاً فقد امتزج جسده بجسد المسيح ومن شرب خمراً فكأنماامتزج دمه بدم المسيح ويتم هذا السرُّ إحياءً لذكر ذبيحة الصّليب في أعياد الفصح.

************************************************************
مراجعة عامّة هامّة لمادة "الأديان ـ 1 ـ"
إعداد الدكتور راجح السباتين / جامعة طيبة / كلية العلوم والآداب بالعلا
التعريف اللغوي والإصطلاحي للأديان والمذاهب.
أ- الأديان: جمع دين، والدين في اللغة يعني الطاعة والانقياد.
أما الدين في الاصطلاح العام فهو ما يعتنقه الإنسان ويعتقده ويدين به من أمور الغيب والشهادة.
أمّا في الاصطلاح الشرعي الإسلامي فهو التسليم لله تعالى والانقياد له والدين هو ملة الإسلام وعقيدة التوحيد التي هي دين جميع المرسلين من لدن آدم ونوح إلى خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام). وبعد أن جاء الإسلام فلا يقبل الله تعالى من الناس ديناً غيره.
ب- المذاهب:  جمع مذهب. وهو في اللغة: الطريقة والمُعتقَدُ الذي يذهب إليه الإنسان.
أمّا في الاصطلاح فالمذهب هو مجموعة الآراء والأفكار التي يراها أو يعتقدها الإنسان حول جانب أو أكثر من حياته العلمية أو العملية في الاعتقاد أو النظام أو السلوك.
ج- الفرق بين الدين والمذهب:  الدين أشمل من المذهب وأوسع مفهوماً؛ لأن الدين يشتمل على اعتقاد الإنسان حول الخالق والمخلوقات وأمور الغيب والآخرة، أما المذهب فيكون في بعض هذه الأمور، أو مسائل منها، وقد يكون في أمور الحياة فقط.
الحالة الدينية في العالم في هذا العصر: من البدهي لدى كل مسلم أن الإسلام- عقيدة وسلوكاً- هو الميزان الصحيح والحكم العدل، في تقويم الأديان المذاهب والحكم على مدى استقامة الأمم والشعوب، أو انحرافها.
وعلى هذا فإن المتأمل لحال البشرية الدينية اليوم يرى أن الناس على أربعة اصناف:
الصنف الأول: مسلم متمسك بدينه، معتصم بكتاب الله وسُنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، يؤمن بالله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على هدى من دين الله وبصيرة.
الصنف الثاني: المنتمون للإسلام، وهم على شيءٍ من الانحراف والضلال، أو على الكفر، أو الجهل وهم مع الأسف كثيرٌ مِمَّنْ يدعي الإسلام من الصوفية، والرافضة، والباطنية: الاسماعيلية، والنصيرية، والمقابريين، وأصحاب المبادئ والاتجاهات الهدامة: كالاشتراكية، والبعثية، والقومية، والعلمانية، وسواهم من ذوي الانحراف العقدي والعملي.
الصنف الثالث: أتباع الديانات الضالة: وهؤلاء: إمّا كتابيون، وهم الذين ينتمون إلى الأديان المُنزلة من الله في أصلها  ولكن دخلها التحريف والشرك ثم نُسِخت، وهم اليهود والنصارى. وإمّا وثنيّون يتبعون ديناً مبتدعاً يقوم في أصله على الشرك والوثنية وتقديس المخلوقات كالبراهمة والبوذيين والكنفوشيين، والمجوس وأكثر الفلاسفة، وهذا الصنف كافر صريح الكفر، وعلى المسلم أن لا يرتبط معهم بأخوة أو مودة أو ولاء، لأنهم محادّون الله ورسوله.
الصنف الرابع: الملاحدة: وهم الذين لا يدينون بدين، أو يَتَّبِعُون مذاهب تجحد وجود الخالق سبحانه وتعالى، وهم بعض الفلاسفة، والدهريون والشيوعيون وبعض العلمانيين ونحوهم. وهم كُفّارٌ ملاحدةٌ، وعلى المسلم أن يتبرأ منهم ويعاديهم، فلا يواليهم ولا يصادقهم ولا يوادهم وأن يكون على حذر منهم.
واجب المسلم تجاه هذا الواقع: أن يكون على بصيرةٍ من أمره، واعياً ومدركاً لواجبه وما يدور حوله، وما يُحاك لدينه وأمته، ليعرف الخير ويتمسك به ويدرك الشر ويحذره، ويكون جندياً مخلصاً لعقيدته ودينه وأمته. أن يكون يقظاً فطناً، يفهم دينه وعقيدته ويدرك ما يحاك حوله لدينه وأمته من كيدٍ ومكرٍ وعداءٍ، ويطلع- بعد أن يفهم دينه- على ما حوله من ديانات ومذاهب واتجاهات منحرفة ضالة، فيزنها بميزان الإسلام.
ومن الملاحظ في تعريفات الدين، أن هناك اختلافاً بين تعريفات الغربيين، وبين تعريفات العلماء المسلمين، فهو عند علماء الغرب خاضع لنظرة الشخص إلى ما يعتقد، بينما هو عند العلماء المسلمين نابع من مفهوم الدين نفسه ومعطياته.
فالدين، طبقاً للتعريف السابق، لا بد أن يشتمل على أربعة عناصر أساسية وهي:
1- العقيدة.         2- الشريعة.        3- المقدسات.             4- العبادة.
مختصر آراء العلماء الغربيين المعاصرين في نشأة الدين:
حاول علماء الاجتماع والنفس دراسة الإنسان من جميع جوانبه، ومن بين هذه الجوانب مسألة الدين عنده وتطويرها ونشأتها وتأثيرها على الفرد والمجتمع، وقد ظهر رأيان أساسيان حول نشأة الدين عند الإنسان:
الأول: يقول أن الأديان أمورُ مستحَدثةٌ وأعراضٌ طارئةٌ على البشرية. ولقد بينت شواهد التاريخ خطأ هذا الرأي، حيث إن التديُّنَ ظاهرة عامة يشترك فيها الناس جميعها.
الثاني: إن الدين كان موجوداً منذ بداية الخليقة بأشكال ولدوافع متعددة، وقد مرَّ الدين في نظرهم بمراحل مختلفة، كل مرحلة تتميز عن سابقتها بتطوِّر المعارف الإنسانية، على أن نشأة الدين عند أصحاب هذا الرأي في المراحل جميعها كانت للحماية من الظواهر الطبيعية أو الحيوانية، أو لكسب منافع تعود على الفرد والمجتمع بالخير، وقد أسهم انتشار نظرية داروين- نظرية التطور- وإيمان بعض العلماء الغربيين من علماء الأديان بهذه النظرية إلى ظهور نظرية التطور الدينية.
والإسلام يرفض في مبادئه كلَّ هذه النظريات، فهو يقرر ما يلي:
أ- إن الإنسان مخلوق مُكَرَّمٌ يمتاز عن بقية المخلوقات بما يجعله سيداً في هذا الكون.
ب- إن أول المخلوقات البشرية هو آدم عليه السلام، وهو نبي كريم، فهو الإنسان الأول في هذه الحياة، وهو إن كان هو ومَنْ في عصره في تأخرٍ اجتماعيٍ، فإنه من ناحية دينيةٍ قد جاء بدين متقدّمٍ، ليس من عنده، ولكن من عند خالقه.
ج- إن كلَّ أمةٍ خلقها الله قد بعث فيها رسولاً، يقول تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) وقال سبحانه وتعالى: (وإن مِنْ أمةٍ إلا خلا فيها نذير).
د- إنَّ الدين الذي ارتضاه الله ودلَّ عليه العقل وارتضته النفس السليمة وهو دين التوحيد، وبذا فهو الدين الأوحد الذي جاءت به الرسل والديانات، ولم يأتِ نتيجةَ تطور العقول والمجتمعات والحضارات.
حاجة الناس إلى الدين: قضية الدين في الإنسان هي قضية فطرية غريزية، فالدِّينُ يعبِّرُ عن حاجات النفس الإنسانية في مختلف ملكاتها ومظاهرها، ولا يمكن أن يعيش الإنسان في حياته متوازناً مطمئناً إلا بوجود الدين في عقله وقلبه يلبي حاجاته الروحية والنفسية، والتي لا يلبيها إلا الدين.
نشأة علم مقارنة الأديان، وأَهميَّتهُ، وَتَقدُّمُ المسلمين في هذا المجال:
إذا كان هناك فريق من الباحثين والدارسين، يقرر أن الدراسات الجادة والجهود العلمية الدقيقة في مجال علم الأديان لم تَظهرْ حقيقةً إلا مع كتابات (ملر) في القرن التاسع عشر الميلادي، فإنَّه من المؤكد أنَّ مفكّري الإسلام قد قدّموا إسهامات كبيرة لا يمكن إغفال قيمتها العلمية، أو التقليل من شأنها، في مجال علم الأديان بقسميه: تاريخ الأديان ومقارنة الأديان. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يمكن القول: أنه من المرجح أن يكون لمفكري الإسلام الفضل الأسبق في خوض غمار هذه الدراسات. وإذا استعرضنا الأسباب الهامة والرئيسة التي ساعدت مفكري الإسلام، أو بالأحرى حفَّزتهم، على الاهتمام بدراسة الأديان، فيمكن أن نختصرها بما يلي:
أولاً: لقد وردت في القرآن الكريم إشاراتٌ متعددةٌ إلى أديانٍ مختلفةٍ، وكانت موجزة، فكان على العلماء المسلمين أن يتوسعوا في دراسة هذه الأديان، لكي يقدموا المعلومات الكافية عنها، وذلك في إطار تفسيرهم للقرآن الكريم.
ثانياً: إنه في إطار دعوة القرآن الكريم المسلمين إلى التفكير، كانت هناك دعوة ضمنية إلى ضرورة التعرف إلى الأديان الأخرى، حتى يتسنَّى معرفة الحق من الباطل، والخطأ من الصواب في مجال الاعتقاد الديني.
ثالثاً: إذا كان من أهم المعطيات الإسلامية الأساسية أن الإسلام هو آخر الأديان السماوية، فإن تبرير أو تأكيد هذا القول وتأييده وإثبات صحته إنما يستلزم بالضرورة التعرُّفَ على الديانات الأخرى السابقة على ظهور الإسلام، وما فيها من مواضع صِحَّةٍ ومكامن ضعفٍ، ومن ثم يمكن التعرف على نقاط الاتفاق والاختلاف مع الإسلام، الأمر الذي لا يتحقق إلا بالدراسة العلمية المقارنة للأديان.
رابعاً: إذا كان قد ورد في القرآن الكريم أن الدِّين الحقَّ إنما هو دين الإسلام، وأنَّ ما عداه من عقائد وأديان باطل، أو هو انحراف عن الدين الصحيح، فإنه كان لا بد للعلماء المسلمين من التعرُّفِ على هذه العقائد والديانات الأخرى ودراستها دراسةً علميةً، حتى يستطيعوا إثبات صحة المبادئ القرآنية من جهةٍ، وحتى لا يأتي المسلم بقول أو فعل يضاهي ما ورد في هذه العقائد التي تخالف العقيدة الإسلامية، من جهةٍ أخرى.
خامساً: عندما انتشر دين الإسلام، وكثرت الفتوحات الإسلامية للبلدان الأخرى، واتسعت رقعة الدولة الإسلامية لتشمل أمماً متعددةً ذات ديانات مختلفة، حدث احتكاك ثقافي وعقائدي بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، وقد كان من أهم مظاهر هذا الاحتكاك الفكري والعقائدي ظهور المناقشات والمجادلات الدينية، الأمر الذي استلزم من مفكري الإسلام أن يتعرفوا بعمقٍ ودقةٍ وشمولٍ، على حقيقة هذه الأديان التي يتناقشون مع أصحابها.
سادساً: لقد كان لاتساع رقعة الدولة الإسلامية ووجود شعوب متعددة فيها من ذوي الديانات المختلفة أثره الواضح في تشجيع بعض مفكري الإسلام على محاولة التعرُّفِ على تلك الأديان التي يعيش أصحابها بجوارهم.
سابعاً: لقد كان لازدهار التأليف في التاريخ، الذي ظهر في الحضارة الإسلامية، منذ وقتٍ مُبكرٍ نسبياً، أثره الواضح والفَعّال في نشأة الدراسات العلمية للأديان وازدهارها في الفكر الإسلامي، حيث اهتم المؤرخون بالحديث عن العقائد والأديان التي يؤرّخون لأصحابها.
ثامناً: لقد كان لانتشار الفرق الإسلامية واختلافها فيما بينها أثره، الذي لا ينبغي إغفاله في الدراسات العلمية للأديان، فمن جهةٍ، كانت كلُّ فرقةٍ تحاول الردّ على أصحاب الديانات الأخرى، ومن جهةٍ أخرى، كانت كل فرقة تحاول أن تُرْجِعَ أقوال الفرق الأخرى إلى أصولٍ أجنبيةٍ، الأمر الذي استدعى معرفةً جيدةً بالأديان الأخرى.
تاسعاً: إن علم مقارنة الأديان قد نشأ في الفكر الإسلامي نتيجة التسامح الديني الذي كان يسود علاقة المسلمين مع اليهود والنصارى بصفةٍ خاصةٍ، ومع أصحاب الديانات الأخرى على وجه العموم.
إذن يمكننا القول إنّ المسلمين هم السَبَّاقون في دراسة مقارنة الأديان، وكانت دراستهم موضوعية تعتمد على المنهج العلمي السليم، ومن أهم الدراسات التي قام بها علماء الإسلام، النوبنحتي في كتابه (الفرق)، وأبو عيسى الورّاق في كتابه (الفصل في الملل والنحل)، والشهرستاني في كتابه (الملل والنحل)، والبيروني في كتابه عن الهند.
أهمية دراسة مقارنة الأديان:
1- الوقوف على حقيقة الأديان والتعرُّف على مدى صحتها، والانحرافات التي فيها.
2- الوقوف على الأمور المتشابهة والتي تلتقي عندها الأديان، وهذا يُمَكِّننا من معرفة أي منها الصحيح وأي منها المنحرف.   3- يمكِّنٌ الإنسان من تحديد موقفه من هذه الأديان.
4- يعطي الإنسان الفكرة الكاملة عن كل دين بحيث تمكنه هذه الفكرة من معرفة جوهره، وجميع الحجج لمناظرة أهله.
اتصفت دراسة المسلمين في مقارنة الأديان بما يلي:
1- دراسة كل دين ومُعْتَقَدٍ من معتقدات البشر، دراسةً وافيةً على الرغم من تعدّدها وتشّعبها.
2- مناقشة كلُ معتقَدٍ، مناقشةً موضوعيةً، دون تجريح أو تقبيح لأتباع ذلك المعتقد. وزيادة على ذلك فقد اعترف الباحثون المنصفون من غير العرب، بأن المسلمين كانوا سباقين في هذا الاتجاه في مجالين هما:
أ- إن المسلمين كانوا أول من طبع دراسة الأديان بطابع الاستقلالية، فخلَّصوه من بقية المعارف والعلوم والفنون، وجاءت دراستهم مطبوعة بطابع الشمولية.
ب- اعتمدوا في دراستهم للأديان على المصادر الموثوقة بعيداً عن الأساطير والخرافات.
لذا فمن واجب المسلمين أن يدرسوا هذا العلم، وأن يُدَرِّسُوه في جامعاتهم ومعاهدهم للأسباب التالية:
1- دعا الإسلام للتعرُّفِ على الأديان الأخرى، حتى يتيسَّرَ للمسلم أن يعرف الحق من الباطل ليسير على هدى، ويكون معتقده يقيناً لا يتزعزع ولا يؤثر فيه شبهة أو يتطرق غليه احتمال.
2- إنّ واجب الدعوة على الله ونشرها، يتطلَّبُ معرفة الحجج التي تعتمد عليها تلك الديانات لدحضها وإثبات العقيدة الإسلامية بدلاً منها، كما لا بدَّ من معرفة الشبهات التي تثيرها تلك الديانات على الإسلام للرد عليها ودحضها.
3- ونظراً لما ظهر في المجتمع الإسلامي من فرقٍ متعدّدةٍ لها آراؤها في مجال العقيدة، نجد أن بعضاً منها استُمِدَّ من الديانات القديمة، أو مِمَّنْ دخلوا في الإسلام من أهل تلك الديانات، حتى نقف لهم بالمرصاد ونحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا.
نماذج من الوثنيّات القديمة
أولاً: وثنيّة مشركي العرب في الجاهلية: يبدو أن جزيرة العرب كانت تعجُّ بدياناتٍ كثيرةٍ سماويةٍ ووضعيةٍ؛ فكانت النصرانية في ربيعة وغسان وقضاعة، واليهودية في القبائل حول يثرب؛ حيث أقامت قبائل بني قريظة وبني قينقاع وبني النضير. غير أن عبادة الأصنام كانت هي الشكل السائد للحياة الدينية في جزيرة العرب فقد امتلأت الكعبة بالأصنام، واتخذت كل قبيلة صنماً، وأقامت له الأعياد وقربت له القرابين. وقد ذكر القرآن الكريم بعض هذه الأصنام، ومظاهر من عقيدة العرب في الجاهلية.
أما الأصنام فمنها: وُدّ لقبيلة كلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل، وَيُغوث لمراد، ويَعُوق لهمدان، ونَسر لِحِمْيَرَ، وهذه الأسماء كانت في الأصل لرجالٍ صالحين ماتوا في شهرٍ واحدٍ. فَنُحِتَتْ لهم خمسةُ أصنامٍ على صورهم، وكان أقرباؤهم يأتون إلى هذه الأصنام يعظِّمونها ويسعون حولها ومع الزمن بدأت عبادة هذه الأصنام واستمرت.
وكان أولَ مَنْ أدخل عبادة الأصنام إلى جزيرة العرب عمرو بن لُحِّيٍ بن قمعة أَحَدَ رؤساء خزاعة. وكان أوَلَ مَنْ غيّر دين إبراهيم، عليه السلام، فأدخل الأصنام إلى الحجاز ودعا الناس إلى عبادتها والتقرب لها. وأهم هذه الأصنام: مُنَاة وكانت مقدسةً من قبائل الأوس والخزرج والأزد، واللات في الطائف وسدنتها بنو ثقيف. والعُزَّى بالإضافة إلى هُبَل الذي حمله عمرو بن لُحِّي معه من الشام، وهو على صورة إنسان وضعه في جوف الكعبة وأمامه سبعة أقداح للاستقسام بها.
بالإضافة إلى أنّ هناك مَنْ كَفَرَ بالله سبحانه وتعالى وأنكرَ البعثَ والإعادة وقال بالطبع المحيي والدهر المُفْنِي، حيث قال الله تعالى فيهم: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) ومنهم مَنْ آمنَ بالله ولكنه أنكر البعث والإعادة وأنكر بعثة الرسل، ومنهم مَنْ آمن بالله ولكنه عبد الجن والملائكة تقرُّباً بها إلى الله لتشفع لهم، ويزعمون أن الملائكة بنات الله.
ومن العرب مَنْ رفضَ كلَّ ما كان عليه قومهم، وأحسَّ بالفراغ الديني والعقائدي فبدؤا يتلمّسون طريقهم إلى الطمأنينة النفسية والروحية في المسيحية أو اليهودية أو غيرها، فانتهوا إلى رفض كل هذه الديانات وتلمَّسُوا دين إبراهيم عليه السلام، وأُطْلِقَ عليهم الحنفاء، ومنهم من عاد فَتَنَصَّر، ومنهم من بقي على مفارقته لدين قومه وهو زيد بن عمرو بن نفيل ومنهم أمية بن الصَّلت الذي امتلاً شعره بذكر الله سبحانه وتعالى الرسل والأنبياء والجنة والنار والحشر والملائكة والثواب والعقاب.
ثانياً: الوثنية الفرعونية وديانة قدماء المصريين:
تُعَدُّ مصر من أغنى الحضارات البشرية وأقدمها، ويُعَدُّ المصريون القدماء من أشد الناس تَدَيُّنَاً، وقد ظهرت آثار هذا التدين واضحةً للعيان في كل شؤون حياتهم، فالمعابد والهياكل والأهرامات كُّلها دليلٌ واضحٌ على تَدَيُّنِ المصريين، يؤكد ذلك وول ديورانت في كتابه قصة الحضارة بقوله: "إن الدين في مصر كان فوق كل شيء ومن أسفل منه، فنحن نراه في كل مرحلةٍ من مراحله وفي كل شكل من أشكاله، من الطوطم حتى علم اللاهوت". ولشدّة تدين المصريين، فقد كانت القوة السياسية في أيدي الكهنة ورجال الدين الذين كانوا أعلى شأناً وأوسع نفوذاً من الملوك والفراعنة.
على أن الصراع بين الملوك وبين الكهنة ورجال الدين كان له دوره في تعدد الأديان وتنوع الآلهة، فقد عبد المصريون القدماء الشمس والعجل والنيل وكثيراً من الحيوانات وكانت الآلهة من الحيوانات الأكثر شيوعاً من النبات.
وقد تَعَدَّدَ المعبودُ باختلاف الزمان واختلاف المكان حتى كان لكل مدينةٍ آلهةٌ فكان موطن "أوزيريس" في أبيدوس، و"فتاح" في ممفس، و"آمون" في طيبة، و"هورس" في أدفو ... وهكذا.
كما كان للآلهة عندهم مراتب ومنازل بالإضافة إلى عبادة الأرواح، وإذا كانت عبادة الطوطمية من أوائل الديانات في مصر، فإن عقيدة التوحيد قد دخلت مصر أيضاً، فيوسف عليه السلام جاء إلى مصر في عهد الهكسوس في الأُسرة الرابعة عشر تقريباً، ودعا المصريين إلى عبادة الله وحده وتركِ عبادة غيره، كذلك جاء موسى عليه السلام ودعا فرعون والمصريين إلى عبادة الله وحده. ويرى بعض المؤرخين أنه كان يوجد في مصر القديمة دينان، دين للعامة، ودين للخاصة؛ أَمَّا دين العامّة فيتلخَّصُ بعبادة الحيوانات وتقديسها وتقديم فروض الولاء والطاعة لها، وأَمَّا دينُ الخاصة فيتلخص بالإيمان بإله واحد، وأما بقية الآلهة فآمنوا بها لأنها تُمَثَّلُ بعض صفات ذلك الإله الخالق.
أهمُّ ما يميز المعتقدات المصرية القديمة:
أولاً: إنَّ هذا العالم المتعدِّدَ الظواهر لم يُوجِدْ نفسه، بل أوجدته قوةٌ خفيةٌ لا تُدَركُ بالعين ولا يتناولها الحس، وإنما تبدو آثارها ظاهرةً في كل شيء، وأنَّ الحيوانات التي عبدوها إنما هي رموز للآلهة التي حلت فيها.
ثانياً: إنَّ في كل كائن روحاً استمدّها من الروح العام المخفي عن الأنظار وتستمده الكائنات الحية منه.
ثالثاً: اعتقاد رجال الدين أنَّ الفناء مستحيل على الأشياء جميعها، فالأجسام باقية ولكنها متغيرة، وكذلك الأرواح.
رابعاً: كانوا يعتقدون بالحياة الآخرة، وأن هناك حياة أُخرى بعد هذه الحياة الدنيا، ويعتقدون أنها هي الحياة الحقيقيّة الباقية المستمرَّةُ وأمّا الحياة الدنيا فهي زائلة وفانية وما هي إلا معبر للحياة الخالدة. وكذلك الأمر بالنسبة للجنة التي فيها ما لذَّ وطاب من النعيم الخالد. والوصول إلى الجنة ليس سهلاً، بل على مَنْ يُقضى له بالسعادة ودخول الجنة أن يتغلب على أعداء كثيرين يقطعون عليه الطريق، ويتخلَّص من كل العقبات الموضوعة أمامه، ولذا كانوا يضعون مع الميت بعض التمائم والأدعية للتسهيل عليه في النجاة من الأهوال التي يتعرض لها ويمر بها.
كيفية انحراف الديانة المصرية الوحدوية إلى الشرك بفعل الكهنة:
1- انحرف الكهنُة المصريون بديانة الوحدانية التي كان يعتنقها شعب مصر القديم وقتئذٍ فاتخذوا من صفات الله ثالوثاً، كما اتخذ براهمة الهند ثالوثهم. اتخذ الكهنة المصريون من صفات الله وهي الوجود والحكمة والحياة: الثالوث المصري: آتون- وآمون- ورَعْ.
2-  وعلى مر السنين والأيام استحدث المصريون أسماءً وآلهة أخرى حتى صار الثالوث تاسوعاً، بخلاف آلهةٍ أخرى ثانويةٍ منسوبةٍ إلى هذا التاسوع، وظلَّت الديانة المصرية في الانحدار حتى انحرفت إلى عبادة النار والنجوم والكواكب وما يشابهها من الظواهر الطبيعية فدعاهم ذلك إلى البحث في علوم الفلك والجيولوجيا والرياضيات.
3- والتاسوع المصري هو كالآتي:
أولاً: الثالوث الأول- آتون- ورع- وآمون.
ثانياً: الثالوث الثاني- تيت- ونوت- وشو، وقد اشتُقَّ من الثالوث الأول.
ثالثاً: الثالوث الثالث- إيزيس- وأزوريس- وسيت، وهو الثالوث الأخير من التاسوع. ثم كانت آلهة نقتصر على ذكر ثمانية منها هي:
هاتور أو هتريت- تيسر تشر- ويوتاشيت- تحييت- توت- ومعت- وبتاح وتيفون.
وفيما يلي نوضِّحُ التاسوع المصري للآلهة وصفة كلِّ إلهٍ ووظيفته:
الرقم
الإله
الصفة والوظيفة
1-
آتوم أو آتون
هو الإله الذي لا يظهر إلا بصفاته وهو نور الأنوار.
2-
رع
هو الذي تَشَخَّصَ فيه النورُ، فصار عطاء وخلقاً (أي الخلق والرزق).
3-
آمون
وهو ظهور القدرة المشرقة في الشمس، وهو مظهر رع الذي يُوصِّلُ عطاءه إلى المخلوقات.
4-
تيت
هو الأثير العام.
5-
توت
هو السماء بأفلاكها وكواكبها.
6-
شو
هو الجو أو الموجات الكهربائية الموجبة ويشتق منه الإله نون وهو الموجات السالبة.
7-
إيزيس
هو إله الحياة أو الروح.
8-
أوزوريس
وهو إله النماء والازدهار، وهذا الإله هو الذي سيحاسب.
9-
سيت
هو الإله المُدمِّر أو إله الفناء.
ملاحظات هامة حول عبادة المصريين بعد انحرافهم بفعل الكهنة:
1- أصبحت صلاة المصريين بعد انحرافهم مُوَجَّهةً إلى التاسوع المصري، وكانت دعواتهم وأناشيدهم تنادي قوى الطبيعة على أنها آلهة، كما كانت تلك الصلوات والدعوات تصدر منهم تقرباً للتماثيل الرمزية التي أقيمت لأتون ورع وآمون في طيبة من أهم ظواهر الشرك والوثنية حيث ظن المصريون المتأخرون الذين أعقبوا حكم الكهنة، أن تلك التماثيل الرمزية آلهة مختلفة فعبدوها.
2- ثم تعددت الآلهة وصارت المدن مليئةً بها، وكانت لكل مدينة آلهتها التي تقدَّسها دون الآلهة الأخرى.
3- وكانت مدينة طيبة دون سائر المدن، مملوءة بالمعابد والتماثيل حتى قام أخناتون بثورته المشهورة لتوحيد الإله الواحد، بعد إبطاله عبادة الآلهة المتعددة، وقد كاد يُكتب لتلك الثورة النصر لولا قيام الكهنة وقتئذٍ قي وجهه بالمعارضة القوية.
4- وبعد فشل ثورة أخناتون، تَطَوَّرَ عدد الآلهة واستفحل عند المصريين القدماء، حتى بلغ ما يقرب المائة بين اسمٍ لفلك وصفةٍ لكوكب، وعظمةٍ لظاهرة طبيعية، وتقديسٍ لحيوان أو طير.
5- وكانت بعض المدن المصرية تُقَدِّسُ ملوكها وتعبدهم على أنهم آلهة، وكانوا يقيمون لهم الصلوات ويقدمون لهم القرابين، ويرفعون إليهم البخور.
6- وظل المصريون على حالهم من الشرك والوثنية حتى هاجمهم الفرس واليونان، فهدموا كثيراً من المعابد، وخربوا العديد من الهياكل، وحطموا ما أمكنهم تحطيمه من التماثيل.
7- لما فتح الرومان مصر هدموا بقية الهياكل والمعابد- وأبطلوا كثيراً من العبادات المصرية ثم انتهى الأمر بإبطال الديانة المصرية القديمة في عهد الإمبراطور تيودور الروماني، والذي جعل النصرانية ديناً رسمياً للدولة الرومانية ومستعمراتها، وبذلك فُرِضَتْ النصرانية الرسمية على مصر بوصفها مستعمرةً رومانيةً.
8- واستمر حال المصريين على ذلك القهر الروماني حتى جاء العرب في عهد خلافة عمر بن عبد العزيز ففتحوا مصر بجيشٍ إسلاميٍ كان يقوده عمرو بن العاص ونشروا دعوة الإسلام التي أساسها الوحدانية لله فدخل غالبية المصريين في الإسلام وبذلك رجعوا إلى التوحيد أساس ديانتهم الأولى القديمة قبل أن يفسدها الكهنة بالتعدد.
ثالثاً: الديـــانـــة البوذيـــة
هي ديانة ظهرت في الهند بعد الديانة البرهمية في القرن الخامس قبل الميلاد. كانت في بدايتها متوجهةً إلى العناية بالإنسان كما أنَّ فيها دعوةً إلى التصوف والخشونة ونبذ الترف والمناداة بالمحبة والتسامح وفعل الخير لكنها لم تلبث بعد موت مؤسِّسها أن تحوِّلت إلى معتقداتٍ باطلةٍ ذات طابع وثني، ولقد غالى أتباعها في مؤسسها حتى أُلَّهُوه.
التأسيس وأبرز الشخصيات: أسسها سدهارتا جوتاما المُلقب ببوذا (560-480 ق.م). وكلمة بوذا تعني (العالم) ويُلَقَّبُ أيضاً بسكيا موني ومعناه (المُعتكِف). وقد نشأ بوذا في بلدة على حدود نيبال، وكان أميراً فشب مترفاً في النعيم وتزوج في التاسعة عشرة من عمره ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته منصرفاً إلى الزهد والتقشف والخشونة في المعيشة والتأمل في الكون ورياضة النفس وعزم على تخليص الإنسان من آلامه التي منبعها الشهوات ثم دعا إلى تبني وجهة نظره حيث تبعه أناس كثيرون.
أهم الأفكار والمعتقدات والآراء في الديانة البوذيّة:
1- يعتقد البوذيون أنَّ بوذا هو ابن الله، وهو المخلَّصُ للبشرية من مآسيها وآلامها وأنه يتحمل عنهم جميع خطاياهم.
2- يعتقدون أن تَجَسُّدَ بوذا كان بواسطة حلول روح القدس على العذراء (مايا).
3- يقولون: قد دل على ولادة بوذا نجم ظهر في أفق السماء ويدعونه (نجم بوذا).
4- يقولون: لما ولد بوذا فرحت جنود السماء ورتلت الملائكة أناشيد المحبة للمولود المبارك.
8- قالوا: لقد عرف الحكماء بوذا وأدركوا سِرَّ لاهوته. ولم يمضِ يوم واحد على ولادته حتى حَيَّاهُ الناس، وقد قال بوذا لأمه وهو طفل إنَّهُ أعظم الناس جميعاً.
9- قالوا: دخل بوذا مرةً واحدةً الهياكل فسجدت له الأصنام. وقد حاول الشيطان إغواءه فلم يفلح.
10- يعتقدون أنَّ هيئة بوذا قد تَغَيَّرَتْ في آخر أيامه وقد نزل عليه نورٌ أحاط برأسه. وأضاء من جسده نور عظيم فقال الذين رأوه: ما هذا بشراً إن هو إلا إله عظيم.
11- يصلي البوذيون لبوذا ويعتقدون أنه سيدخلهم الجنة. والصلاة عندهم تؤدى في اجتماعات يحضرها عدد كبير من الأتباع.
12- لما مات بوذا قال أتباعه: صَعدَ إلى السماء بجسده بعد أن أكمل مُهَمَّتَهُ على الأرض.
13- يؤمنون برجعة بوذا ثانية إلى الأرض ليعيد السلام والبركة إليها.
14- يعتقدون أن بوذا هو الكائن العظيم الواحد الأزلي وهو عندهم ذاتٌ من نورٍ غيرُ طبيعيةٍ، وأنه سَيُحَاسب الأموات على أعمالهم.
15- يعتقدون أن بوذا ترك فرائض مُلِزَمةً للبشر إلى يوم القيامة. ويقولون إنَّ بوذا أسَّسَ مملكةً دينيةً على الأرض.
16- قال بعض الباحثين إن بوذا أنكر الألوهية  والنفس الإنسانية وأنه كان يقول بالتناسخ
17- في تعاليم بوذا دعوة إلى المحبة والتسامح والتعامل بالحسنى والتصدُّقِ على الفقراء وترك الغنى والترف وحمل النفس على التقشف والخشونة وفيها تحذير من النساء والمال وترغيب في البعد عن الزواج.
يجب على البوذي التقيد بثمانية أمور حتى يتمكن من الانتصار على نفسه وشهواته:
1- الاتجاه الصحيح المستقيم الخالي من سلطان الشهوة واللذة وذلك عند الإقدام على أي عمل.
2- التفكير الصحيح المستقيم الذي لا يتأثر بالأهواء.            3- الإشراق الصحيح المستقيم.
4- الاعتقاد المستقيم الذي يصحبه ارتياح واطمئنان إلى ما يقوم به.
5- مطابقة اللسان لما في القلب.                                6- مطابقة السلوك للقلب واللسان.
7- الحياة الصحيحة التي يكون قوامها هجر اللذات.
8- الجهد الصحيح المتجه نحو استقامة الحياة على العلم والحق وترك الملذّات.
* في تعاليم بوذا أن الرذائل ترجع إلى أصول ثلاثة:
1- الاستسلام للملذات والشهوات.                       2- سوء النية في طلب الأشياء.
3- الغباء وعدم إدراك الأمور على وجهها الصحيح.
* ومن وصايا بوذا:
1- لا تقضِ على حياة حي.            2- لا تسرق ولا تغتصب.               3- لا تكذب.
4- لا تتناول مسكراً.           5- لا تزنِ.             6- لا تأكل طعاماً نضج في غير أوانه.
7- لا ترقص ولا تحضر مرقصاً أو حفل غناء.          8- لا تتخذ طيباً.
9- لا تقتنِ فراشاً وثيراً.                         10. لا تأخذ ذهباً ولا فضة.
ينقسم البوذيون إلى قسمين:
أ- البوذيون المتدينون: وهؤلاء يأخذون بكل تعاليم بوذا وتوصياته.
ب- البوذيون المدنيون: هؤلاء يقتصرون على بعض التعاليم والوصايا فقط.
- للبوذية مذهبان كبيران:
1- المذهب الشمالي: وقد غالى أهله في بوذا حتى ألَّهوه.
2- المذهب الجنوبي: وهؤلاء معتقداتهم أقل غلواً في بوذا.
- كتب البوذية: كتبهم ليست مُنزَلةً ولا هم يدَّعون ذلك بل هي عبارات منسوبة إلى بوذا أو حكاية لأفعاله سَجَّلَها بعضُ أتباعه، ونصوص تلك الكتب تختلف بسبب انقسام البوذيين، فبوذيو الشمال اشتملت كتبهم على أوهامٍ كثيرةٍ تتعلّق ببوذا، أمَّا كتبُ الجنوب فهي أبعد قليلاً عن الخرافات. تنقسم كتبهم إلى ثلاثة أقسام:
1- مجموعة قوانين البوذية ومسالكها.                   2- مجموعة الخطب التي ألقاها بوذا.
3- الكتاب الذي يحوي أصل المذهب والفكرة التي نبع منها.
الجذور الفكرية والعقائدية للبوذية: ليس هناك ما يثبت أنَّ للبوذية جذوراً فكرية أو عقائدية إلا أن الناظر في الديانات الوضعية التي سبقتها أو عاصرتها يجدُ بينها وبين البوذية شبهاً من بعض الجوانب فهي تشبهُ:
1- الهندوسية: في القول بالتناسخ والاتجاه نحو التصُّوف.
2- والكنفوشيوسية: في الاتجاه إلى الاعتناء بالإنسان وتخليصه من آلامه.
3- ينبغي أن يُلاحظ التشابه الكبير بينها وبين النصرانية وبخاصّةٍ فيما يتعلق بظروف ولادة المسيح وحياته والظروف التي مرَّ بها بوذا مما يؤكد تأثر النصرانية بها في كثير من معتقدات هذه الأخيرة.
الانتشار ومواقع النفوذ للبوذيّة:
الديانة البوذية منتشرة بين عددٍ كبيرٍ من الشعوب الآسيوية وهي مذهبان كبيران كما تقدم:
1- المذهب الشمالي: وكتبه المقدسة مدوَّنةٌ باللغة السنسكريتية، وهو سائد في الصين واليابان والتيبت ونيبال وسومطرة.
2- المذهب الجنوبي: وكتبه المقدسة مدَّونةٌ باللغة الباليَّة، وهو سائد في بورما وسيلان وسيام.
رابعاً: الديانـــة الهندوسيـــة
الهندوسية ديانة وثنية يعتنقها معظم أهل الهند، وقد تَشَكَّلتْ عبر مسيرةٍ طويلةٍ من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر. إنها ديانة تضم القيم الروحية والخلقية إلى جانب المبادئ القانونية والتنظيمية متخذةً عدة آلهةٍ بحسب الأعمال المتعلقة بها فلكل منطقة إله، ولكل عملٍ أو ظاهرَةٍ إلهٌ.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
1- لا يوجد للديانة الهندوسية مُؤَسِّسٌ مُعَيَّنٌ، ولا يُعرف لمعظم كتبها مؤلِّفون معينون، فقد تمَّ تَشَكُّلُ الديانة وكذلك الكتب عبر مراحل طويلة من الزمن.
2- الآريون الغزاة الذين قدموا إلى الهند في القرن الخامس عشر قبل الميلاد هم المؤسِّسون الأوائل للديانة الهندوسية.
3- ديانة الفاتحين الجديدة لم تمح الديانة القديمة للهنود، بل مازجتها وتأثرت كل منهما بالأخرى.
4- في القرن الثامن قبل الميلاد تطورت الهندوسية على أيدي الكهنة البراهمة الذين يزعمون بأن في طبائعهم عنصراً إلهياً.
الأفكار والمعتقدات: نستطيع فهم الهندوسية من خلال كتبها، ونظرتها إلى الإله، ومعتقداتها وطبقاتها.
أولاً: أبرز الكتب الهندوسيّة:
للهندوسية عدد هائل من الكتب عسيرة الفهم غريبة اللغة وقد أُلفت كتب كثيرة لشرحها وأخرى لاختصار تلك الشروح، وكلها مقدسة وأهمُّها ما يلي:
1- الويدا: ترى فيه حياة الآريين، وترى فيه مدارج الارتقاء للحياة العقلية من السذاجة إلى الشعور الفلسفي، وفيه أدعيةٌ تنتهي بالشك والارتياب كما أن فيه تأليهاً يرتقي إلى وحدة الوجود، وهو يتألف من أربعة كتب هي:
-       الريج ويدا: يرجع على 3000 سنة قبل الميلاد، وفيه ذكر لإله الآلهة (إندرا) ثم لإله النار (أغني) ثم الإله (فارونا) ثم الإله سوْريه (إله الشمس).
-       يساجور ويدا: يتلوه الرهبان عند تقديم القرابين.
-       ساماويدا: ينشدون أناشيده أثناء إقامة الصلوت والأدعية.
-       آثار ويدا: عبارة عن مقالات من الرقى والتمائم لدفع السحر والتوهم والخرافة والأساطير والشياطين.
2- قوانين (منو): وضعت في القرن الثالث قبل الميلاد في العصر الويدي الثاني، عصر انتصار الهندوسية على الإلحاد الذي تمثَّل في (الجينية والبوذية). وهذه القوانين عبارة عن شرح للويدات يبين معالم الهندوسية ومبادئها وأسسها.
نظرة الهندوسية إلى الآلهة:
-       التوحيد: لا يوجد توحيد بالمعنى الدقيق، لكنهم إذا أقبلوا على آلهٍ من الآلهة أقبلوا عليه بكل جوارحهم حتى تختفي عن أعينهم كل الآلهة الأخرى، وعندها يخاطبونه برب الأرباب أو إله الآلهة.
-       التعدد: يقولون بأنَّ لكل طبيعةٍ نافعة أو ضارة إلهاً يُعبد: كالماء والهواء والأنهار والجبال.. وهي آلهة كثيرة يتقربون إليها بالعبادة والقرابين.
-       التثليث:  في القرن التاسع قبل الميلاد جمع الكهنة الآلهة في إله واحد وأخرج العالم من ذاته وهو الذي اسموه:
1. براهما: من حيث هو مُوجِد.         2. فشنو: من حيث هو حَافِظ.
3. سيفا: من حيث هو مُهلِك.
فمن يعبد أحد الإلهة الثلاثة فقد عبدها جميعاً أو عبد الواحد الأعلى ولا يوجد أي فارق بينها. وهم بذلك قد فتحوا الباب أمام النصارى للقول بالتثليث.
-       يلتقي الهندوس على تقديس البقرة.
الطبقات في المجتمع الهندوسي
-       منذ أن وصل الآريون إلى الهند شَكَّلُوا طبقاتٍ ما تزال قائمة  إلى الآن ولا طريق لإزالتها لأنها تقسيمات أبدية من خلقة الإله حَسْبَ اعتقادهم.


-       وردت الطبقات في قوانين منو على النحو التالي:
1- البراهمة: وهم الذين خلقهم الإله براهما من فمه: منهم المعلم والكاهن والقاضي، وهم ملجأ الجميع في حالات الزواج والوفاة ولا يجوز تقديم القرابين إلا في حضرتهم.
2- الكاشتر: وهم الذين خلقهم الإله من ذراعيه: ويتعلمون ويقدمون القرابين ويحملون السلاح للدفاع.
3- الويش: وهم الذين خلقهم الإله من فخذه: يزرعون ويتاجرون ويجمعون المال، وينفقون على المعاهد الدينية.
4- الشودر: وهم الذين خلقهم الإله من رجليه، وهم من الزنوج الأصليين يشكلون طبقة المنبوذين، وعملهم مقصور على خدمة الطوائف الثلاث السابقة الشريفة ويمتهنون المهن الحقيرة والقذرة.
* ملاحظات هامّة تتعلّق بالطبقات الهندوسية *
-       يلتقي الجميع على الخضوع التام لهذا النظام الطبقي بدافع ديني.
-       لا يجوز لرجل أن يتزوج امرأة من طبقة أعلى من طبقته.
-       يجوز للرجل أن يتزوج من طبقة أدنى من طبقته على أن لا تكون من طبقة الشودر الرابعة.
-       البراهمة هم صفوة الخلق، وقد أُلحقوا بالآلهة، ولهم أن يأخذوا من أموال عبيدهم الشودر ما يشاؤون.
-       البرهمي الذي يكتب الكتاب المقدس هو رجل مغفور له ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه.
-       لا يجوز للملك، مهما اشتدت الظروف، أن يأخذ جبايةً أو إتاوةً من البرهمي.
-       إن استحق البرهميُّ القتل لم يجز الحاكم إلا أن يحلق رأسه، أما غيره فَيُقْتَلُ.
-       البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشودري الذي ناهز المائة كما يفوق الوالد ولده.
-       المنبوذون أحطُّ من البهائم وأذل من الكلاب (بحسب قانون منو).
-       من سعادة المنبوذين أن يخدموا البراهمة وليس لهم أجر أو ثواب.
-       إذا مد أحد المنبوذين إلى برهمي يداً أو عصا ليبطش به قُطعت يده، وإذا رفسه فُدِعَتْ رجله.
-       إذا أدعى أحد المنبوذين أنه يعلَّم برهمياً فإنه يسقى زيتاً مغلياً.
-       كفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة ورجل من الطبقة المنبوذة سواء.
-       ظهر مؤخراً بعض التحسن البسيط في أحوال المنبوذين خوفاً من استغلال أوضاعهم ودخولهم في أديان أخرى.
أبرز وأهمُّ المعتقدات الهندوسيّة
تظهر معتقداتهم في الكارما، وتناسخ الأرواح، والانطلاق، ووحدة الوجود:
1- الكارما: (قانون الجزاء) أي أنَّ نظام الكون إلهي قائم على العدل المحض، هذا العدل الذي سيقع لا محالة إمّا في الحياة الحاضرة أو في الحياة القادمة. وجزاء حياة يكون في حياة أخرى، والأرض هي دار الابتلاء كما أنها دار الجزاء والثواب.
2- تناسخ الأرواح: إذا ما مات الإنسان يفنى منه الجسد وتنطلق منه الروح لتتقَّمصَ وتحلَّ في جسدٍ آخر بحسب ما قدَّم من عمل في حياته الأولى، وتبدأ الروح في ذلك دورة جديدة.
3- الإنطلاق: صالح الأعمال وفاسدها ينتج عنه حياة جديدة متكررة لتثاب فيها الروح أو لتعاقب على حسب ما قدمت في الدورة السابقة. ومن لم يرغب في شيء وتحرر من رقِّ الأهواء واطمأنت نفسه فإنه لا يعاد إلى حواسه بل تنطلق روحه لتتحد بالبراهما.
4- وحدة الوجود: فالإنسان يستطيع خلق الأفكار والأنظمة والمؤسسات كما يستطيع المحافظة عليها أو تدميرها، وبهذا يتحد الإنسان مع الإلهة وتصير النفس هي عين القوة الخالقة.
-       الروح كالآلهة أزليةٌ سرمديةٌ، مستمرةٌ، غير مخلوقة.
-       العلاقة بين الإنسان وبين الإلهة كالعلاقة بين شرارة النار والنار ذاتها، وكالعلاقة بين البذرة وبين الشجرة.
-       هذا الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي، والروح الإنسانية جزء من الروح العليا.
ملاحظات هامّة حول المعتقدات الهندوسية
1- تُحرقُ الأجساد بعد الموت لأنّ ذلك يسمح بأن تتجه الروح إلى أعلى وبشكل عمودي لتصل إلى الملكوت الأعلى في أقرب زمن، كما أن الاحتراق هو تخليص للروح من غلاف الجسم تخليصاً تاماً.
2- عندما تتخلص الروح وتصعد، يكون أمامها ثلاثة عوالم:
أ. إما العالم الأعلى: عالم الملائكة.             ب. وإما عالم الناس: مقر الآدميين بالحلول.
ج. وإما عالم جهنم: وهذا لمرتكبي الخطايا والذنوب.
3- وليس هناك جهنم واحدة: بل لكل أصحاب ذنب جهنم خاصة بهم.
4- البعث في العالم الآخر إنما هو للأرواح لا للأجساد.
الانتشار ومواقع النفوذ للديانة الهندوسية:
كانت الديانة الهندوسية تحكم شبه القارة الهندية وتنتشر فيها على اختلاف في التركيز، ولكن البون الشاسع بين المسلمين والهندوس في نظرتيهما إلى الكون والحياة وإلى البقرة التي يعبدها الهندوس، ويذبحها المسلمون ويأكلون لحمها، كان ذلك سبباً في حدوث التقسيم حيث أُعلن عن قيام دولة الباكستان بجزأيها الشرقي والغربي والذي معظمه من المسلمين، وبقاء دولة هندية معظم سكانها هندوس، والمسلمون فيها أقلية كبيرة.
خامساً: الدّيانـــة الكنفوشيّـــة
الكنفوشية أو الكونفوشيوسية ديانة أهل الصين، وهي ترجع إلى الفيلسوف الحكيم كونفوشيوس الذي ظهر في القرن السادس قبل الميلاد داعياً إلى إحياء الطقوس والعادات والتقاليد الدينية التي ورثها الصينيون عن أجدادهم مضيفاً إليها من فلسفته وآراءه في الأخلاق والمعاملات والسلوك القويم. إنها تقوم على عبادة إله السماء أو الإله الأعظم، وتقديس الملائكة، وعبادة أرواح الآباء والأجداد.
مقتطفاتٌ ومحطَّات هامّةٌ في حياة كونفوشيوس
-       يُعتبر كونفوشيوس المؤسس الحقيقي لهذه العقيدة الصينية.
-       ولد سنة 551 ق.م في مدينة تسو وهي إحدى مدن مقاطعة لو (Lu).
-       اسمه كونج وهو اسم القبيلة التي ينتمي إليها، وفوتس ومعناه الرئيس أو الفيلسوف، فهو بذلك رئيس كونج أو فيلسوفها.
-       ينتسب إلى أسرة عريقة، فجدَّه كان والياً على تلك الولاية، ووالده كان ضابطاً حربياً ممتازاً، وكان هو ثمرةً لزواجٍ غير شرعي، توفي والده وله من العمر ثلاث سنوات.
-       عاش يتيماً، فعمل في الرعي، وتزوج في مقتبل عمره قبل العشرين، ورزق بولد وبنت، لكنه فارق زوجته بعد سنتين من الزواج لعدم استطاعتها تحمل دِقَّتِه الشديدة في المأكل والملبس والمشرب.
-       تلقى علومه الفلسفية على يد أستاذه الفيلسوف لوتس Laotse  صاحب الديانة الطاوية، حيث إنه يدعو إلى القناعة والتسامح المطلق ولكن كونفوشيوس خالفه فيما بعد داعياً إلى مقابلة السيئة بمثلها وذلك إحقاقاً للعدل.
-       عندما بلغ الثانية والعشرين من عمره أنشأ مدرس لدراسة أصول الفلسفة، تكاثر تلاميذه حتى بلغوا ثلاثة آلاف تلميذ، بينهم حوالي ثمانين شخصاً عليهم أمارات النجابة والذكاء.
-       تنقل في عدد من الوظائف فقد عمل مستشاراً للأمراء والولاة، وعُيّن قاضياً وحاكماً، ووزيراً للعمل، ووزيراً للعدل، ورئيساً للوزراء في سنة 496 ق.م حيث أقدم حينها على إعدام بعض الوزراء السابقين وعدد من رجال السياسة وأصحاب الشغب حتى صارت مقاطعة (لو) نموذجية في تطبيق الآراء والمبادئ الفلسفية المثالية التي ينادي بها.
وكان لديه شعور ديني، يحترم الآلهة التي كانت معبودة في زمانه، ويداوم على تأدية الشعائر الدينية، يتوجه في عباداته إلى الإله الأعظم أو إله السماء، يصلي صامتاً، ويكره أن يرجو الإله النعمة أو الغفران إذ إن الصلاة لديه ليست إلا وسيلة لتنظيم سلوك الأفراد، والدين-في نظره- أداة لتحقيق التآلف بين الناس.
انقسمت الكونفوشيوسية بعد وفاة مؤسِّسها إلى مذهبين:
1- المذهب المتشدد الحرفي ويُمَثِّلُهُ (منسيوس) إذ يدعو على الاحتفاظ بحرفية آراء كونفوشيوس وتطبيقها بكل دقة، ومنسيوس هذا تلميذ روحي لكونفوشيوس إذ أنه لم يتلق علومه مباشرة عنه بل إنه أخذها عن حفيده وهو Tsesze الذي قام بتأليف كتاب الانسجام المركزي.
2- المذهب التحليلي: ويمثله هزنتسي ويانجتسي، إذ يقوم مذهبهما على أساس تحليل وتفسير آراء المعلم واستنباط الأفكار باستلهام روح النص الكونفوشيوسي.
وقفات مع التطور التاريخي للفكر الكنفوشي:
1- قام كونفوشيوس بنقل أفكار الأقدمين وآرائهم ومعتقداتهم وكتب ذلك بلغة عصره وعمل على تلقينها لثلاثة آلاف تلميذ.
2- العبادة في عصره كانت لإله السماء أو الإله الأعظم، ثم إله الأرض وتقديس الملائكة وعبادة أرواح الأجداد.
3- عندما مات كونفوشيوس دُفِنَ على مقربة من نهر استس في شمال المدينة حيث تكاثر الناس حول قبره شيئاً فشيئاً مشكِّلين قرية كونج.
4- ثم أخذوا يعقدون حول قبره الندوات العلمية.
5- بنوا معبداً قرب قبره، ثم اخذوا باستلهام أفكاره، ثم وصلوا إلى تقديسه.
6- استمر الناسُ في هذا التقديس حتى صار يُعبدُ عبادةً في عهد الامبراطور الأول لأسرة هان 206 ق.م. إذ أخذوا يقدمون القرابين عنده، وأصبح لزاماً على الوزراء وكبار الموظفين أن يزوروا قبره ومعبده قبل استلامهم لمهام وظائفهم الجديدة.
7- لاقت الكنفوشية اضهاداً في عهد الإمبراطور (تشي إن شهّوانج) صاحب سور الصين العيظم، وقد استمر الاضطهاد من سنة 212 ق.م على سنة 207 ق.م بإقدامه على إحراق كتبهم وإعدام ودفن علمائهم وهم أحياء، إذ بلغ عدد المدفونين أحياء 460 فيلسوفاً.
8- في سنة 207 ق.م قام الناس بثورة مما أعاد التقدير إلى إتباع الكونفوشية وقيام الأباطرة بإعادة صياغة كتبها.
9- عندما جاء الامبراطور دوتي )(140- 87) ق.م اتخذ من الكنفوشية ديناً رسمياً للدولة الصينية، واستمرت الكونفوشية محتلة لهذا المنصب الرفيع حتى سنة 1912 م.
10- في سنة 1928 م صدر قرار بتحريم تقديم القرابين لكونفوشيوس ومنع إقامة الطقوس الدينية له.
11- عندما استولى اليابانيون على منشوريا عادت الصين إلى استنهاض الهمم بالعودة إلى الكونفوشية وعاد الناس في عام (1930- 1934م) إلى تقديم القرابين مرة ثانية، كما أُعيد تدرس الكونفوشية في كل مكان لاعتقادهم بأن نكبتهم ترجع إلى إهمالهم تعاليم المعلم الأكبر، وسادت حركة إحياء جديدة بزعامة تشنج كاي شيك، وقد استمرت هذه الحركة إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
12-  ما تزال الكونفوشية تمثل الأساس الرئيسي للنظم الاجتماعية في فرموزا (الصين الوطنية).
الأفكار والمعتقدات:
أولاً: الكتب:
-       هناك مجموعتان أساسيتان تمثلان الفكر الكونفوشي فضلاً عن كثير من الشروح والتعليقات والتلخيصات، المجموعة الأولى تسمى الكتب الخمسة، والثانية تسمى الكتب الأربعة.
أولاً: الكتب الخمسة: وهي الكتب التي قام كونفوشيوش بنقلها من كتب الأقدمين وهي:
1- كتاب الأغاني أو الشعر: فيه 3650 أغنية إلى جانب ستة تواشيح دينية تغني بمصاحبة الموسيقا.
2- كتاب التاريخ: فيه وثائق تاريخية تعود إلى التاريخن الصيني السحيق.
3. كتاب التغييرات: فيه فلسفة تطور الحوادث الإنسانية، وقد حوله كونفوشيوس إلى كتاب علمي لدراسة السلوك الإنساني.
4. كتاب الربيع والخريف: كتاب تاريخي يؤرخ للفترة الواقعة بين 722 – 481ق. م.
5. كتاب الطقوس: فيه وصف للطقوس الدينية الصينية القديمة مع معالجة النظام الأساسي لأسرة "تشو" تلك الأسرة الت لعبت دوراً هاماً في التاريخ الصيني البعيد.
ثانياً: الكتب الأربعة: وهي الكتب التي ألَّفها كونفوشيوس وأتباعه مدونين فيها أقوال أستاذهم مع التفسير تارةً والتعليق أخرى، إنها تمثل فلسفة كونفوشيوس ذاته وهي:
1- كتاب الأخلاق والسياسة.            2- كتاب الانسجام المركزي
3. كتاب المنتخبات ويطلق عليه اسم إنجيل كونفوشيوس.
4. كتاب منسيوس: وهو يتألف من سبعة كتب، ومن المحتمل أن يكون مؤلفها منسيوس نفسه.
المعتقدات الأساسية للديانة الكنفوشيّة
تتمثل المعتقدات الأساسية لديهم في الإله أو إله السماء، والملائكة، وأرواح الأجداد.
1- الإله
-       يعتقدون بالإله الأعظم أو إله السماء ويتوجهون إليه بالعبادة، كما أن عبادته وتقديم القرابين إليه مخصوصة بالملك، أو بأمراء المقاطعات.
-       للأرض إله، وهو إله الأرض، ويعبده عامةُ الصينيين.
-       أمّا الشمس والقمر، والكواكب، والسحاب، والجبال ... فلكلٍ منها إله. وعبادتها وتقديم القرابين إليه مخصوصة بالأمراء.
2. الملائكة:  يقدس الكنفوشيون الملائكة ويقدمون إليها القرابين.
3. أرواح الأجداد: يقدس الكنفوشيون أرواح أجدادهم الأقدمين، ويعتقدون ببقاء الأرواح، ويعتبرون القرابين موائد يدخلون بها السرور على تلك الأرواح بأنواع الموسيقا، ويوجد في كل بيت معبد لأورواح الأموات ولآلهة المنزل.
معتقداتٌ كنفوشيّة أُخرى
-       لم يكن كونفوشيوس نبياً، ولم يدع هو ذلك، بل يعتقدون بأنه من الذين وهبوا تفويض السماء لهم ليقوموا بإرشاد الناس وهدايته، فقد كان مداوماً على إقامة الشعائر والطقوس الدينية، وقد كان يعبد الإله الأعظمة والآلهة الأخرى على غير معرفةٍ بهم ودون تثبت من حقيقة الآراء الدينية تلك.
-       لا يؤمنون بالجنة والنار، ولا يعتقدون بالبعث أصلاً، إذ إنَّ همهم منصبٌ على إصلاح الحياة الدنيا، ولا يسألون عن مصير الأرواح بعد خروجها من الأجساد. وقد سأل تلميذٌ أستاذه كونفوشيوس عن الموت، فقال: "إننا لم ندرس الحياة بعد، فكيف نستطيع أن ندرس الموت".
-       الجزاء والثواب: إنما يكونان في الدنيا، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
-       القضاء والقدر: يعتقدون بذلك، فإذا تكاثرت الآثام والذنوب كان عقاب السماء لهم بالزلازل والبراكين.
-       الحاكم ابن للسماء: فإذا ما قسا وظلم وجانب العدل فإن السماء تسلط عليه من رعيته من يخلعه ليحل محله شخص آخر عادل.
-       الأخلاق: هو الأمر الأساسي الذي تدعو إليه الكونفوشية، وهي محور الفلسفة وأساس الدين، وهي تسعى إليه بتربية الوازع الداخلي لدى الفرد ليشعر بالأنسجام الذي يسطير على حياته النفسية مما يخضعها للقوانين الاجتماعية والقانونية بشكل تلقائي.
-       تحترم الكونفوشية العادات والتقاليد الموروثة، فهم محافظون إلى أبعد الحدود، يقدسون العلم والأمانة، ويحترمون المعاملة اللينة من غير خضوعٍ ولا استخذاءٍ لجبروت.
-       يقوم المجتمع الكونفوشي على أساس احترام الملكية الفردية مع ضرورة رسم برنامج إصلاحي يؤدي إلى تنمية روح المحبة بين الأغنياء والفقراء.
-       يعترفون بالفوارق بين الطبقات، ويظهر هذا جليلاً حين تأدية الطقوس الدينية وفي الأعياد الرسمية وحين تقديم القرابين.
-       النظام الطبقي لديهم نظام مفتوح، إذ بإمكان أي شخص أن ينتقل من طبقته إلى أية طبقة اجتملاعية أخرى إذا كانت لديه إمكانات تؤهله لذلك.
-       ليس الإنسان إلا نتيجة لتزاوج القوى السماوية مع القوى الأرضية أي لتقمص الأرواح السماوية في جواهر العناصر الأرضية الخمسة. ومن هنا وجب على الإنسان أن يتمتع بكل شيء في حدود الأخلاق الإنسانية القويمة.
يبنون تفكيرهم على فكرة "العناصر الخمسة": فتركيب الأشياء: معدن ـ خشب ـ ماء ـ نار ـ تراب؛ فالأضاحي والقرابين خمسة والموسيقا لها خمسة مفاتيح، والألوان الأساسية خمسة. والجهات خمس: شرق وغرب وشمال وجنوب ووسط. ودرجات القرابة خمس: أبوّة ـ أمومة ـ زوجية ـ بنوّة ـ أخوّة.
الانتشار ومواقع النفوذ الكنفوشيّة
-       انتشرت الكونفوشية في الصين.
-       منذ عام 1949م زالت الكونفوشية عن المسرحين السياسي والديني لكنها ما تزال كامنةً في روح الشعب الصيني إلى الآن.
-       ما تزال الكونفوشية ماثلة في النظم الاجتماعية في فرموزا أو (الصين الوطنية).
-       انتشرت كذلك في كوريا وفي اليابان حيث درست في الجامعات اليابانية، وهي من الأسس الرئيسية التي تشكّل الأخلاق في معظم دول شرق آسيا وجنوبها الشرقي في العصرين الوسيط والحديث.
سادساً: الديانــــة السيخيّـــة
السيخ هُم مجموعة دينية من الهنود الذين ظهروا في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلادي داعين إلى دينٍ جديدٍ فيه شيء من الديانتين الإسلامية والهندوسية تحت شعار (لا هندوس ولا مسلمون)، وقد عادوا المسلمين خلال تاريخهم، وبشكلٍ عنيفٍ، كما عادوا الهندوس بهدف الحصول على وطنٍ خاصٍ بهم، وذلك مع الاحتفاظ بالولاء الشديد للبريطانيين خلال فترة استعمار الهند.
التأسيس وأبرز الشخصيات
-       المؤسس الأول (ناناك) ويدعى (غورو) أي المعلم، ولد سنة 1469م في قرية (ري بوي دي تلفندي) والتي تبعد 40 ميلاً عن لاهور، كانت نشأته هندوسية تقليدية. ولما شَبَّ عمل محاسباً لزعيم أفغاني في (سلطانبور)، وهناك تعرف على عائلة مسلمة (ماردانا) كانت تخدم هذا الزعيم، وقد أخذ ينظم حينها الأناشيد الدينية، كما نظم مقصفاً ليتناول المسلمون والهندوس الطعام فيه. درس علوم الدين، وتنقل في البلاد، كما قام بزيارة مكة والمدينة، وزار أنحاء العالم المعرفة لديه. ثُمَّ ادّعى أنه رأى الرب حيث أمره بدعوة البشر، ثم اختفى أثناء استحمامه في أحد الجداول، وغاب لمدة ثلاثة أيام ظهر بعدها معلناً (لا هندوس ولا مسلمون).
-       كان ناناك محباً للإسلام من ناحية، مشدوداً إلى تربيته وجذوره الهندوسية من ناحية أخرى، مما دفعه لأن يعمل على التقريب بين الديانتين فكان أن أنشأ ديناً جديداً في القارة الهندية ... أنشأ المعبد الأول للسيخ في كارتاربو (بالباكستان حالياً) وقبل وفاته عام 1539م عين أحد أتباعه خليفة له، وقد دفن في بلدة (ديره باباناناك) من أعمال البنجاب الهندية الآن، وخلفه من بعده عشرة خلفاء (معلمون) آخرهم غوبند سنغ (1675 – 1708م) الذي أعلن انتهاء سلسلة المعلمين. صار زعماؤهم بعد ذلك يعرفون باسم (المهراجا).
أبرز الأفكار والتشريعات والمعتقدات السيخيّة
-       يدعون إلى التوحيد، ويسايرون المسلمين في تحريم عبادة الأصنام.
-       يؤكدون على وحدانية الخالق الحي الذي لا يموت، والذي ليس له شكل، ويتعدى أفهام البشر، كما يستعملون عدة أسماء هندوسية وإسلامية للإله منها (واه غورو) و(الجاب)، وأفضلها عند ناناك "الخالق الحق".
-       يمنعون تمثيل الإله في صور، ولا يقرون عبادة الشمس والأنهار والأشجار التي يعبدها الهندوس، كما لا يهتمون بالتطهر والحج إلى نهر الغانج، وقد انفصلوا تدريجياً عن المجتمع الهندوسي حتى صار لهم شخصية دينية متميزة.
-       أباح ناناك الخمر، وأكل لحم الخنزير، وقد حَرَّمَ لحم البقر مُجَاراةً للهندوس.

-       أصول الدين لديهم خمسة (بانج كهكها) أي الكافات الخمس ذلك أنها تبدأ بحرف الكاف باللغة الكورمكية، وهي:
1- ترك الشعر مرسلاً بدون قص من المهد إلى اللحد، وذلك لمنع دخول الغرباء بينهم بقصد  التجسس.
2- أن يلبس الرجل سواراً حديدياً في معصميه بقصد التذلل والاقتداء بالدراويش.
3- أن يلبس الرجل (تباناً) وهو أشبه بلباس تحت السراويل رمزاً للعفة.
4- أن يضع الرجل مشطاً صغيراً في شعر رأسه، وذلك لتمشيط الشعر وترجيله وتهذيبه.
5- أن يتمنطق السيخي بحربة صغيرة أو خنجر على الدوام، وذلك لإعطائه قوة واعتداداً، وليدافع به نفسه إذا لزم الأمر.
-       للمعلم (غورو) درجة دينية تأتي بعد مرحلة الرب، فهو الذي يدل ـ في نظرهم ـ على الحق والصدق، كما أنهم يتعبدون الله بإنشاد الأناشيد الدينية التي نظمها المعلمون.
-       يعتقدون بأن ترديد أسماء الله (الناما) يطهر المرء من الذنوب ويقضي على مصادر الشر في النفوس.
-       يعتقدون بأن روح كل واحد من المعلمين تنتقل منه إلى المعلم التالي له.
-       يؤمنون بولادة الإنسان وموته ثم إعادة ولادته (كارما) بحيث تتقرر حياة الإنسان المستقبلية على ضوء حياته السابقة، ويتوقف خلاصة على هذه المرحلة.
-       إن توجيه المعلم (غورو) أساسي للوصول إلى مرحلة الانعتاق (موكا).
-       يقدسون العدد خمسة الذي له معنى صوفي في أرض (البنجاب) أي الأنهار الخمسة.
-       ليس لديهم طبقة دينية مشابهة للبراهمة الهندوس، إذ إنهم ـ عموماً ـ يرفضون مبدأ الطبقات الهندوسي كما يعارضون احتكار طبقة البراهمة للتعاليم الدينية.
-       يتزوجون من زوجة واحدة فقط.
-       أعياد السيخ هي نفس أعياد هندوس الشمال في الهند بالإضافة إلى عيد مولد أول وآخر (غورو) وعيد ذكرى استشهاد الغورو الخامس والتاسع.
-       تعرض السيخ لاضطهاد المغول الذين أعدموا أثنين من معلميهم، وقد كان أشد المغول عليه نادر شاه (1738 – 1839م) الذي هاجمهم مما اضطرهم إلى اللجوء إلى الجبال والشعاب.
-       قام (غوبند سنغ) وهو المعلم العاشر بإنشاء منظمة (الباختا) أي الخالصة. وسَمَّى رجالها "أسوداً" ونساءها "لبوات".
-       هدف شباب السيخ أن يصبحوا مؤهلين لأن يكونوا من رجال الخالصة ويطلعوا على تعاليمها.
-       أن الخالصة مجموعة من الشباب الذين يرتبطون بنظام سلوكي ديني قاس، حيث ينصرفون إلى الصلاة ووالجهاد من أجل الحق والعدل الذي يعتقدون به ممتنعين عن المخدرات والمسكرات والتبغ.
-       اشتهر السيخ خلال حكمهم بالعسف والظلم الجور والغلطة على المسلمين من مثل منعهم من أداء الفرائض الدينية والأذان وبناء المساجد في القرى التي يكونون في أكثرية وذلك فضلاً عن المصادمات السملحة بينهما والتي يقتل فيها كثير من المسلمين الأبرياء.
أبرز الكتب الدينيّة لدى الطائفة السيخيّة
1- كتاب (آدي غرانت) وهو مجموعة أناشيد دينية أَلَّفها المعلمون الخمسة الأوائل وتبلغ نحو من 6000 نشيد ديني، كما ضم إليها المعلم الأخير (غوبند سنغ) 115 نشيداً نظمها أبوه (تيغ بهادور) كما تحتوي على أناشيد نظمها شيوخ من الخالصة (الباختا) وبعض رجال الصوفية المسلمين من مثل إبن الفارض على وجه الخصوص وبعض شعراء بلاط (غورو)، وهذا الكتاب هو الكتاب المقدس الذي يُعتبَرُ أساس السلطة الروحية لديهم.
2- كتاب (راحت ناما) يحتوي على تقاليد الخالصة وتعاليمهم.
3- لهم كتاب مقدس مكتوب باللغة الكورمكية يسمونه (كرانته صاحب).
الجذور الفكرية والعقائدية
-       يقال بأن (ناناك) لم يكن الأول في مذهبه السيخي هذا، وإنما سبقه إليه شخص آخر صوفي اسمه (كبير) (1440 – 1518م) درس الدين الإسلامي والهندوسي وكوَّن حركة اتصال بين الدينين إذا أراد أن يؤلف بينهما عن طريق التوجيه والتأمل الصوفي.
-       كان (كبير) هذا يتساهل في قبول كثير من العقائد الهندوكية ويضمها إلى الإسلام شريطة بقاء التوحيد أساساً، لكنه لم يفلح إذا انقرض مذهبه بموته مُخَلِّفَاً مجموعة أشعار باللغة البنجابية تُظهر تمازج العقيدتين المختلفتين الهندوسية والإسلامية مرتبطتين برباط صوفي يجمع بينهما.
-       أصل نظريتهم عن الكون مستمدة من النصوص الهندوسية.
-       إنهم يحرقون موتاهم كالهندوس.
الانتشار ومواقع النفوذ السيخيّة
-       لهم بلد مقدس يعقدون فيه اجتماعاتهم المهمة، وهي مدينة (أمرتيسار) من أعمال البنجاب وقد دخلت عند التقسيم في أرض الهند.
-       لهم في مدينة (أمرتيسار) أكبر معبد يحجون إليه ويسمى (دربار صاحب) أي مركز ديوان السيد الملك، وأما سائر المعابد فتسمى (كرو داوره) أي مركز الأستاذ.
-       أكثرية السيخ تقطن البنجاب إذ يعيش فيها 85% منهم، فيما تجد الباقي في ولاية هاريانا، وفي دلهي، وفي أنحاء متفرقة من الهند، وقد استقر بعضهم في ماليزيا وسنغافورة وشرق أفريقيا وإنجلترا والولايات المتحدة وكندا، ورحل بعضهم إلى دول الخليج العربي بقصد العمل.
-       لديهم اعتقاد راسخ بضرورة إيجاد دولة لهم وأن ذلك أحد أركان الإيمان لديهم إذ ينشدون في نهاية كل عبادة نشيداً يقولون فيه (سيَحكُمُ رجالُ الخالصة) كما يحملون بأن تكون عاصمتهم في شانديغار.
سابعاً: الديانــــة الطّاويّــــة (التاويّـــة)
الطاوية إحدى أكبر الديانات الصينية القديمة التي ما تزال حَيّةً إلى اليوم؛ إذ ترجع إلى القرن السادس قبل الميلاد، تقوم في جوهر فكرتها على العودة إلى الحياة الطبيعية والوقوف موقفاً سلبياً من الحضارة والمدنية. كان لها دور هام في تطوير علم الكيمياء منذ آلاف السنين وذلك من خلال مسيرتها في البحث عن إكسير الحياة ومعرفة سر الخلود.
التأسيس وأبرز الشخصيات
-       يعتقد بأن لوتس الذي كان ميلاده عام (507) ق. م هو الأساس الذي قامت عليه الطاوية والتي ترجع معتقداتها إلى زمن سحيق، وقد وضع كتابه (طاو ـ تي ـ تشينغ) أي كتاب طريقة القوة. وقد التقى به كونفوشيوس فأخذ عنه أشياء وخالفه في أشياء أخرى.
-       ظهر (شوانغ تسو)  الذي يرجع إلى القرن الرابع والثالث قبل الميلاد زاعماً بأن لوتس كان أحد المعلمين السماويين، كما قام بشرح كتاب معلمه لوتس مضيفاً إليه شيئاً من فلسفته.
-       في عام (142م) زعم (شانغ طاولينغ) أنه قد جاءه الوحي من الرب تعالى بأن يتحمل تبعات إصلاح الدين الطاوي، وأنه قد ارتقى وسُمّي المعلم السماويّ لذلك التنظيم الذي صار لسلالته الذين عرفوا بالمعلمين السماويين.
-       في القرن الثاني الميلادي انتشرت الطاوية الشعبية بفضل حركة السلم الكبير وقد كمان للمعلِّمين السماويين دور كبير في نشرها.
-       في عام (220م) زالت أسرة هان مما أدى إلى انقسام الصينيين إلى ثلاثة أقسام الأمر الذي ترك أثره على الاختلافات الدينية الإقليمية فيما بينهم.
-       عقب سقوط اسرة هان، وفي القرنين الثالث والرابع الميلادي ظهرت الطاوية الجديدة.
أبرز الكتب الدينيّة لدى الديانة الطاويّة
1- كتاب لوتس المسمى (طاو ـ تي ـ تشينغ) لم يكن لِيُكْتَبَ لولا رجاء حارس الممر (ين شي) الذي طلب من المعلم الشيخ أن يدوِّنَ أفكاره. وهذا الكتاب مجموعة قطع أدبية تحيط بطبيعة (طاو) كما تشمل قواعد عامة وأمثلة للحاكم الذي يمتلك زمام أمر الطاو، وهو كتاب غامض في كثير من عباراته إذ إن ذلك الغموض مقصود لذاته.
2- كتاب شوانغ تسو: وقد بَحَثَ في النظرة الطاوية الفلسفية، كما أجرى مقابلة بين السماء والبشر، وبين الطبيبعة والمجتمع، طالباً من الطاويين طرح كل الحيل المصطنعة، وفيه قصص عن بشر كاملين يستطيعون الطيران هم (الخالدون) الذين لا يتأثرون بالعناصر الطبيعية ولا يمسهم حر ولا قر، أصحاب أرواح تمتاز بحرية في تصرفها.
3- كتاب (هوانغ ـ تي ـ ني ـ تشينغ) وهو من القرن الثالث قبل الميلاد، فيه تجارب على بعض المعادن والنباتات والمواد الحيوانية وذلك انطلاقاً من اهتمامهم في المحافظة على الصحة وإطالة الحياة.
4- كتاب (باو ـ بو ـ تسو) الذي انتهوا من تأليفه عام (317م) يبحث في علوم الكيمياء القديمة وفيه محاولات لتحويل المعادن إلى ذهب وإطالة الحياة بواسطة بعض الأكاسير.
خلاصة معتقدات الطاويّة حول (الإله)
-       الإله، لديهم، ليس بصوت، ولا صورة، أبديٌ لا يفنى، وجوده سابق وجود غيره وهو أصل الموجودات، وروحه تجري فيها.
-       إن (طاو) هو المطلق الكائن، وهو مراد الكون، إنه ليس منفصلاً عن الكون بل هو داخل فيه دخولاً جوهرياً، انبثقت عنه جميع الموجودات.
-       يؤمنون بوحدة الوجود إذ إنّ الخالق والمخلوق شيءٌ واحدٌ لا تنفصل أجزاوءه وإلا لاقى الفناء.
-       نظرتهم إلى الإله قريبة جداً من مذهب الحلولية الذي يذهب إلى أنّ الخالق حالٌّ في كل الموجودات، كما أن الخالق لا يستطيع أن يتصرف أو يعمل إلا بحلوله في الأشياء.
-       يؤمنون بالقانون السماوي الأعظم الذي هو أصل الحياة والنشاط والحركة لجميع الموجودات في السماء والأرض.
-       يرى شونغ تسي بأن الإنسان قد جاء إلى الوجود مع الكون، فهو يحب الله ولكنه يحب المصدر الذي جاء منه الله أكثر من حبه الله، فهو تصور يدل على أنهم يعتقدون بأن هناك مبدأ قبل الله.
أبرز الاحتفالات الدينية والطقوس والشعائر الطاويّة
-       هنناك طقس شيو وهو أقدم الطقوس إذ هو تجديد لعلاقة الجماعة بالآلهة، ولا يزال هذا الطقس موجوداً في تايوان إلى اليوم.
-       هناك طقوس لتنصيب الكهنة، وأخرى عند ميلاد الآلهة.
-       يمارس بعض الكهنة طقوساً معينةً في مناسبات الدفن والزواج والولادة.
-       من طقوسهم معالجة المريض وذلك بإدخاله إلى غرفة هادئة يقضي فيها بعض الوقت متأملاً منشغلاً بذنوبه، كما يقوم بعضهم باستعمال الوسطاء الذين يسترخون في سبات ويزعمون أنهم يقومون بنقل آراء الآلهة أو الأموات أو الأقارب.
-       حرق البخور موضوع أساسي لكل عبادة طاوية فضلاً عن استعمال الخناجر والماء المسحور والموسيقا والأقنعة والكتب المقدسة.
-       اهتم الطاويون بطول العمر. ويُعتبرُ التقدم في السن دليلاً على القداسة حتى صار من أهداف التصوف الطاوي السعي لإطالة العمر والخلود،وقد ذهب بعضهم إلى أدعاء إمكانية إطالة العمر مئات السنين، وأفضل الخالدين ـ في نظرهم ـ هم الذين يصعدون إلى السماء في وضح النهار، هذا الخلود الذي من الممكن أن يتم، حسب اعتقادهم، بوساطة تدريبات ورياضيات خاصة جسدية وروحية.
-       كان الاهتمام بالبحث عن إكسير الحياة عاملاً مهمِّاً في تقدم الطب والكيمياء على أيديهم فضلاً عن السحر والشعوذة والدجل مما أدى إلى ثراء الكهنة ثراء فاحشاً.
-       ليس لديهم إيمان بالبعث والحساب، إنما يكافأ المحسن بالصحة وبطول العمر فيما يجازي المسيء بالمرض وبالموت المبكر.
الانتشار وأبرز مواقع النفوذ الطّاوي
-       في عام 1958م أُعِلنَ بأن ثلاثين ألفاً من الكهنة الطاويين لا يزالون ناشطين في مختلف أنحاء الصين. ومعلوم بأن الثقافة الصينية التقليدية الطاوية ما تزال حية فيها.
-       في عام 1949م هرب آخر المعلمين السماويين (شانغ اين بو) إلى تايوان، وفي عام 1960م انبعثت هذه الديانة من جديد وظهرت المعابد الطاوية الضخمة كمعبد (شهنان) قرب تايبية والذي يضم تمثال (لو يونغ ين) الذي تقمصته روح إله الطاو، كما يزعمون، وفي عام 1970م مات هذا المعلم السماوي ليخلفه ابنه (شانغ يوان هسين).
-       توجد فئات طاوية في بعض نواحي ماليزيا وبينيانغ وسنغافورة وبانكوك.


هناك تعليق واحد:

  1. من فضلك استاذ هل يمكن تزويد القارئ بقائمة المصادر والمراجع المعتمدة؟

    ردحذف